قبل أزيد من ثلاث سنوات، وفي إحدى اللقاءات الصحفية مع رئيس مجمع ''أوراسكوم للاتصالات'' السيد قباني، طرحنا سؤالا على هذا الأخير حول حجم استثمارات الشركة في الجزائر وفروعها الأخرى الموجودة في بعض دول العالم الثالث، وكان الغرض من السؤال هو إجراء مقارنة بين الاستثمارات الداخلية ''لأوراسكوم'' وتلك الموجودة في الخارج. وفهم المسؤول الأول عن ''أوراسكوم'' الهدف من طرح هذا السؤال وتجنّب الإجابة عنه في ذلك الوقت، حتى لا يؤكد تلك الفكرة التي كانت تتداول آنذاك على أن فرع الجزائر لهذه الشركة هي في واقع الأمر المصدر الرئيسي لتمويل استثمارات الفروع الأخرى الموجودة في الخارج والتي كانت تعاني الهوان، عكس فرعها في الجزائر الذي وفي ظرف قياسي حقق ما لم تكن تحلم به الشركة الأم، بعد أن وجدت سوقا إستهلاكية وطنية رفعتها إلى أعلى مستوى ووضعتها في المرتبة الأولى ب 12 مليون مشترك، وتوسعت نشاطات الفرع وزادت استثماراته إلى الدرجة التي احتل فيها المرتبة الأولى على مستوى الاستثمارات خارج قطاع المحروقات، بتزكية ومباركة من جهات نافذة في السلطة كانت ولا تزال تؤمن بضرورة دعم النشاط الإقتصادي العربي في الجزائر من خلال تقديم التسهيلات الممكنة في إطار ما تخوّله قوانين الجمهورية. وبالرغم من الإنتقادات التي كانت توجه للشركة المصرية للاتصالات حول مستوى الخدمات الذي لم يكن دائما يلقى الرضا لدى زبائنها، إلا أنها استحوذت على أغلبية زبائن الهاتف النقال رغم وجود منافسين آخرين، خاصة ''نجمة'' و''الجزائر اتصالات''، مما جعلها تبدو وكأنها تتحكم في السوق الوطنية وتسيطر على قطاع الهواتف النقالة، وبالتالي بإمكانها أن تؤثر بطريقة أو بأخرى في هذه السوق وتستعملها كورقة ضغط أو تحت تصرف أبواق مصرية لايزال واقع الصدمة الكروية يسيطر على عقولها وتدفعها نحو ارتكاب المزيد من الحماقات، كأن تلمّح بسحب استثماراتها واستثمارات كل المشاريع المصرية في الجزائر... لكن لن يكون ذلك إلا بعد أن تسوّي وضعيتها القانونية تجاه الدولة الجزائرية، أي أن تفي بالتزاماتها تجاه مصلحة الضرائب التي سبق لها قبل أشهر مضت إخطارها بمستحقاتها تجاه الشركة المصرية التي هي في الأصل شركة جزائرية، أي تعمل وفق القوانين المحلية، كما أكد على ذلك أحد مسؤوليها المصريين في إحدى القنوات العربية، عشية اللقاء الكروي الحاسم الذي جرى بأم درمان، حيث اعتبر أن الرياضة لم ولن تؤثر على حجم تعاملات الشركات المصرية في الجزائر... لكن الذي حدث أنه بعد المباراة الكروية تغيرت النبرة إلى حدّ ما في خضم حملة العداء والكراهية التي شنّتها كل منابر السوء في الفضائيات المصرية، وسط دعاوى ساذجة في هذه القنوات بسحب الاستثمارات المصرية من الجزائر لتجويع أبناء الشعب. ولا يعتقد أن هذا الكلام السخيف الذي صدر من إعلاميين برهنوا خلال هذه الحملة العدائية أنهم أصبحوا يفكرون انطلاقا من أقدامهم، سيجد استجابة لدى المستثمرين المصريين الذين سبق لهم وأن دعوا إخوانهم في مصر إلى وقف هذه الحملة الجنونية ضد الجزائر، لأن مصالحهم كبيرة فيها ومشاريعهم أضخم ولا يمكن تعريضها للخطر جراء الإستفزاز المستمر للشارع الجزائري، الذي كانت بعض ردود فعله عنيفة إلى حدّ ما تجاه بعض المصالح المصرية، والتي تصدّت لها قوات الأمن وفرضت عليها حراسة أمنية مشددة شملت أيضا المحلات التجارية الصغيرة التي فتحت أبوابها مؤخرا. حتى وإن فكر المستثمرون المصريون في سحب استثماراتهم من الجزائر، فإن ذلك لن يؤثر على الإقتصاد الوطني... هذا ما أكده وزير الصناعة وترقية الاستثمارات السيد عبد الحميد تمار الذي أوضح في نفس السياق، أنه لا يظن أن المستثمرين المصريين يفكرون في هذا الأمر، مشيرا إلى أن السلطات الجزائرية لا تزال تشجع المستثمرين المصريين، أولا لأنهم إخوة على حدّ تعبيره وثانيا، لأن الجزائر ترحب بكل الاستثمارات الخارجية، ولكن في ظل ثوابت لا يبدو أن الجزائر مستعدة للتنازل عنها وهي الإحترام والتنمية والأخوة. 511 شركة مصرية موجودة في الجزائر ولا تشغل سوى 4000 عامل جزائري، وانسحابها الذي يعتقد أنه لن يتم لعدة اعتبارات أهمها تمسكها بمصالحها وعدم التفريط فيها، سوف لن يؤثر كثيرا لا على المشاريع الحيوية في البلاد التي تموّل بإمكانيات محلية صرفة، كما أن السوق الوطنية تحظى باهتمام العديد من الاستثمارات الخارجية، وخاصة في المجالات التي تعمل فيها الشركات المصرية العاملة في الجزائر، وأي انسحاب مفترض سيتم تعويضه مباشرة باستثمارات أخرى والمستثمرون المصريون في الجزائر يدركون هذه الحقيقة جيدا، فالمغامرة إذن ليست في مصلحتهم.