تتوفّر ولاية معسكر على عدد معتبر من الحدائق التي تتوسّط النسيج العمراني لمدنها أو تحيط به في شكل فضاءات غابية، وتعتبر عاصمة الولاية الأوفر حظا من حيث وجود هذه المرافق تليها المدن الكبرى وتلك التي عمّر فيها الكولون واستقر فيها مخلّفا شغفه بالحدائق، على غرار حدائق المحمدية وسيق وحديقة البحيرات في تغنيف. «تيفاريتي» عنوان لاستراحة العائلات وتعتبر حديقة «تيفاريتي» بمدينة معسكر من الفضاءات المفضلة للعائلات على مدار فصول السنة، للترويح عن النفس وتبادل أطراف الحديث، خاصة بين ربات البيوت اللواتي يصطحبن أطفالهن في نهاية كل يوم فتمتد تلك الجلسات إلى غاية ساعة متأخرة من المساء. وتفضل معظم العائلات المعسكرية هذه الحديقة المنجزة حديثا لتوسطها الأحياء السكنية التي شيدت في العشرية الأخيرة، حيث ساهمت في تحسين المنظر العام لمدينة الأمير عبد القادر وباتت بمثابة معلما حضريا وطبيعيا أنشأ بعدما تمّ تهيئة منحدر صخري، وتمتد حديقة «تيفاريتي» على مساحة تفوق 3 هكتارات، حيث تتوسطها مساحات خضراء كما هيّأت بها ممرات على شكل مدرجات يقابلها حوض مائي يجلب الزوار وفي مقدمتهم العائلات التي تؤمها بحثا عن متنفس للضغوط اليومية، كما تحمل الحديقة تسمية «تيفاريتي» نسبة إلى المدينة المحررة بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي تربطها اتفاقية توأمة مع مدينة معسكر منذ سنة 2008. «أهلا بكم» أول مشروع لحديقة تسلية بمعسكر ومثل «تيفاريتي» سعت السلطات الولائية إلى إيجاد متنفس للعائلات ومرافق تنقذ المدينة من الشلل المؤقت في كل أمسيات صيفية، فتوجهت نحو فتح باب الاستثمار في مرافق التسلية أمام الخواص، وكان مشروع مؤسسة «أهلا بكم» بحديقة خصيبية المتربعة على مساحة 25 هكتار من الغطاء الغابي، أول محطة تجسد عليها تجربة استثمار الخواص في فضاءات التسلية، وبعد أن كان هذا الفضاء محرما على العائلات ووكرا للمنحرفين وشتى أنواع الإجرام، تحول في غضون سنوات معدودة إلى قبلة للنزهة تحجها المئات من العائلات والأشخاص العابرين لإقليم ولاية معسكر من مختلف مناطق الوطن، وقد تعرضت حديقة خصيبية إلى عملية تهيئة شاملة لم تغير من صورتها القديمة، لكن عمد القائمون على مشروع حديقة للتسلية، إلى إقامة ألعاب صناعية من مختلف الأحجام لفائدة شريحة الأطفال، مع تخصيص جزء من الحديقة لإقامة مرافق للخدمات المتنوعة في الهواء الطلق، حدائق عمومية مهملة في تغنيف والمحمدية وإن حظي سكان مدينة معسكر بمشروع لإقامة حديقة تسلية تتوفر على الأقل على فضاءات مخصصة للأطفال، فإن باقي سكان الولاية على غرار مواطني مدينة المحمدية، يأملون فقط أن تفتح أمامهم أبواب الحدائق العمومية، نفسه أمل سكان مدينة تغنيف في أن تخصص السلطات المحلية جزءً من البرامج التنموية لتأهيل حديقة البحيرة الصغيرة والبحيرة الكبيرة في وسط مدينة تغنيف، حيث وبالرغم من وضعيتها الحالية، لا تزال هذه الحديقة بمدينة تغنيف الوجهة المفضلة لأبناء المنطقة من أجل قضاء قسط من الراحة والسمر، أما في المحمدية التي تعانق أشجار حدائقها البنايات القديمة وتزين صورتها الحضرية، فينتظر مواطنيها أن تلتفت السلطات إلى انشغالهم من أجل فتح حديقة مغلقة تتوسط مدرستي ابن رشد ومدرسة حبيز لخضر أمام أبنائهم، فيما أكد في الأمر رئيس بلدية المحمدية أن مصالحه تعتني بالصيانة الدورية للحدائق العمومية في المحمدية لكنها لا تملك الميزانية الكفيلة بتهيئتها وتحويلها إلى مزار حقيقي للعائلات، موضحا أن بلدية المحمدية تلقت وعودا بتخصيص 10 ملايير سنتيم من أجل تحويل غابة البخايتية إلى حديقة للتسلية، لكن ذلك لم يتحقّق لحد الساعة، مما يضطر بسكان المدينة القريبة من السواحل الغربية إلى الرحيل في أفواج إلى شواطئ المدن