تعرف العراق أوضاعا مضطربة جدا، أمنيا وسياسيا واقتصاديا ما أدى إلى انتقال الخلافات إلى البيت الواحد بعد فشل الإصلاح السياسي، جعل البعض يقول أن مؤشرات حزبية وإعلامية تتحدث عن انقلاب عسكري، بينما يرى البعض ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط ويرى آخرون أن لا خروج من الوضع الحالي المتردي إلاّ بإحداث تغيير شامل بالرئاسات الثلاث والكل يستعمل أوراقه للضغط على الآخرين. زاد الوضع العراقي تأزما بعد أن أعلن مقتدى الصدر إيقاف العمل السياسي معتبرا جلسة البرلمان ليوم 30 أفريل وأد للحركة الإصلاحية التي لا تريد المساس بأحد، داعيا كتلة الأحرار إلى مقاطعة الجلسات التي يكون فيها أي نوع من أنواع المحاصصة، ما أدى إلى فشل تحقيق النصاب القانوني في مجلس النواب فرفعت الجلسة وأجلت إلى الأسبوع القادم قبل التصويت على التغيير الوزاري ما أدى بأنصار الصدر إلى اقتحام المنطقة الخضراء ومقر البرلمان معلنين اعتصامهم فيه، ما أدى بالقيادي الصدري «علي العتبي» إلى القول أن ما حدث كان يجب أن يحدث منذ سنوات كون الشعب يموت جوعا وحرقا والقيادات تعيش في بذخ ونعيم، مضيفا لن نعتدي على سلطة الدولة أو القانون ولن نخل بالنظام وتحركنا منظبط في حين اعتبرت القيادات الثلاث اقتحام مقر البرلمان والمنطقة الخضراء خروج عن القانون يستوجب معاقبة فاعليه. وكان الصدر قد أعلن يوم 30 أفريل أنه لن يشترك في أي عملية سياسية فيها أي نوع من المحاصصة ولو بعنوان التكنوقراط لأن كما يرى إرادة الشعب أقوى وأعلى وأهم، وأشار الصدر إلى أن الشعب يأبى إلاّ أن تنجح ثورته ولو كره المفسدون مطالبا بالإصلاح الجذري، فإما بقاء الفاسدين والمحاصصة أو إسقاط الحكومة برمتها وكشف عن وجود ضغوط كبيرة على العبادي من قبل الذين يريدون المحاصصة. في حين دعا رئيس مجلس النواب الجبوري الصدر إلى سحب متظاهريه محذرا من انهيار الدولة، ما أدى بقيادة العمليات إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى واستخدامها للقنابل الصوتية لوقف تدفق المتظاهرين وأغلقت جميع مداخل بغداد وتم إخلاء العبادي والجبوري من المنطقة الخضراء كما غادرها غالبية المسؤولين العراقيين. وكان الصدر قد أعلن أنه سيعتكف لمدة شهرين إعرابا عن الرفض الكامل لأي نوع من أنواع المحاصصة وعودة الفساد والمفسدين، ويبدو أن خطوة الصدر هذه جاءت بالتنسيق مع العبادي بالإضافة إلى ضغط الشارع. تداعيات الاعتصام الرابع للصدر تدعيات الاعتصام الأخير قد تتخذ أحد الاتجاهات الثلاث التالية: تجميد الدستور وحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ انسحاب المتظاهرين من البرلمان وبقاء حالة المراوحة في العملية السياسية بين اعتصام وآخر للهروب للأمام. انتقال الصراع بين الأطراف السياسية المتنازعة من المؤسسات إلى الشوارع وهذا قد يؤدي إلى تدخلات خارجية. وكانت جموع المعتصمين قد انسحبت داخل المنطقة الخضراء من ساحة الاحتفالات، بعد بيان اللجنة التنظيمية للإعتصامات التي دعت فيه إلى الخروج من المنطقة احتراما لزيارة الإمام الكاظم مؤكدة أن المتظاهرين سيعودون إلى المنطقة بعد انتهاء الزيارة لغرض «إصلاح» العملية السياسية، فيما دعت إلى «وقفة عظيمة» يوم الجمعة المقبل. وقالت عضو اللجنة إخلاص العبيدي في كلمة أمام حشود المعتصمين في ساحة الاحتفالات ببغداد: «من موقع الاقتدار والقوة نعلن خروجنا من المنطقة الخضراء، وسنعود وسيكون عودنا أحمد». وأضافت العبيدي: «إننا نطالب بالتصويت على حكومة تكنوقراط بجلسة واحدة لمجلس النواب، وإلا فإننا سنتجه إلى إقالة الرئاسات الثلاث، وإن لم يتحقق ذلك فسنتجه إلى العصيان المدني أو الإضراب الشامل، والمرحلة الأخيرة ستكون التوجه إلى الانتخابات المبكرة. وقد ألقى اقتحام الصدريين للمنطقة الخضراء غير المسبوق في 30 أفريل، وما جرى من ممارسات واعتداءات على بعض النواب، ثم اعتصام الصدريين الرابع في ساحة الاحتفالات، بتداعياته على جميع أطراف العملية السياسية. في حين أكد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، الأحد، ألا بديل عن حماية العملية السياسية والنظام