عادت إلى واجهة الأحداث ، مسألة اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل و عزمها نقل سفارتها إليها ، مثيرة موجة قلق و خوف كبيرين من تجسيدها على أرض الواقع ، خاصة و أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب لم يخف دعمه لهذه الخطة التي أحياها الجمهوريون في مجلس الشيوخ ، و لم يداري مغازلته و انحيازه لإسرائيل من خلال استنكاره لعدم استخدام واشنطن «الفيتو»، ضد قرار أممي تمّ تبنيه في 23 ديسمبر الماضي، يطالب بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ، متعهدا بأن الأمور ستكون مختلفة بعد أن يتولى منصبه في البيت الأبيض. في الواقع الحديث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة ليس أمرا جديدا إذ سبق للكونغرس أن أيّد هذا المسعى مند أزيد من عقدين ، ففي عام 1995 صدر قانون نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدسالمحتلة ، و ذلك بعد أربعة أسابيع فقط من توقيع اتفاق «طابا» في البيت الأبيض بين دولة الاحتلال و الفلسطينيين و الذي تمّ فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس و تأجيل بحثها إلى المفاوضات النهائية. كما امتدّ الأمر ببعض الرؤساء الأمريكيين إلى المصادقة على القانون و تزكيته و هو ما فعله بوش الابن في 2002 ، لكن القانون الى الآن لم يتجسّد على أرض الواقع ، و لم تكسب إسرائيل «معركة القدس» التي أعلنتها مند أن احتلت فلسطين ، بعد أن حصل إجماع بين كل المتعاقبين على البيت الأبيض على عدم المجازفة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، لأن ذلك حسبهم سيفجّر المنطقة و يلحق الأذى بالمصالح الأمريكية و يؤثر على أمنها القومي. و تحت هذا المبرّر ، رفض بوش الأب و كلينتون و بوش الابن و أوباما و قبلهم ريغان نقل سفارة بلادهم إلى القدسالمحتلة لإدراكهم بأن ذلك سيكون بمثابة هزّ لعشّ الدبّور، و بقي قرار الكنغرس طول العقدين الماضيين نائما في الأدراج ، لكن هاهم جمهوريو مجلس الشيوخ ينفضون الغبار عنه و يعيدوه إلى الواجهة من جديد مع قدوم الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي أكد عزمه على تنفيذه ، فهل سيفعل ترامب ما رفض أسلافه فعله لينسف الموقف الأمريكي الذي يقرّ بأن وضع القدس تحدّده المحادثات النهائية بين الفلسطينيين و إسرائيل؟ أعتقد بأن ترامب سيحسب ألف حساب قبل أن يتخذ قرارا بشأن نقل السفارة الأمريكية الى القدسالمحتلة ، و الأكيد أنه سيخشى العواقب التي حذّره منها وزير الخارجية جون كيري الذي قال بأن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس سيفتح أبواب جهنّم و سيحدث انفجارا في منطقة الشرق الأوسط برمتها.