القريبة هربا من حرارة الصيف وضغط المدن في فترات العطل، في ظلّ غياب أي مرفق للتسلية ينقذهم من الملل والروتين اليومي. حديقة جديدة وسط مدينة معسكر مع ذلك تواصل السلطات الولائية بمعسكر جهودها المحصورة في إعداد دراسات تقنية لتهيئة فضاءات التسلية بعاصمة الولاية، وخلق فضاءات جديدة بمركز مدينة معسكر، فيما تتجه السلطات ذاتها إلى فتح باب الاستثمار أمام الخواص في تنفيذ مشاريع تتوافق مع الدراسات المعدة وتليق بالصورة الحقيقة لمدينة عصرية وحضارية، أمام شحّ المداخيل والموارد المالية، وحاليا، يذكر أن السلطات المحلية بمعسكر تعد لإطلاق مشروع إنجاز حديقة عمومية في مكان السوق المركزي القديم، بعد هدمه واسترجاع وعاء عقاري مهم، وذلك بالموازاة مع مخطط تنموي هام للتحسين الحضري، في الوقت الذي يتوفر فيه مركز المدينة على ساحات عمومية في شكل حدائق مترامية الأطراف مهملة وغير مستغلة أتم الاستغلال، إلا ما يذكر منها تلك الأجزاء التي اختيرت لإقامة المقاهي وعرض مبيعات التجار المتجولين. حديقة باستور المنطقة المحظورة على العائلات يشاع كثيرا أن حديقة باستور المتربّعة على 5 هكتارات من الغطاء الغابي والنباتي المتنوع والتي تتوسط قلب مدينة معسكر، منطقة يُحظر فيها التجوال على جميع المواطنين باستثناء المنحرفين ومحترفي السرقة والإجرام، ولمجرد دخولك إلى الحديقة عبر بابها الرئيسي، يحدّد حراسها مسارك ويمنعك لمصلحتك ومن باب الحيطة والحذر من أي اعتداء مباغت قد تتعرض إليه، الأمر الذي يحرم زائر الحديقة من متعة الاستجمام والتمتع بموجات السكون التي تصنعها بعض الأصناف النباتية الممتصة للضجيج، وترنمها زقزقات العصافير من أصناف الطيور المهاجرة وبعض منها المصنف في خانة الندرة أوالانقراض، لتبعث في الزائر راحة إلهية متناهية على خطوات من المسلك الرئيسي المهيأ، لكن سرعان ما يختفي شعور الزائر بالاسترخاء لمجرد تفكيره بخطر الاعتداء الذي يتربص به. إرث تاريخي ومؤهلات طبيعية طي الإهمال وكان ذلك نفس الموقف الذي تعرضت له «الشعب» لدى محاولتنا تسليط الضوء على الزوايا الخفية بمحيط حديقة باستور بعاصمة الولاية معسكر، التي لم يطرأ عليها أي تغيير من الناحية الايجابية، بمرور دواليب الحقب التاريخية المتتالية على الحديقة التي كثيرا ما توصف برئة المدينة، حيث كان المعمرون يقيمون حفلاتهم هنا خلف الأسوار الحجرية العتيدة التي بناها الرومان حصنا ل»كاسترنوفا»، وأبقى عليها الأتراك ضمن خطوطهم الدفاعية الحربية، جزء منها يحيط بحديقة باستور حاليا، والتي يشكّل أسفل الجسر الرابط بين شقي قلب المدينة التي يعبرها مجرى وادي المامونية، الذي يعتبر بدوره شريان حياة العشرات من الأصناف النباتية بالحديقة، وتحت الجسر تبدأ الخطوات المحظورة داخل الحديقة، وعنوة تحاول عصبة من الشباب المثقف والهاوي لفنون المسرح والتمثيل، كسر الحظر المفروض على قلب مدينة معسكر، واختار هؤلاء المكان إقامة خاصة بهم للإبداع الفني والمسرحي في جحر مسرح القوس بحديقة باستور، فيكسرون الخوف المجلجل على عمق الحديقة، وهو في الأساس خوف غير مبرر بسبب الأخبار المتناقلة عن أحداث الاعتداءات والسرقات، خاصة بعد أن تأكد ذلك ل»الشعب» في جولتها بين أحراش حديقة باستور، حيث ثبت لنا أن لا خطر يباغت الزائر وسط الحديقة في الأجزاء الممنوعة والمحظور فيها التجوال، سوى الوضعية الحالية للحديقة خاصة مع كثافة الحشائش الضارة التي تعد جزءً مشكلا للتنوع النباتي في الحديقة والتي كثيرا ما تكون ملجأ للزواحف السامة والجرذان الضخمة التي تأوي إلى قناة صرف المياه القذرة الرئيسية المتدفقة مياهها في العراء عبر مجرى الواد بسبب كسور في القناة، أوتلك الأنواع السامة من الزواحف التي سكنت مبنى المسبح البلدي الموجود