ما قمتم به سيادة الرئيس في فرنسا منذ إنشاء حركتكم «en marche» وفوزكم في المعترك الانتخابي سواء ما تعلّق بالرئاسيات أو التشريعيات يعد ثورة سياسية لقد أحدثتم القطيعة التي أفقدت التيارات السياسية التقليدية بوصلتها، الشيء الذي استحسنه رأيكم العام الوطني بعدما سئم ويئس من هيمنة طبقة سياسية تداولت يسارا ويمينا على الحكم منذ عقود. أعدتم كذلك الآمال للاتحاد الأوروبي وللتعاون الجواري، من هذا المنطلق وللأسباب الآتية يمكنكم المساهمة في بناء تعاون مزدهر يعود بالفائدة على بلدينا وعلى ضفتي المتوسط. إن مصلحة الجزائروفرنسا تكمن في تعامل مثمر متوازن يسمح بتنمية شاملة للبلدين وللمنطقة ككل، فائدة بلدكم ترتكز على التعاون مع اتحاد مغاربي خال من النّزاعات،موجّه نحو بناء اقتصاديات مزدهرة. تأجيج نار الفتنة بين المغرب والجزائر مثلا لن يثمر إلاّ نتائج سلبية علينا وعليكم،وهكذا حالات في زمننا كثيرة. السبيل المفضّل يبقى الحوار إلاّ الحوار لفضّ أيّ نزاع مهما كان وتعلمون جيّدا أننا بلد الحوار، بلد الوئام والمصالحة وهي السبل التي أقرّها وجسّدها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على أرض الواقع وسمحت للجزائر بالخروج من محنة التسعينيات إذ أصبحت نموذجا يقتدى به في محاربة الإرهاب وفك النزاعات عبر القارة الإفريقية وغيرها. هل نجحت التدخلات العسكرية في ايجاد الحلول المبتغاة ؟ ألم تفض إلى نتائج وخيمة على أوطان وحضارات وعلى الإنسانية جمعاء ؟ كم خلّفت من قتلى، جرحى، مشرّدين، خراب ودمار؟ دعوا التاريخ يسجّل لكم قفزة خالدة لصالح بلدينا القادرين على جعل حوض الأبيض المتوسط بحيرة سلام واطمئنان، بدل مقبرة للآلاف من «الحرّاڤة» والزّاحفين في هجرات غير شرعية. تعلمون أنّ نسبة جاليتنا أكبر وعاء إنتخابي ببلدكم، وصوّتت بأغلبية ساحقة لصالحكم في الرّئاسيات ولمرشّحيكم في التشريعيات. معلوم أيضا أنّ الجزائري يعي جيّدا تفكير الفرنسي ونمط معيشته والعكس صحيح، فلماذا لا نحوّل سلبياتنا إلى إيجابيات تدخل الضفتين في علاقات استقرار مزدهر يسمح بتهدئة البحيرة المتوسطية وإعادة اللّون الأزرق إليها بعدما احمرّت أو تكاد تحمرّ من الهيجان والغليان خاصة وأنتم من دعاة المحافظة على المحيط وتبذلون جهودا لإنجاح الكوب 21 COP التي انسحبت منها دول أخرى كالولايات المتحدةالأمريكية. اهتمامكم بمنطقة الساحل يستدعي جهودا فعلية وفعّالة والجزائر قادرة على المساهمة في استتباب الأمور بها،كما سبق لها ان برهنت ولا زالت على ذلك سواء في مالي أوفي ليبيا .. هناك في الدبلوماسية ما يسمى بمبدأ التعامل بالمثل لماذا لم تحذوا حذو بلادنا في فكّ النزاعات بمالي وليبيا ولم تخطوا خطوة يخلّدها التاريخ لكم وتساهموا في حلّ القضية الصحراوية العالقة منذ أربعين سنة والتي لن تحملكم أعباء كبيرة كون القوانين الأممية جاهزة لا تنتظر إلاّ التطبيق ؟ كل هذه الأمور يا سيادة الرئيس تحتاج منكم- وأنتم لا تتجاوزن الأربعين سنة - وضع أجندة حلول سلمية إيجابية تدفع بالقضايا إلى الأمام لا الخلف كما هي عليه الأوضاع الآن في المنطقة العربية، هذا ما يدخلكم إلى تاريخ الانتصارات الإنسانية من بابه الواسع. كلنا على علم بعداء بعض التيّارات للتقارب الفرنسي الجزائري، لكن تلك التي تسعى إلى توطيد علاقات طيّبة بين بلدينا تدرك جيّدا أنّ أيّ نار فتنة عندنا- لا قدّر الله- ستمسّ شظاياها فرنسا لا محالة. مستقبل بلدكم والاتحاد الأوروبي يكمن أيضا في جزائر، اتحاد مغاربي ومنطقة ساحلية مستقرّة مزدهرة، وفي تعاون متوازن يفسح المجال لملايين مؤسساتنا لتعامل اقتصادي وثقافي .. متطوّر تنعكس نتائجه على كلّ مواطني المنطقة الرافضين للحروب والخلافات والنّزاعات ويريدون العيش أحرارا عبر المعمورة دون عقدة أو قيد. هذا ما تسعى إلى تحقيقه المبادئ الإنسانية المنشودة والحرّية التي تعتبرونها المحفّز والمحرك الأساسي لنشاطاتكم ومشاريعكم. الحروب والخلافات ومطاردة المتسبّبين فيها تتطلّب تكاليف باهظة وأنتم على وعي بذلك خاصة بعد زيارتكم الأخيرة إلى دولة مالي. استأصلوا النظرة الاستعمارية القديمة لفرنسا وتجاوزوا منطق الفلسفة الحربية البائدة وأخيرا ، هذه رسالة أمل عشية احتفالاتنا بعيد استقلالنا المجيد من أجل إعطاء ديناميكية لعلاقاتنا الثنائية كما صرّحتم به خلال زيارتكم للجزائر مرشّحا للرئاسيات الفرنسية فمرحبا بكم أيّها الرئيس.