الانفتاح الإعلامي لم يتبع بآليات ضابطة في ظل غياب أخلاقيات المهنة، تنحرف الرسالة الإعلامية عن المهمة المنوطة بها وينعكس ذلك بالضرورة على المجتمع. هذا ما لاحظته الصحافية “المخضرمة” دليلة رجيمي زهاني، التي أمضت 30 سنة في حقل الصحافة وعايشت تطورات هذه الأخيرة، منذ عهد الحزب الواحد والتعددية الإعلامية التي صاحبت الانتقال الديمقراطي، إلى غاية الانفتاح الإعلامي، وماتزال تواصل عملها بجد وتفانٍ بوكالة الأنباء الجزائرية، حيث تخصصت في مجال الصحة. عبّرت دليلة زهاني، في لقاء مع جريدة “الشعب”، عن رأيها في مسألة هامة في الحياة المهنية، تتعلق بأخلاقيات المهنة. وأبدت أسفها وحسرتها على الوضعية التي آل إليها الإعلام، من نقص الاحترافية واحترام القوانين، قائلة: “حاليا لا يوجد أثر لأخلاقيات المهنة، خاصة لدى وسائل الإعلام الخاصة”. وراحت الصحافية في شهادتها تقارن بين المراحل التي عرفها الإعلام في الجزائر، منذ عهد الحزب الواحد، مرورا بالتعددية، إلى مرحلة الانفتاح الإعلامي، ملاحظة أن أخلاقيات المهنة قد تراجعت بشكل كبير، بفعل طغيان الذاتية والجانب التجاري، ولذلك علاقة بالضمير المهني في كثير من الأحيان، على حد قولها. من الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية، إشكالية نقص وحتى انعدام التكوين لدى الملتحقين مؤخرا بالحقل الصحفي، خاصة العاملين في العناوين والقنوات الخاصة، بحسب ما ذكرت هذه الإعلامية، التي أعربت عن أسفها لهذه الوضعية التي تتطلب إجراءات استعجالية لإعادة الأمور إلى نصابها، مبرزة أن القانون يجب أن يخضع له القطاع الخاص، كما القطاع العمومي. ولفتت السيدة دليلة في هذا الصدد، إلى أن الصحافيين بالقطاع الخاص، يعملون وفق توجيهات يتلقوها من المسئولين وفق خط معين، حتى المعلومة التي يقدمونها للمتلقي لا يراعى فيها كيفية إيصالها إلى المواطن ولا مستواه التعليمي. وترى دليلة زهاني، أن الأعمال الصحفية التي يقدمونها، لا يفهمها عامة الناس، في حين أنها تتطلب أسلوبا بسيطا وسلسا وصورا غير صادمة. وقدمت في هذا الإطار عدة أمثلة عن “أعمال صحفية” – بين قوسين - على حد قولها، كونها لا ترقى لمستوى المهمة التي أنيطت بها، فانحرفت عن الرسالة الإعلامية وأصبحت تبحث عن الإثارة بشتى الوسائل، على حساب المشاعر والأحاسيس والكرامة الإنسانية. تطرقت دليلة زهاني إلى الانفتاح الإعلامي بقطاع السمعي البصري وعلاقته بالقضية المطروحة “مدى احترام أخلاقيات المهنة”، انطلاقا من عملها الطويل في الحقل الإعلامي، قائلة، إن الجزائر قد خطت خطوات كبيرة من خلال هذا الانفتاح، لكنه لم يرفق بآليات قانونية، كمراقبة مدى احترام دفتر الشروط وبالتالي من المفروض أن تعمل وفق هذا الأخير، غير أن هذا الأمر لم يتحقق، على حد تعبيرها، لافتة إلى أن 5 قنوات إعلامية فقط تمتلك تراخيص أو اعتمادات، والبقية تعمل خارج إطار القانون. في ظل هذا الانفتاح، لم توضع ضوابط تؤطر العمل الصحافي، لهذا ترى دليلة زهاني ضرورة تقنين مجال حرية التعبير، الذي أصبح الجميع يتغنى بها ويستعملها كحق يراد به باطل في كثير من الأحيان، كون الهدف منها بلوغ المصالح وخدمة الذاتية، بدل التحلي بالموضوعية. وهنا أكدت المقولة المشهورة “تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين”. كما أشارت المتحدثة في هذا السياق، إلى أن معظم المراسلين متقاعدون من قطاعات مختلفة وبالتالي ليس لهم علاقة بالمهنة ولا بأخلاقياتها، وكثيرا ما تجدهم يتعاملون مع أكثر من صحيفة، وقد ينشرون أخبار ليست للنشر أو لا يمكن أن تشكل مادة إعلامية، تقدم خدمة للمواطنين على المستوى المحلي.