تخصيص مساعدات مالية للصحف في قوانين المالية تعتبر جريدة «الشعب» عميد الصحف الجزائرية بعد الاستقلال، حيث كانت المدرسة التي تخرج منها معظم الصحافيين الذين قادوا مسيرة الصحافة الخاصة بعد التعددية الإعلامية التي نص عليها دستور 23 فيفري 1989، وجسدها قانون إعلام 90-07. حيث كان لفتح المجال لإنشاء صحف خاصة، فرصة لعديد الصحافيين من أبناء جريدة «الشعب» لخوض غمار الصحافة الخاصة أو التي يقال عنها مستقلة. كادت تلك التحولات أن تقضي على الصحف العمومية، فعدم التحضير لمرحلة التعددية جعل الفوضى وانتشار السب والشتم في الجرائد مفتوحا للجميع. وقام حزب جبهة التحرير الوطني بإلحاق جريدة «الشعب» في 1990، قبل أن تسترجعها السلطات عام 1991. عانت الجريدة في التسعينيات من شح الإشهار، وطالت يد الإرهاب الهمجي عديد عمالها وصحافييها، كما تم تسريح العديد من العمال في 1997 وإلحاقها «بالهولدينغ» في إطار سياسة إعادة الهيكلة، قبل أن تسترجع عافيتها بعد تحسن الأوضاع الاقتصادية بداية القرن الحالي، خاصة بعد الارتفاع الكبير لأسعار النفط وعودة الانتعاش لسوق الإشهار. بقيت «الشعب» والجرائد العمومية الأخرى بين مختلف السياسات والاستراتيجيات من خلال برامج مجمع الصحافة والاتصال، والعديد من الخطط، على غرار عقود النجاعة ومعالجة مشكلة عزوف القراء، مثلما روجته مصادر من وزارة الاتصال، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية في 9 أفريل الماضي. في انتظار تفاصيل أكثر... أكدت ذات المصادر من وزارة الاتصال، بحسب «واج»، في ذات البرقية، عن تجميع 6 وسائل إعلامية عمومية لإعطائها دفعا لترقية الخدمة العمومية. وجاء في البرقية: «سيتم جمع ست وسائل إعلام عمومية (المجاهد والشعب والمساء و»أوريزون» والجمهورية والنصر) ضمن مجمع صحفي واحد». وأضافت البرقية، أن المجمع يشرف عليه رئيس مدير عام وحيد ومديرون تنفيذيون لليوميات العمومية، يمكن لهذه الأخيرة أن تجتمع حسب اللغة. كما أنه من غير المستبعد تحويل اليوميات إلى أسبوعيات، على غرار سابقاتها الشهيرات «الجزائر الأحداث» و»وريفولسيون أفريكان». يهدف هذا المخطط لتنظيم الصحافة المكتوبة العمومية، بحسب ما ورد في تبريرات وزارة الاتصال، ورد في البرقية: «...يتمثل الهدف من هذا المشروع الذي بدأت مناقشته منذ أكثر من سنة، لإعادة تنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية التابعة لقطاع الاتصال والخاضعة لقوانين السوق، في ضمان ديمومة وتطوير هذه المؤسسات دون المساس بأجور العمال ولا بعددهم». وأضافت البرقية، ...تسعى عملية إعادة تنظيم الجرائد العمومية، التي أقرها مجلس مساهمات الدولة، إلى مواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تعترض هذه المؤسسات وكذا تقهقر وسائل الإعلام العمومية التي تعاني من «عزوف القراء». حول الوضعية الاجتماعية لعمال وصحافيي وسائل الإعلام العمومية، جاء في نفس المصدر، «...