أصبحت قضية الإرهاب في عصرنا هذا، من أهم القضايا التي دوخت الأوساط الدولية. والدول الإسلامية، كغيرها، نالها نصيبها من الإرهاب على تفاوت بينها. فما معنى الإرهاب، وما هي البواعث والأسباب التي تؤدي إليه، وما حجم الأضرار التي تنتج عن تلكم الممارسات الإرهابية الظالمة؟ إن الإرهاب كلمة لها معنى ذو صور متعددة، يجمعها: الإخافة والترويع للآمنين بدون حق، وإزهاق الأنفس البريئة وإتلاف الأموال المعصومة، وهتك الأعراض المصونة، وشق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم والخروج، وتهييج الشباب ضد بلادهم والزج بهم في مواجهات ومصادمات مع ولاة الأمر والعلماء في صور من الإرهاب الفكري. مفهوم «الإرهاب» والاختلاف الدولي حول تحديده معانيه تعاني دول العالم من صعوبة الاتفاق بشأن التعاون لمكافحة هذه ظاهرة الإرهاب والقائم به، وذلك لاختلاف نظرتها إلى الإرهاب من حيث مفهومه ومعناه، وأدى ذلك إلى فشل أغلب الجهود الدولية في الوصول إلى تحديد دقيق لحقيقة الإرهاب، وللأسباب التي تؤدي إلى ممارسة النشاطات التي تنشئ حالة الإرهاب. حيث انتهى المؤتمر الدولي، الذي انعقد في عام 1973م، لبحث الإرهاب والجريمة السياسية، انتهى إلى عدم وجود مفهوم واضح. ما حال دون الاتفاق على درجة التعاون الدولي لمكافحته واجتثاث جذوره. فالإرهابي في نظر البعض، هو «محارب من أجل الحرية في نظر الآخرين». أما رجال الإعلام فيختلفون في وصف أعضاء المنظمات الإرهابية، باختلاف الموقف السياسي الذي يتخذونه تجاههم، لذلك استخدمت أوصاف مختلفة عند الإشارة الى تلك المنظمات. فهم إرهابيون أو مخربون، أو عصاة أو منشقون أو مجرمون، أو جنود تحرير أو محاربون من أجل الحرية، أو مناضلون أو رجال حركة شعبية أو ثورية، وأحيانًا يوصفون بأنهم خصوم أو معارضون للحكم أو «راديكاليون» «متطرفون: Radicals». أما العمليات التي يقومون بها، فهي في نظر بعض الكتاب، عمليات إرهابية أو أفعال إجرامية دنيئة وغادرة، وفي نظر بعضهم الآخر تعد عمليات فدائية أو عمليات مقاومة أو تحرير. لذلك كله، ارتأينا أن نتتبع مفهوم «الإرهاب» من جانبه اللغوي ثم الإصطلاحي، لعلنا نهتدي إلى التقارب في تحديده. الإرهاب لُغةً كلمة «إرهاب» تشتق من الفعل المزيد «أرهب»؛ ويقال أرهب فلانا: أي خوَّفه وفزَّعه. نفس المعنى يدل عليه الفعل المضعف «رَهّبَ». أما الفعل «رَهِبَ»، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف. يقال: رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه. والرهبة هي الخوف والفزع. أما الفعل «تَرَهَّبَ» فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبنة والرهبانية...إلخ. يستعمل أيضا الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد، إذا كان متعديا، فيقال ترهب فلانا: أي توعده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه. وكلمة الإرهابيون في «المعجم الوسيط»: هي وصف يطلق على الأشخاص الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية. أما في «المنجد»: الإرهابي هو من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف، تستخدمه حكومات أو جماعات ثورية. و»في الرائد»، «الإرهاب هو رعب تحدثه أعمال عنف، كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب. و»الإرهابي» هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى. و»الحكم الإرهابي» هو نوع من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية. أما المعاجم العربية القديمة، فلم تتعرض إلى كلمتي «الإرهاب» و»الإرهابي»، لأنها كلمات حديثة الاستعمال. أما في القرآن الكريم، فقد ذكرت الكلمة كثيرا، حيث قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» - الأنفال:60. وقد فسر ابن كثير كلمة تُرْهِبُونَ أي تخوِّفون بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ من الكافرين. أما القرطبي ففسّرها بمعنى: تخيفون به عدو الله وعدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب وقال تعالى: «لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ»- الحشر:13». فسرها ابن كثير: أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله. ويلحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح «الإرهاب» بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من المادة اللغوية نفسها، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، وبعضها الآخر يدل على الرهبنة والتعبد. في الحديث النبوي الشريف، لم ترد كثيرا مشتقات مادة «رهب»، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ «رهبة» في حديث الدعاء: رغبة ورهبة إليك. خلاصة القول: إن «الإرهاب» في اللغة