والحفاظ على هيبة الدولة، وقال الجبوري في بيان له إن «مجلس النواب هو بيت الشعب وصوته وتمثيله». وإن ما جرى من ممارسات، سواء على المؤسسة التشريعية أو على أعضائها والموظفين فيها بالاعتداء عليهم، يعد خرقا واضحا وسافرا لقيم احترام الدولة والقانون. من جانبه، حذر القيادي في «منظمة بدر» محمد مهدي البياتي، الأحد، من «نكبة» قد يتعرض لها العراق بعد اقتحام مجلس النواب. وفيما أشار إلى أن شعارات بعض المتظاهرين «مدفوعة الثمن» من البعض أبدى رفضه تغيير شعار «الموت لأميركا» إلى «إيران بره بره»، وخاطب البياتي المتظاهرين بالقول: إننا «شاهدنا بأم أعيننا الدعم الإيراني لمحاربة «داعش»، وهذا هو الفرق يا أيها المتظاهرون فعليكم إدراك المؤامرة، ومن أقحمكم بهذه اللعبة الخبيثة. وفيما دعا قادة «التحالف الوطني العراقي» (الذي يرأسه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري) المتظاهرين إلى أخذ الحيطة والحذر والحفاظ على هيبة الدولة، دان «تحالف القوى العراقية» (الذي يرأسه أحمد المساري) و»ائتلاف الوطنية» بزعامة إياد علاوي، اقتحام مبنى البرلمان. ومن جانبها، استنكرت الكتل الكردستانية اقتحام مبنى البرلمان من قبل المتظاهرين، ورأت أن ما حصل، يوم أول ماي(01 05 2016)، هو ضربة موجعة للعملية السياسية، وأعلنت عن الحاجة في الوقت الحالي إلى إعادة النظر في كيفية مشاركة الكرد بالعملية السياسية. وبين اقتحام الصدريين ثم انسحابهم من المنطقة الخضراء، عقدت الرئاسات الثلاث وقادة الكتل السياسية اجتماعا، الأحد، أدانوا فيه اقتحام مجلس النواب والاعتداء على عدد من أعضائه، وأشاروا إلى أن ما حصل كان تجاوزا على هيبة الدولة، ويستدعي مقاضاة المعتدين، وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية أنه قد «تقرر في الاجتماع مواصلة اللقاءات من أجل ضمان حركة إصلاح العملية السياسية إصلاحا جذريا. الخاسرون والرابحون في جلسة الثلاثاء نجح العبادي في تمرير خمسة وزراء من قائمة الظرف المغلق مؤجلا إكمال تعديلاته الوزارية إلى الأسبوع المقبل، مشيرا إلى وجود رغبة نيابية كبيرة لشمول وزارتي الدفاع والداخلية بالتغيير معتبرا دعمه لهما ناتج لوجود حرب ضد داعش. وقالت هدى سجاد النائب عن حزب الدعوة والمحسوبة على العبادي أن رئيس الحكومة سيغير حكومته كلها ولن يكتفي بالتعديل، في حين خسر النواب المعتصمون والذين لم يحضروا جلسة الثلاثاء الحاسمة متجهين إلى المحكمة الاتحادية وهم يدرسون خياراتهم المقبلة. وكانت لجلسة تاريخية حيث تعاضدت من أجلها الرئاسات الثلاث وتمت دون إراقة الدماء وقالت بشأنها رئيسة كتلة إرادة النائبة حنان الفتلاوي أنها لم تكن شرعية لأنه لا يمكن لشخص أن يدخل بجيش وكلاب بوليسية إلى البرلمان أن يكون رئيسا شرعيا. كما تم خلالها إسقاط موقع نوري المالكي بعد أن تم إسقاطه في الحكومة في 2014 وفي رئاسة الجمهورية 2015 وهكذا سقط المالكي في الرئاسات الثلاث، ما جعل الصدر يشيد بانتصار إرادة الشعب على إرادة الحكام ويعد المالكي الخاسر الأكبر وكذا التحالف الوطني. قلق دولي من اقتحام المنطقة الخضراء وفيما أعربت السفارة الأمريكية في العراق، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، عن القلق إزاء اقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان العراقي وبينما كانت الأطراف المحلية والدولية منشغلة بردود الأفعال على اقتحام الصدريين للمنطقة الخضراء واعتصامهم التاريخي فيها، أكد المكتب الخاص لزعيم «التيار الصدري» السيد مقتدى الصدر أن الشعب بدأ نهضته بالإصلاح ولن تنتهي إلا بالإصلاح. كما أكدت الهيئة السياسية «للتيار الصدري»، الأحد، رفضها أي تعد على ممتلكات الدولة العامة والممتلكات الخاصة وأي محاولة لحرف جهود الإصلاح عن جادتها، داعية المشاركين في العملية السياسية إلى تشكيل كتلة وطنية عابرة للطائفية. ومهما كان فعل الصدريين المستمر والمتقدم من اعتصام إلى آخر، ومهما كانت ردود فعل الآخرين عليه، فإن نجاح تكامل إعتصامات الصدريين مع انسحاباتهم المدروسة قد خلخل بنية العملية السياسية التحتية التي تأسست في عام 2005.