وطمأن وزير الاتصال حميد ڤرين في 09 أفريل 2017 خلال اجتماع عقد بمقر الوزارة مسؤولي وسائل الإعلام المعنية، بأنه لم يتقرر تقليص عدد العمال أو أجور مثلما لمحت له بعض المصادر». وأضاف، «أنه لا يمكننا تجاهل العزوف الذي تشهده وسائل الإعلام العمومية والصعوبات الاقتصادية التي ترتبت عن ذلك، باستثناء نوعا ما وسائل الإعلام التي تزال تقوم بوظيفة نفعية ورمزية». ويبقى صحافيو وعمال الصحف العمومية، في انتظار المزيد من التفاصيل حول المخطط وكذا رزنامة تطبيقه، آملين في أن يتلقوا معلومات أكثر في سياق الرقي والنهوض بالقطاع. وأكد محمد بوسلان، صحافي بجريدة المساء، استقبلنا قرار وضع الصحف تحت مجمع واحد بارتياح كبير... خاصة بعد توضيحات وزير الاتصال الأخيرة التي نفى من خلالها وجود أي نية لدى الوصاية للدمج بين الصحف أو تحويل بعضها إلى صحف إلكترونية أو أسبوعية، مثلما تم الترويج له... وبرر الصحافي دواعي الارتياح بهذا القرار، موضحا «...التأكيد على أن الاجتماع الذي عقده مجلس مساهمات الدولة بإشراف الوزير الأول، أن الدولة وعكس ما يشاع، لم تتخل عن قطاع الإعلام العمومي بما فيه الصحف العمومية». وأضاف، «...وضع الصحف الست تحت إشراف مجمع واحد يرأسه رئيس مدير عام، يسمح بتحقيق مبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع هذه الصحف، سواء في جانب ما تحصل عليه من الإشهار العمومي، حيث مازالت هناك فوارق فيما بينها في عدد الصفحات الممنوحة». كما يسمح التنظيم الجديد للمسؤلين المعينين على رأس الصحف العمومية، كمديرين عامين، بالتفرغ للجانب المتعلق بالنشر والتحرير وتحسين أدائها الإعلامي، بعيدا عن المتاعب المتعلقة بالتسيير الإداري والمالي، ما قد يسهم في الرفع من مستوى مقروئيتها. وأكد براهيم براهيمي الخبير في علوم الإعلام والاتصال، أن الصحافة العمومية يجب أن تحظى بالاهتمام، لقدرتها على تقديم الأحسن إذا تم منحها تخصصا ومجالا معينا في سياق التطورات التي تعرفها مختلف القطاعات. وأكد الدكتور فضيل دليو، ل «الشعب»، أن الصحافة التي تقدم خدمة عمومية يجب أن تحظى بدعم من البرلمان، من خلال تخصيص أظرفة مالية في قوانين المالية لمساعدتها على تجاوز ظروف الأزمة. ذاكرة تاريخ الجزائر الحديثة تعتبر الصحافة العمومية ذاكرة التاريخ الحديث للجزائر، حيث كانت مرافقة لمختلف التحولات التي مرت بها الجزائر وأرشيفا لكل المحطات والأحداث البارزة. كانت الصحافة المكتوبة الجزائرية غداة الاستقلال، تطبق القانون الفرنسي للإعلام لسنة 1881 بعد اتخاذ المجلس الوطني التأسيسي في 31 / 12 / 1962 تدابير تقضي بالاستفادة من التجربة الفرنسية، مادامت لا تتنافى مع السيادة الوطنية، وهو ما تم العمل به قي الميدان الإعلامي. فقد استفادت الساحة الإعلامية الجزائرية من بعض الحرية في إصدار الصحف في ظل غياب سياسة وقانون جزائري واضح في تسيير الصحافة المكتوبة. وعليه، شهدت الساحة الإعلامية بين سنة 1962 و1963 صدور 11 صحيفة، منها 6 يوميات. غير أن حزب جبهة التحرير الوطني، وفي اجتماع مكتبه السياسي سبتمبر 1963 قرر تأميم هذه الصحف باستثناء «ألجي ربيبليكان» التي كان يسيرها أشخاص يتمتعون بالجنسية الجزائرية. فتوقفت هذه الصحف، التي كانت تابعة للسلطات الاستعمارية، على غرار: «ليكو دالجي، ليكو دورون – وهران-، أورون ربيبليكان، لاديباش دو كونستونتين» وكانت