حققت الجزائر في السنوات الأخيرة، تقدما ملحوظا على صعيد مكافحة التطرف والانحراف الديني، وعياً منها بمساهمته في بواعث العنف والإرهاب، ووضعت لذلك استراتيجية محكمة وضابطة لمرجعية صارت معتمدة من قبل المحافل الدولية. لا يتوقف وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، في معظم خرجاته، عن تأكيد عزم الدولة على تطهير المساجد وأماكن العبادة من الدخلاء وحملة الفكر الديني المضلل، باعتباره المسبب الرئيس للتطرف والتطرف العنيف، وسعيها في الوقت ذاته للحفاظ على المرجعية الدينية الجزائرية الخالصة والتصدي لكل ما هو مستورد ومخالف لتقاليد المجتمع الجزائري وهويته. الخطاب الديني، من الورشات الكبرى التي تعمل عليها الجزائر، منذ سنوات، لتنقية رسالة المؤسسات الدينية وجعلها هادفة تخدم التنمية الفكرية والروحية للمواطنين، وتجنّب ما يسمّم عقول فئة الشباب على وجه الخصوص واستغلالها في أعمال العنف والإرهاب. وتضع الجهات المختصة، المعالجة الناعمة للفكر التكفيري والمضلل، ضمن الأركان الأساسية لاستراتيجيتها الخاصة بمكافحة الإرهاب، التي عرضتها خلال الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة وبعض المحافل القارية. النجاعة التي حققتها، جعلتها محل طلب من قبل الدول التي تعاني اليوم ويلات الإرهاب، ولا تستثنى منها الدول الغربية المصنفة ضمن دائرة البلدان الكبرى. هذه الأخيرة، التمست من الجزائر إفادتها بخبرتها في هذا المجال، مثلما أكد ذلك وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، في أحد تصريحاته الإعلامية. عيسى، الذي يقود «مشروعا وطنيا» لتعزيز المرجعية الدينية الجزائرية واستعادتها كاملة نقية من الشوائب الذي طالتها بفعل المد المذهبي المستورد والحامل للفكر التكفيري المتطرف، أعلن في الأيام القليلة الماضية، انتقال الوزارة الوصية من مرحلة العمل التحسيسي إلى مرحلة الردع القانوني، من خلال تقديم مشروع قانون لتجريم الانحراف النحلي والتشدد الديني وإنشاء مرصد خاص لذلك، للتصدي لكل من يسعى لبث الفتنة عبر ترويج معتقدات غريبة عن المجتمع الجزائري. سنّ هذا الإطار القانوني، سيمثل، دون شك، خطوة حاسمة للتعامل بحزم مع دعاة التعصب والغلو، كما يعتبر عزم الوزارة على تطهير مؤسسة دينية بحجم المسجد ومنع الدخلاء على الإمامة من السطو على المحراب والمنبر أو الطريق نحو إسناد الرسالة الدينية لأهلها من خريجي المعاهد والجامعات المتخصصة، لأن إمامة المصلين ليست بالهواية التي تسهل ممارستها على من هبّ ودب. لابد للجزائر أن تمر إلى السرعة القصوى، لتحصين المجتمع من بواعث الفكر الديني المتطرف في جميع الفضاءات التقليدية والإعلامية، حيث يفرض تعدد القنوات الفضائية، التعامل مع برامج الدين والفتوى من باب ما يتمشى والمرجعية الوطنية.