مظاهرات 11 ديسمبر ,1960 حدث بارز في مسيرة الثورة الجزائرية، في هذا اليوم، خرجت كل فئات الشعب الجزائري معبرة عن رفضها القاطع للإستعمار ومبدية تعلقها بالثورة.. وهي تقترب من تحقيق الإستقلال الوطني في 5 جويلية .1962 لم تكن هذه المظاهرات الشعبية، عفوية، كما يحلو لبعض المصادر الترويج له، وإنما هي حلقة متواصلة من حلقات كفاح الشعب الجزائري منذ أول نوفمبر ,.1954 فقد حضر لهذه الإنتفاضة تحضيرا دقيقا كان بمثابة الصوت القوي الذي أسمع العالم عدالة قضية الشعب الجزائري الذي يتعرض لأبشع الإبادة الجماعية على يد جلادي فرنسا. فقد نزل الجزائريون إلى شوارع كبرى الأحياء بالعاصمة، رافعين الرايات الوطنية، وهاتفين بشعارات استقلال الجزائر، حاملين لافتات تندد بجرائم الإستعمار ضد أبناء هذا الوطن، وكان هذا الحدث ضربة موجعة للدوائر الإستعمارية التي كانت تعتقد بأن آلتها الحربية قضت على الثورة.. وأن الشعب الجزائري خضع لإغراءات ديغول. كل هذه الإدعاءات والطروحات الباطلة تحطمت على جدار الصمود الشعبي، وتيقن الجميع بأن إرادة الشعب الجزائري لن يوقفها أحد.. وهي تيار جارف ستأخذ في طريقها كل من يعترض تحقيق هذا المبدأ النبيل.. من هنا بدأت فرنسا تفكر جديا في محاورة الجزائريين.. ليدشن عهد جديد في واقع الثورة.. ويسقط كل ذلك التفوق الفرنسي المبني على الوهم والكذب على أن ''الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا''، وتنهار كل المخططات الجهنمية التي أقيمت خصيصا للقضاء على الشعب الجزائري. يستحضر الجزائريون، اليوم، هذه الذكرى الغالية عليهم، وهم مشددون إلى تضحيات شعبهم الأبي الذي واجه إستعمارا غاشما، استعمل كل وسائل الإبادة ضده، قصد محوه من الخريطة واستئصاله بشكل جذري من انتمائه الحضاري.. لم تكن المعركة متكافئة أو متساوية.. بل أن هذا الإستعمار المقيت لجأ لكل الأساليب المحرمة لتركيع هذا الشعب، لكنه لم يفلح في ذلك.. بل أن كل مشاريعه أفشلها وأحبطها الجزائريون بفضل عزمهم على إخراجه وطرده من هذه الأرض الطاهرة. وهذا ما كان، وما تحقق بفضل مليون ونصف مليون من الشهداد. وكل هذه التضحيات بالنفس والنفيس، أتت للشعب الجزائري بالإستقلال الوطني الذي استرد بالدم والدموع، ولم يكن أبدا هدية من ديغول أو من غيره.. بل تطلب تضحيات جسام، التاريخ يتحدث عنها اليوم.. مدونة بأحرف من ذهب في كامل التراب الوطني.. وهذا ما جعل فرنسا تعترف بهزيمتها على أيدي المجاهدين الجزائريين وتستسلم صغيرة في نهاية المطاف. هذه الذكرى التاريخية ليست مرتبطة بحيز زماني جرت فيه، بل هي محطة من محطات الثورة المجيدة. وفي الإطار، فإن كفاح الشعب الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي وإحرازه على الإستقلال، هو أكبر بكثير تجاه ما يدبر، اليوم، في الأوساط الفرنسية التي تسعى لتبييض صورة المجرمين والقتلة الذين ارتكبوا مجازر شنيعة ضد الشعب الجزائري، وهذا بواسطة إصدار نصوص تشريعية تبرئ هؤلاء، وهذا ما لا يسكت عنه الجزائريون، كون الأمر يتعلق بالأجيال القادمة التي لا يجب أن تنسى تضحيات هذا الشعب، وما يدعيه البعض من ''واجب الذاكرة'' و''النظر إلى المستقبل'' ما هو إلا طرح فرنسي لا ينطبق على الجزائريين أبدا، ولا يؤمنون به، لأنه مبني على ذلك التحايل التاريخي القائل بأن الإستعمار كان يحمل رسالة حضارية، في حين كانت مهمته الإبادة والجرائم ضد الإنسانية.