كانت ولا تزال منطقة الشرق الأوسط تثير اهتمام الكثير من الباحثين في الشؤون السياسية والإستراتيجية بحكم أن هذه المنطقة محطة ترتبط برسم السياسات العالمية للدول الكبرى التي تعتبر أن التواجد في هذه المنطقة يكتسي أهمية إستراتيجية قصوى لا يمكن التخلي عنها بحكم أن المنطقة تنام على خزان هائل من الطاقة التي كانت وراء الطفرة الصناعية و التكنولوجية التي حققتها الدول الكبرى و التي لاتزال تعتمد بشكل كبير على النفط للحفاظ على هذا المستوى من التقدم و تحقيق التفوق على المنافسين و هذا ما يفسر وجود الأزمات المستعصية التي تعصف بالمنطقة و التي ليست في حقيقة الأمر إلا نتيجة تنافس محموم بين القوى الكبرى في هذا العالم من اجل السيطرة على مناطق النفوذ والمصالح . في هذا الصدد نظمت أمس وزارة الشؤون الخارجية بمقرها الكائن بهضبة العناصر « ندوة نقاش بعنوان « التحديات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط» نشطها ضيف المعهد الدبلوماسي و العلاقات الدولية البروفيسور الأمريكي ذي الاصول الايرانية مهران كامروا ، الذي يشغل حاليا منصب مدير مركز الدراسات الدولية و الإقليمية بجامعة جورج تاون بقطر، البروفيسور مهران و في مستهل مداخلته قال انه درس الكثير عن تاريخ الجزائر و عن ثورة نوفمبر المظفرة الشيء الذي مكنه من اخذ نظرة عامة عن هذا البلد و عن الشعب الجزائري قبل أن تتاح له هذه الفرصة لزيارتها لأول مرة بدعوة من وزارة الخارجية. البروفيسور مهران و لدى حديثه عن التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط أقر أن هناك الكثير من التحديات و لكن فضّل التركيز على ثلاثة منها اعتبرها محورية – من وجهة نظره- لان الأخرى أصبح يعرفها العام و الخاص ورأى انه لا داعي من العودة اليها و من بين التحديات الثلاث السابقة الذكر استهل البروفيسور مهران محاضرته - التي قدمها باللغة الانجليزية مما شكل صعوبات لغوية للكثير من الحاضرين بسبب عدم وجود مترجم - من الجانب الثقافي و عن عجز النخبة المثقفة في اقتراح حلول عملية و سريعة للمشاكل التي تواجه المنطقة و عدم الاهتمام بمشاكل بلدانهم مقابل البحث عن مناطق آمنة لممارسة التفكير و البحث و التوجه إلى بلدان توفر لهم فرص عمل آمنة و مريحة من جميع الجوانب كما هو الشأن في قطر و الإمارات و هذا ما يؤدي إلى حدوث قطيعة بين هذه النخب المثقفة و بلدانها و تصبح بذلك لا تعبر عن واقع بلدانها و شعوبها و تستعيض عن ذلك بالتطرق إلى معضلات عالمية أخرى كاحتلال فلسطين و الامبريالية العالمية ..الخ بينما تغيب عن اهتماماتهم مشاكل بلدانهم . العامل الآخر الذي اعتبره البروفيسور مهران من اكبر التحديات الراهنة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط كذلك هو اتساع النزعة الطائفية في المنطقة بسبب الأزمات التي تعيشها بعض المناطق معتبرا أن هذا الوباء يهدد وحدة الدول في المنطقة و زاد من المواجهات بين دول الجوار في المنطقة و ذكر بالمناسبة بالدور الذي تلعبه كل من ايران و المملكة العربية السعودية في تأجيج الطائفية خاصة بين الشيعة و السنة و أضاف المحاضر أن الخطاب المسجدي اخذ منحى خطير و أصبح يساهم في إذكاء الطائفية في المنطقة و ذكر انه صدم و هو يستمع إلى الشيخ القرضاوي في إحدى خطب الجمعة في قطر حين وصف الشيعة بالكفر بينما لم يكن هذا موجودا في السابق مما يؤكد حجم هذا التحدي على المنطقة – أضاف ضيف وزارة الخارجية- و في رده عن سؤال «الشعب» حول دور التدخل الأجنبي في إذكاء الفتنة الطائفية في المنطقة اقر ان هذا العامل زاد من الاحتقان الطائفي في المنطقة بسبب الضرر الذي ألحقه بالمؤسسات من خلال تفكيكها مما فتح الباب مشرعا أمام المشاريع الطائفية . البروفيسور لم يخف في ختام مداخلته إعجابه بالدبلوماسية الجزائرية و تجربتها في حل الكثير من الأزمات الدولية و ذكر على وجه الخصوص باتفاقية الجزائر سنة 1975 بين العراق و إيران و كذا مساهمة الجزائر في حل أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران سنة 1981 و التي توسطت الجزائر في حلها و انتهت تلك الأزمة بسلام و لم يفوت البروفيسور مهران كامروا للإشادة بالدور البناء الذي تلعبه الجزائر في حل الأزمات و أضاف ان هذا الدور تلعبه الجزائر اليوم في الشرق الأوسط و في غيرها من مناطق العالم في الأخير اعتبر البروفيسور مهران أن الأهم في أي عملية وساطة أو مفاوضات إقناع الأطراف المتنازعة بتنفيذ ما تفرزه طاولات المفاوضات و هذا من مميّزات الدبلوماسية الجزائرية التي أثبتت في العديد من الوساطات انها قادرة على إقناع مختلف الأطراف المتنازعة بنتائج المفاوضات و في هذا الصدد عقد المحاضر مقارنة بين الجزائر و قطر التي قال انها حاولت ان تستنسخ التجربة الجزائرية في هذا المجال من خلال القيام بوساطات و قيادة مفاوضات لكنها تجربتها لم تلق النجاح الذي حققته الدبلوماسية الجزائرية و في الغالب كانت النتائج على الأرض لا تعكس ماتم الاتفاق عليه في طاولات المفاوضات في الحالات التي قاد الوساطة فيها الدبلوماسية لقطرية.