تنشر وفقا لاتفاقيات»إيفيان»، وعوضت بعدها بأخرى جزائرية. كانت «الشعب» أول جريدة جزائرية ناطقة باللغة العربية وذلك في 11 / 12 / 1962. وتم إصدار جريدة الجمهورية بمدينة وهران على أنقاض «أورون ربيبليكان» في29 / 03 / 1963. وهي تصدر إلى يومنا بعد أن عربت ابتداء من سنة 1976 بشكل تدريجي. وحلت جريدة النصر مكان «لاديباش دو كونستونتين» التي بدأت في شهر سبتمبر 1963 لتعرب بشكل تدريجي ابتداء من سنة 1972. عرفت مرحلة ما بعد 1965 استقرارا كبيرا على الساحة السياسية والاقتصادية، حيث باشرت الدولة الجزائرية سلسلة تأميمات (البنوك، المحروقات)، مع مباشرة تنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية، على غرار إنجاز المصانع والمناطق الصناعية وبرنامج الثورة الزراعية. وقد وجدت وسائل الإعلام الوطنية في هذه الإنجازات والمشاريع المادة الدسمة للتحليل والنقاش والتغطية المكثفة، ناهيك عن السياسة الخارجية لبلدنا، حيث شهدت الدبلوماسية الجزائرية مرحلتها الذهبية، سواء في مناصرة قضايا التحرر أو مساندة العرب في حروبهم ضد إسرائيل بين 1967 و1973. انعكست كل هذه الأحداث على الصحافة الوطنية التي لم تتخلف عن تغطيتها ونقل وقائعها إلى الرأي العام الوطني. وكانت هذه المرحلة ثرية بمكتسبات الصحافة التي استفادت من عديد التشريعات، غير أنها لم تكن في مستوى تطلعات رجال الإعلام والمجتمع الذي أنهكته الاشتراكية القاتلة وقتلت روح الإبداع والمبادرة في البلاد. وقد كان لوزير الإعلام آنذاك الراحل محمد الصديق بن يحي 1966 / 1970 (المتوفى في حادث طائرة رهيب في 3 جوان 1982 بين الحدود التركية - الإيرانية إثر إسقاط طائرته) دور كبير في «استحداث أول قانون للمؤسسات الصحفية في 1967 بعد مشاورات واسعة مع بعض المثقفين ككاتب ياسين ومولود معمري. كما صدر قانون آخر سنة 1968 ينظم مهنة الصحافي. وعانت الصحافة من غياب تشريع إلى غاية 1982 تاريخ صدور أول قانون للإعلام والذي أبقى على التبعية للاشتراكية، مع إصدار صحيفتي «المساء» و»أوريزون» في 1985 والسماح بإدخال الصحف الأجنبية منذ 1982. وبقيت الصحافة العمومية تجتهد في تقديم الخدمة العمومية، مع مساع لتطوير مضامينها إلى غاية 1989 تاريخ صدور أو دستور سمح بالتعددية والذي أتبع بقانون 90-07 الذي كان شهادة ميلاد الصحافة الخاصة. بعد التحولات التي عرفتها الجزائر بدخول اقتصاد السوق، استغل حزب جبهة التحرير الوطني الظروف وألحق جريدة الشعب بجهازه، ليقرر سيد رئيس الحكومة آنذاك سيد أحمد غزالي، استرجاعها في 1991، لتتواصل المتاعب في ظل تراجع المقروئية وتدهور الوضع الأمني وكادت أن تغلق في عديد المرات لولا تحسن الوضع الاقتصادي. وشهدت «الشعب» ومختلف الجرائد العمومية الأخرى الكثير من المتاعب بعد 1997 تاريخ إنشاء المؤسسات القابضة «الهولدينغ»، ليتم أثناءها تسريح عديد العمال والصحافيين ظلما، إلى غاية نهاية التسعينيات حيث بدأت تتحسن الأمور مع ارتفاع أسعار النفط. لكن بقيت الصحافة العمومية محل استراتيجيات عديدة لتطويرها، لكن غياب الاستقرار على مستوى الوزارة واتساع واختلاف وجهات النظر جعلها تراوح مكانها.