تناول المؤرخ الجزائري محمد بن مدور، الذي يشغل منصب مكلف بالإعلام بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بالجزائر، خلال كتابه الذي سيصدر قريبا عن دار الهدية للنشر والتوزيع ''الجزائر العاصمة في العهد الإسلامي''، بالشرح المفصل الدويلات والحضارات التي تعاقبت على المحروسة من جزائر بني مزغنة إلى الحكم العثماني. عن الدوافع الحقيقية وراء كتاب هذا المؤلف، وأمور أخرى يحدثنا بن مدور خلال هذا اللقاء الذي جمعنا به. سيصدر لك، قريبا، مؤلف بعنوان ''الجزائر العاصمة خلال الفترة الإسلامية''، حدثنا عن هذا المولود الثقافي الجديد؟ هذا المؤلف عبارة عن بحث تاريخي مطول يقع في أكثر من 200 صفحة، تناولت فيه واقع الجزائر العاصمة في فترة الحكم الإسلامي، هذه المنطقة التي كانت في وقت ما مركز عبور نحو البحر المتوسط ومناخا ملائما لممارسة النشاط التجاري بحكم انفتاحها على الجهة البحرية، ما جعلها فيما بعد سيدة البحر الأبيض المتوسط بامتلاكها لأكبر أسطور بحري في العالم الذي أكسبها مهابة دولية عالية المستوى. لماذا ركزت على هذه الفترة بالذات من تاريخ الجزائر العاصمة؟ جل اهتماماتي تصب في خانة البحث التاريخي خاصة ذلك الذي يتناول الجزائر العميقة. ولاحظت أثناء الجولة التي قادتني إلى مختلف المكتبات الجزائرية، حيث تصفحت العديد من الكتب ذات الصلة، أن هذه الفترة بالذات في عمر الجزائر المحروسة لم تعن بالدراسة، ما جعلني أغوص في عمق التاريخ حتى أكتشف سر الجزائر العاصمة خلال هذه المرحلة، وكيف كانت سمة المجتمع الجزائري في تلك الفترة، وما هي أصول الدول التي حكمت المنطقة، لأنه بصراحة هناك الكثير من يعتقد أن تاريخ العاصمة محصور في الدخول العثماني. بمعنى ان بداية التأريخ للجزائر العاصمة كان مع الدخول العثماني العام ,1516 في حين يعود تاريخ تأسيس هذه المدينة إلى العام 950 للميلاد على يد بولوغين بن الديزي بن مناد الصنهاجي نسبة إلى قبيلة صنهاجة التي استوطنت المغرب الأوسط وهي من أصول أمازيغية. وما هي هذه الدويلات الجديدة التي تعاقبت فيما بعد على المدينة خلال هذه المرحلة؟ تعاقبت على الجزائر المحروسة العديد من الدويلات وعرفت عدة حضارات أهلتها لأن تكون مركز إشعاع ثقافي وفكري في حوض البحر المتوسط منذ أمد بعيد، ومن بينها دولة المرابطين التي أسست جامع الجديد بالعاصمة سنة 1053 للميلاد، على أنقاض كاتدرائية رومانية تابعة لأكوزيوم، وقد أجريت عليه بعض التعديلات منها ''صومعة'' أضافها الفاتح الإسلامي يوسف بن تشفين العام ,1045 وكذا مسجد سيدي رمضان بالقصبة السفلى... وهناك دولة الحفصيين، وقبيلة عبد الوديد الذين حكموا مدينة تلمسان، ثم دخلوا إلى الجزائر العاصمة وأخضعوها إلى سلطانهم، ثم قبيلة الثعالبة التي انحدر منها الوالي الصالح أبوزيد عبد الرحمان بن مخلوف الثعالبي التي تعود جذورها إلى منطقة أشير، وسيدي عبد الرحمان الولي الصالح الذي يرقد بضريحه بالقصبة الوسطى بالجزائر العاصمة والذي تلقى دروسه الصوفية على يد العالم الجليل سيدي بوجمعة وهو مدفون حاليا بجوار ضريحه بالقصبة. ثم تلتها فترة الإسبان الذين أسسوا أكبر ثكنة عسكرية بالإميرالية بالعاصمة سنة ,1510 الأمر الذي أدى بآخر حكام الجزائر الى الاستنجاد بالإخوة عروج وخير الدين، طالبا منهما حمايته من خطر المد الإسباني على الجزائر، واستغرق الحكم العثماني بها ما يزيد على 3 قرون و27 سنة. وأذكر في هذا المقام أني تطرقت في هذه الدراسة الى هذه المراحل بإسهاب طويل وأدرجت أهم المعالم الأثرية المخلدة لهم. من أين يستقي بن مدور مادته التاريخية؟ من مصادر عديدة، داخل وخارج الوطن، وأهم شيء استعمال المنهج المقارن في عملية فرز المعلومات، هذا المنهج يساعدني حتى لا أقع في هفوات تاريخية، ثم أقوم بعملية غربلة تلك المعلومات المتحصل عليها لاستخراج مادة صافية قابلة للاستهلاك الفكري. ومن بين المصادر التي أركز عليها في أبحاثي الإيكولوجية المؤرخ ''هايدو'' من إسبانيا، والانجليزي ''شوو''، إلى جانب مؤرخين فرنسيين من بينهم ''دالفو''، ''أوري كلين''، ''جورج ماسي''، ''باربوغار'' الذي كتب عدة كتب في مجال البحث التاريخي المتعلق بالجزائر، ويعد من المهتمين بالتراث التاريخي الجزائري خلال المرحلة الإسلامية. وهناك مصادر أخرى مثل الدوريات والمجلات أهمها مجلة ''أفريكا''، وما جاء في مقدمة العلامة عبد الرحمان ابن خلدون. هناك العديد من الكتب تحمل أخطاء فادحة عن تاريخ الجزائر ومع ذلك مازالت مطروحة في الأسواق برأيك من يتحمل مسؤولية ذلك؟ فعلا هذا ما اكتشفته أيضا.. أقلام تناولت تاريخ الجزائر بالتشويه من الأعماق، لتغليط الأجيال والعالم كله، خاصة الصحفيين الذين يترأسون مكاتب ووكلات الأنباء العربية والغربية الذين تجرأوا على القيام بروبورتاجات صحفية حول معالم أثرية من أضرحة وقلع ومدن تاريخية وما أكثرها في الجزائر، معتمدين في ذلك على مصادر غير موثوقة، ما أدى إلى تشويه الجزائر تاريخيا، وحتى بعض الصحفيين من الإعلام الوطني منهم من قام بأعمال مماثلة حول الحصون الحضارية التي يشوبها الكثير من الأغلاط في المعلومات في مادتهم الإعلامية. وأهم شيء وجدته على هذه الشبكة انتشار بعض اللوحات التشكيلية التي رسمت من قبل الإخوين الفرنسيين ''وولد ويسور'' اللذين رسما لوحات تشكيلية لصحن قلعة الداي حسين وهم في الأصل لم يزورا الجزائر. وعليه أناشد الكتاب والباحثين ورجال الإعلام في الوسائط المختلفة، تحري المعلومات التاريخية قبل نشرها على صفحات الجرائد اليومية والمجلات وحتى على مستوى الحصص التلفزيونية والإذاعية، عن طريق مراجعة المختصين في هذا المجال، ولتصحيح المعلومات عمدت إلى تسجيل بعض الحصص الإذاعية أشرح خلالها تاريخ البهجة ومناطق أخرى من الوطن.