الجزائر/فرنسا: التصريحات العدائية لسياسيين فرنسيين خلقت مناخا ساما    دعم فرنسا لما يسمى بخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية "خطأ فادح"    الرئيس تبون يستقبل أمين المركزية النقابية    انعقاد الاجتماع الأول للشباك الموحد للسوق المالي    حملة تهجم وتكالب اليمين المتطرف الفرنسي على الجزائر    دربال يشرف على إطلاق مشاريع توسيع شبكة مياه الشرب    انطلاق عملية دفع تكاليف الحج لعام 2025    الرئيس تبون ينهي مهام وزيرا المالية والمكلف بالإنتاج الصيدلاني    الرئيس تبون يحذّر باريس مما لا يمكن إصلاحه    6 مشاريع جديدة لتربية المائيات بوهران    جهود لتغيير وجه المنطقة نحو الأحسن    المخزن يهين وفدا باسكيا بمطار العيون: "اذا كانوا يعاملوننا هكذا, فماذا يفعلون مع الصحراويين؟"    مدرب بوركينافاسو يشيد ب"الخضر" قبل مواجهة "الكان"    رئيس الاتحادية يعقد ندوة صحفية اليوم    مولاي وخوجة "حمراويان" في انتظار ضم حمرة وجوبي الغابوني    تحديث وتحسين محطات الوقود والخدمات    ثلاث فتيات ضمن عصابة مهلوسات    مروجو المهلوسات في قبضة الشرطة    النمط المعيشي في قفص الاتهام    مسار وتاريخ    حين يصبح الوهم حقيقة    مفارقات عبثية بين الحياة والموت    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية لعائلة الفقيد    عطاف يستلم أوراق اعتماد سفيري كمبوديا وغينيا الاستوائية    شارك في الاجتماع السنوي لشركة بيكر هيوز بإيطاليا..حشيشي يعقد سلسلة اجتماعات مع شركتي تيكنيمونت وبيكر هيوز    الذكرى ال30 لتأسيس الإذاعة الثقافية : تسليط الضوء على انتصارات الدبلوماسية الثقافية الجزائرية    لعبد القادر بن دعماش.. اصدار جديد حول عميد أغنية الشعبي أمحمد العنقى    توقع إيرادات تفوق 600 مليار سنتيم خلال 2025 : لترشيد النفقات.. الفاف يطلق مشروعًا جديدًا    قرار الانتقال نحو "نيوم" السعودي صدم الجماهير الجزائرية بيتكوفيتش يشعر بالخيبة بسبب سعيد بن رحمة..    الكونغو الديمقراطية : القتال يتسبب في حالة طوارئ صحية    تعمل على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.. الاتحاد البرلماني العربي يرحب بإنشاء "مجموعة لاهاي"    العيد ربيقة : "التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر جرائم لن تسقط بالتقادم"    المجلس الشعبي الوطني : لجنة إثراء قانون الأحزاب السياسية تختتم أشغالها    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, السيد عطاف يتواصل مع عدد من نظرائه الافارقة بشأن النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية    باتنة: المناطق الرطبة تستقطب أزيد من 6800 طائر مهاجر    علوش: الجزائر نجحت في الوفاء بالتزاماتها وطرح قضايا محورية على طاولة مجلس الأمن    انطلاق التربص التكويني لفائدة اطارات وزارة العلاقات مع البرلمان    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية إلى عائلة المجاهد محفوظ اسماعيل    انطلاق عملية دفع تكلفة الحج لموسم 2025 عبر كافة ولايات الوطن    وهران : انطلاق تظاهرة الأبواب المفتوحة حول القوات البحرية    الجزائر العاصمة: افتتاح معرض " قم ترى" للفنانة التشكيلية سامية شلوفي    عرقاب يستقبل وفدا من اتحاد مالكي ومستغلي محطات الخدمات والوقود    بن ناصر يواجه بن موسى وزروقي    ميسي يريد المشاركة في كأس العالم 2026    ثلوج نادرة    الشرطة تُحسّس..    الغاز يقتل عشرات الجزائريين    شرفة يترأس اجتماعاً تقييمياً    نقل قرابة 6 مليون طن من البضائع في 2024    غويري لاعباً لمارسيليا    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    ممتنّون لجهود الجزائر والرئيس تبون في دعم القضية الفلسطينية    تمنراست : إبراز دور الزوايا الكنتية في المحافظة على الهوية الوطنية وحسن الجوار    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر الغش والتّساهل في الامتحانات على الأمن الوطني

قد يعجب الناس في الوقت الحالي من دولة اليابان التي ضُربت مدينتاها هيروشيما ونغازاكي بقنبلتيْن نوويتيْن في الحرب العالمية الثانية خلَّفت دمارًا عظيمًا، وبعدها قامت بثورة علمية أصبحت رائدة في مجال العلم والتكنولوجيا، وصارت تحتل المراكز الأولى عالميًّا.