داخل الحديقة وطاله الإهمال منذ عقدين من الزمن، عموما منع التجوال والتوغل في الحديقة كثيرا ما يلقى اللامبالاة من طرف بعض الزائرين ولعلهم يسهمون بدورهم في توفير العامل الأمني الذي يفرضه منطق إعمار الحديقة من طرف المواطنين، فتزول أسباب حرمان العشرات من العائلات من متعة التوغل في حديقة باستور والتجوال فيها، حيث تعود تلك الأسباب أيضا إلى تسليط صفات السمعة السيئة والشبهة حول زائري الحديقة خاصة من العنصر النسوي سواء كان مرفوقا بعائلته أومن دونها، وذلك ما يرتبط بالذهنيات الضيقة والمنغلقة - حصريا - إذا ما تعلّق الأمر بزوار حديقة باستور، بسبب وقوعها في فترة خلت بين يدي معتادي الإجرام أين تحولت إلى مرتع للآفات الاجتماعية باختلافها. وباعتبارها أهم فضاء طبيعي للراحة بعاصمة الولاية معسكر، تحتاج حديقة باستور، إلى تركيز العناية وبذل المزيد من الجهود لاستعادة صيتها التاريخي وأهميتها الاجتماعية، من منطلق تمكن عصبة الشباب المثقف من تغيير الرؤية العامة لحديقة باستور، ومساعي العديد من الجمعيات المحلية الناشطة إلى إعادة النفس لرئة المدينة من خلال حملات النظافة التطوعية، بعيدا عن البرامج التنموية التي تسطر في كل مخطط تنموي لتهيئة الحديقة دون أن يستجد على صورتها العامة أي تغيير يذكر، في ظلّ الانعدام الكلي لمرافق الخدمات داخل الحديقة التابعة لأملاك بلدية معسكر والخاضعة لتسيير محافظة الغابات التي تسهر على حماية الوسط الطبيعي للحديقة وتوفر جوا من الطمأنينة والسكينة في وسطها بسبب انتشار أعوان مصالح الغابات.
سياحة المقابر والأضرحة في الواجهة وفي ظلّ غياب المبادرات الفعّالة ولافتقار السياحة المحلية لاستراتيجية واضحة تخرجها من العزلة والانكماش، تظلّ المقابر والأضرحة الوجهة المفضلة للكثير من العائلات والزوار، على غرار ضريح سيدي داود ببلدية سيق الذي يشهد إقبالا كبيرا على مدار الأسبوع لعائلات تفضل ركن سياراتها في مدخل المقبرة والجلوس بمحاذاة القبور لإشعال مواقد الشواء، الأمر نفسه بالنسبة لضريح سيدي قادة بلمختار الذي يشهد توافدا لا مثيل له من الزوار من مختلف المناطق الغربية للوطن، حيث يحظى هذا الولي الصالح باحترام ووقار تلك العينة من الجزائريين التي تؤمن بكرامات الرجل وبركاته في طلب الزواج والذرية لمن لم تسعفهم السنوات بالقسمة والنصيب، لدرجة أن قباب الأولياء الصالحين المبنية في وسط المقبرة القديمة قد تحولت إلى ملاذ للمشعوذين وهي سبب آخر لتحول الأنظار إلى ضريح سيدي قادة بلمختار وإقدام العدد الكبير من الزوار على التجوال داخل المكان المقدس، خاصة في أيام الاثنين والجمعة، وقد تصطف أمام شجرة زيتون تعود لأزمان طويلة، جماعات من النساء والفتيات لتخطي سلسلة حديدية صلبة ربطت في جذع شجرة الزيتون،فيقفزن عليها بحركات متخالفة حتى يفك عنهن «الرباط» أو المانع أمام النصيب، ومثلها أيضا تنتشر بضريح سيدي قادة بلمختار عدة طقوس وعادات بالية لكنها عامل أساسي في حشد الحشود لإنعاش سياحة الأضرحة بولاية معسكر، وخلاف عجز السلطات المحلية لاحتواء الوضع وتحويله إلى زاوية مضيئة تؤثر إيجابا على السياحة المحلية في شقها المرتبط بالسياحة الدينية، يعمد التجار والباعة المتنقلون أمام مدخل ضريح سيدي قادة بلمختار إلى نصب خيمهم ووضع طاولات لبيع مختلف الحاجات القابلة للبيع على غرار الألبسة التقليدية، لعب الأطفال، حلويات، أواني منزلية وغيرها، وكأنهم ينبهون القائمين على وضع السياحة أن المكان قابل للتحويل إلى وجهة سياحية ومعرض لمختلف المنتوجات المحلية التي تعكس الطابع التاريخي والتراثي للمنطقة، مادامت تتوفر جميع الشروط لتحقيق ذلك، وأساسها أن لا يكلف الأمر السلطات عناء التفكير في كيفية استقطاب الكم الهائل من السياح.