العربية والقرآن الكريم، يعني التخويف والإفزاع وأن «الإرهابي» هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين. ولا يختلف هذا المعنى في اللغات الأخرى، فقد ورد في قاموس «المورد» أن كلمة terreur تعني: «رعب، ذُعر، هول، كل ما يوقع الرعب في النفوس، إرهاب، عهد إرهاب»، والاسم terrorisme يعني: «إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب»، وterroriste تعني: «الإرهابي»، والفعل terrorise يعني: «يُرهب، يُروِّع، يُكرهه على أمرٍ بالإرهاب» وفي قاموس أكسفورد «Oxford Dictionary»: نجد أن كلمة Terroriste «الإرهابي» هو الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية. والاسم Terrorisme بمعنى «الإرهاب» يُقصد به «استخدام العنف والتخويف أو الإرهاب، وبخاصة في أغراض سياسية». ويُعرف كل من يضلع في بث الخوف والرهبة في قلوب الآمنين بالإرهابي أو الإرهابية. المعنى السياسي لمصطلح الإرهاب بسبب التعقيدات السياسية والدينية، فقد أصبح المعنى السياسي لمصطلح الإرهاب مفهوما غامضاً أحياناً، ومختلفا عليه في أحيان أخرى. وقد حاولت المنظمات الدولية كالأممالمتحدة تحديد مفهوم الفعل الإرهابي من منطلق أن «الإرهاب» هو شكل من أشكال العنف المنظم، بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الأعمال الإرهابية، مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم ووضع القنابل والعبوات المتفجرة واختطاف وسائل النقل كالسيارات والأتوبيسات والطائرات أو تفجيرها، وتلغيم الرسائل وإرسالها إلى الأهداف التي خطط الإرهابيون للإضرار بها... إلخ. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C.I.A) قد تبنت في عام 1400ه (1980م)، تعريفًا ينصُّ على أن «الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة، أو فزع، أو ذهول، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي وقد اجتمعت لجنة الخبراء العرب في تونس، في الفترة من 20 حتى 22 محرم 1410ه (الموافق 22-24 أغسطس سنة 1989م) لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر، ووضعت تعريفًا يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحًا، حيث ينص على أن الإرهاب «هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب، والذي يستهدف تحقيق أهداف سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد، وذلك في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأممالمتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو، ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان، وأن يكون نضال الحركات التحررية وفقًا لأغراض ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع». هناك اختلاف في المعنى السياسي لكلمة إرهاب عربيا. فقد عرفه بعضهم بأنه «أي عمل عدواني يستخدم العنف، والقوة ضد المدنيين، ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو، عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل العنيفة». في الإسلام يعتبر الإرهاب نوعا من إعداد القوة والسلاح، لإثارة الرعب في نفوس الأعداء، وتخويفهم لمنعهم من الاعتداء على المسلمين، أي أنه نوع من العمليات الاحترازية العسكرية. والإرهاب باختصار، عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعًا من القهر للآخرين، بغية تحقيق غاية معينة. الإرهاب وجذوره التاريخية لم يولد الإرهاب في الدول العربية والإسلامية، ولم يصدر منها، كما يحاول الأوروبيون والأمريكان ربطه بحضارة الأمة العربية متمثلة في دينها وقوميتها أو بين الإرهاب والإسلام. يقول الكاتب المحلل السياسي اللبناني «قاسم محمد عثمان»، إن تاريخ العمل الارهابي يعود إلى ثقافة الإنسان بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم بغية الحصول على مبتغاه، بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة. العمل الإرهابي عمل قديم، يعود إلى مئات السنين. ففي القرن الأول همّت جماعة من المتعصبين على ترويع اليهود من الأغنياء، الذين تعاونوا مع المحتل الروماني للمناطق الواقعة على شرق البحر المتوسط. وفي القرن الحادي عشر، لم يجزع الحشاشون من بث الرعب بين الآمنين عن طريق القتل. وعلى مدار قرنين، قاوم الحشاشون الجهود المبذولة من الدولة لقمعهم وتحييد إرهابهم، وبرعوا في تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الإرهاب. ويعود مصطلح «الحشاشين» إلى طائفة شيعية مسلمة (النزارية الإسماعيلية – المعروفة بالحشاشين، «متعاطي الحشيش»)، التي قاتلت مسلمي السنة في الفترة (1090 - 1250 هجري)، وناضلت ضد الاحتلال أثناء الحملة الصليبية في فترة العصور المسيحية الوسطى (1095 - 1291)