إن اليابان يطلق عليها اسم «بلد جحيم الامتحانات»؛ لما تتسم به امتحاناتها من صعوبة، ولتطلُّبِها فهم مكنونات العقل البشري ومدى إبداعه، مُحاولة الوصول إلى نخبة جديرة بأن تواصل حمل مشعل العلم للأجيال القادمة، غير مركِّزة على الحفظ. وبهذه الطريقة أصبح الطالب الياباني يبذل مجهودًا كبيرًا عند الاستعداد لأي امتحان، وينشط طَوال السنة بالمواظبة على حضور الدروس وبالمذاكرة المستمرة في كل مكان حتى في تلك التي لا نتصور أنها تصلح للمذاكرة.
يقضي الطلبة اليابانيون بين المكتبات ومقاعد الدراسة 294 يومًا في السنة، من الساعة 7 صباحًا حتى الساعة 11 ليلًا؛ مما يجعلهم أكثر تحصيلًا وتعليمًا وتعودًا على تحمل المسئوليات منذ نعومة أظفارهم، ويعبر بعض رجال التربية اليابانيين عن هذا التوقيت بقولهم: «لولا هذه السياسة المتبعة في استيعاب الطلاب بالعمل الدؤوب لضاع وقتهم في اللهو واللعب».
مبدعون في كل المجالات
غير أنه على الرغم من كل هذا الجهد في المذاكرة فإن التلاميذ قد يفاجئون بامتحان عسير على بعضهم؛ مما يدفع بعددٍ من أولياء الأمور أو التلاميذ إلى الشكوى لوزارة التعليم اليابانية التي تُوليها بدورها اهتمامًا، إلا أنها لا تتراجع عن مبادئها، ولا تتخلى عن مبادئها التي تؤمن بها، بل تحرص على تقاليدها العريقة التي تتمسك بها؛ ما جعلها ذات هيبة وقوة على الصعيد الدولي؛ إذ بهذه الصرامة في الامتحانات والمناهج التعليمية أضحى الطلاب اليابانيون معروفين بمستواهم عالميًّا ومبدعين في كل المجالات.
أما بالنسبة إلى الامتحانات في اليابان فقد انتُهجت حيالها أساليبُ جديدة في المراقبة وأماكن إجرائها؛ مما يعكس عِظَمَ المسئولية الملقاة على عاتق الوزارة والمراقبين وأهمية الامتحانات؛ الأمر الذي جعلهم يبلغون القمة ويتربّعون عليها، وغدتِ اليابان مثالًا في العلم والتقدم والازدهار يجدر بالدول أن تحذو حذوها.
أما عند الحديث عن الجزائر فنقول إن الوضع جِدُّ خطير يستدعى إعادة النظر في نماذج الامتحانات في كل المجالات، والوقوف بحزم أمام هذا الوضع، فالجزائر مع الأسف لا تحظى بمرتبة مرموقة بالنسبة إلى التصنيف العالمي؛ ولا تشغل من ثَمَّ موقعًا متميزًا. إذ الطالب الجزائري يقضي 131 يومًا في مقاعد الدراسة إذا عدَدْنا العطلة الصيفية بثلاثة أشهر، والعطلتيْن الشتوية والربيعية بشهر، والامتحانات السنوية وتصحيحها بشهر واحد فحسب، بغض النظر عن الإضرابات والأعياد.
وبالرغم من ذلك فلو أراد الطالب الجزائري الحامل شهادة ليسانس أن يواصل تعليمه في بعض الدول، فإنه يخضع لامتحان القبول، وبعد اجتيازه قد يجري تقويمه وإرجاعه إلى المستوى المتوسط أو الثانوي!
والسبب يُعزى إلى أن الطالب في الجزائر أصبح موجَّهًا للامتحان أكثر منه إلى العلم، ومهيَّأ للامتحان أكثر من الحياة، عادًّا الامتحان غاية لا وسيلة، وأصبحت موضوعات الامتحانات في الجزائر تقيس درجة حفظ الطلاب بدرجة كبيرة، وهذا الأمر لا يحقق آمال الجزائر في اللحاق بركب الدول المتقدمة.
لقد غدا هدف الطلاب الحصول على معدل عالٍ يسمح له بالالتحاق بكلية الصيدلة أو بالطب أو بالكليات العسكرية، بصرف النظر عمَّا استوعبه في حياته الدراسية، وبعض منهم أصبح همّه النجاح حتى لو بدرجة مقبول أو ولوج طرائق غير مشروعة.
وفي هذا الصدد يقول أحد الدكاترة: إنه يُدهَش من مستوى بعض الطلاب الملتحقين بالتخصصات العلمية؛ نظرًا إلى النتائج الكارثية التي تَحيق بهم في السداسي الأول. مُرجِعًا اللوم إلى من قبله من الأطوار التعليمية.
إن هذا الأمر دقَّ ناقوس الخطر؛ وعليه يجب أن نُعيد النظر في كل نماذج الامتحانات (التحريرية والشفوية والتطبيقية) في كل الجوانب التعليمية والتوظيفية؛ لأن الوضع مُنذر بالخطر، والتساهل فيه يؤثر على الأمن القومي، وهو ما لا تتهاون فيه الجزائر، ومع مَنْ يحاول العبث به، وبمستقبل أجيالها، فالتساهل في امتحانات التخصصات الطبية يعد وسيلة لقتل البشر، والتساهل في التخصصات الهندسية يؤدي إلى إزهاق الأرواح بالغش في أعمال البناء وتعطيل المصانع، والتساهل في امتحان تعليم السياقة يتسبب في حوادث الطرقات...إلخ.
من الرّسوب تنهض الأمم والجزائر ليست الاستثناء
فهدف الجزائر إذن ليس تيسير ولا تعسير الامتحانات، وإنما هدفها التأسيس لمستقبل أفضل ولتطور دائم في كل المجالات التعليمية والطبية والهندسية بمختلف فروعها؛ وذلك قصد مسايرة الركب العالمي وتنشئة طلاب مبدعين، ونحن نريد أن ينجح فحسب كل من يستحق النجاح؛ حتى يكون للنجاح وللرسوب قيمة ومصداقية ومعنى. وعليه فإن المناهج تحتاج إلى تغيُّراتٍ جذرية وسريعة في نوعية الامتحانات ونماذجها وطرائق تسييرها وتصحيحها، آخذة في الاعتبار الحداثة والمعاصرة؛ فالوضع تطوَّر ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتغيير الشامل.
إن الامتحانات في العقود القليلة الماضية أصبحت - في الغالب - تقليدية مكرَّرة مع تغيير طفيف، واعتاد الطلاب فيها على بعض الموضوعات المألوفة التي تعتمد على الحفظ.
ومع ذلك عندما تأتي الامتحانات بفخ بدائي يعد طرفة لهم يرسب بسببه كل الطلاب إلا قليلًا منهم، وتقوم القيامة على واضعه في الصحف ومن التلاميذ وأوليائهم، مؤثرين المصلحة الخاصة على المصلحة العامة مصلحة الوطن، في الوقت الذي أراد فيه واضعها أن يختبر ذكاء الطلاب المقبلين على حمل مسئولية قيادة الأمة إلى مستقبل أفضل.
وبهذا يجب على الوزارة أن تحرص على مجاراة الدول المتقدمة، لا على إرضاء الطلاب أو أوليائهم، كما أنه لا يمكن لأحد أن يتكهن بنسبة النجاح مسبقًا، أو أن يُصرِّح بسهولة أو صعوبة الامتحان، وأن الأولى أن تسلك الوزارة طريق التمحيص واختبار إمكانات الطلاب، واختيار الأجدر منهم والمؤهَّل.
والغريب في الأمر أن بعض المسئولين يقولون: إنه يجب تسهيل وغض الطرف في بعض الأحيان قصد تحقيق نسبة مئوية عالية .وفي الواقع إن هذا الإجراء يعد طامة كبرى؛ إذ إنه يستهدف مصلحته ومصلحة مؤسسته ضاربًا عرض الحائط بمصلحة الجزائر وشعبها.
أما عن مراقبة الامتحانات، فأقول للمراقبين: لقد حملتم أمانة الحفاظ على الدولة وحراستها، وتوفير مناخ ملائم للممتحنين، فلا تكترثوا بما يقوله الصبية من كلام جارح أو تهديد، فأنتم على ثغر وعلى مسئولية عظيمة فلا تخونوا وطنكم؛ لأنه لحمكم ودمكم، وإن لم تقوموا بواجبكم تُجاهه فستكونون خائنين له ولضمائركم ولشهداء الوطن، وصرتم بهذا الفعل مثل من نخر في سد مأرب.
أما فيما يخص المصحِّحين، فعليهم أن يكونوا على قدر المسئولية الموكلة إليهم؛ فلا يُتيحوا لراسب أن ينجح، ولا لناجح أن يرسب، ولا يتصدقون بالنقاط على أحد؛ لأنها ليست ملكهم فينفقون منها كما يشاؤون، مع التزامهم بالدقة في تصحيح أوراق الامتحانات، وعدم منح الدرجات بالمجان لأن هذا يُعدُّ هدمًا للتعليم ولمستقبل الجزائر.
وعليه يجب العمل فورًا على إيجاد نظام بديل وحديث لنماذج الامتحانات في كل المجالات؛ لكي ننقل التعليم والصحة والهندسة بأشكالها كافة إلى بر الأمان ونساير الدول المتقدمة، ونُعد طلبة وأطباء ومهندسين وحتى سائقين مؤهَّلين، قادرين على التصدي للمعضلات التي تواجهنا وتواجه الجزائر، بدلًا من الاستعانة بأشخاص من خارج البلاد ننفق عليهم أموالا طائلة يحتاج إليها شعبنا الأبيّ في مسيرة تطوُّرهِ المنشودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.