رئيس الجمهورية: "ليس لدي أي نية للبقاء في السلطة"    اقتصاد: الجزائر ستصبح بلدا ناشئا خلال عامين    رئيس الجمهورية: همنا الوحيد هو إقامة الدولة الفلسطينية    التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر: رئيس الجمهورية يدعو إلى تسوية نهائية للخلاف    الجزائر/فرنسا: التصريحات العدائية لسياسيين فرنسيين خلقت مناخا ساما    دعم فرنسا لما يسمى بخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية "خطأ فادح"    انعقاد الاجتماع الأول للشباك الموحد للسوق المالي    تقجوت يبرز الدور المنوط بالطبقة العمالية والنقابات    حملة تهجم وتكالب اليمين المتطرف الفرنسي على الجزائر    دربال يشرف على إطلاق مشاريع توسيع شبكة مياه الشرب    انطلاق عملية دفع تكاليف الحج لعام 2025    تخصيص 12 مطارا و50 وكالة سياحية    الرئيس تبون يحذّر باريس مما لا يمكن إصلاحه    جهود لتغيير وجه المنطقة نحو الأحسن    تحديث وتحسين محطات الوقود والخدمات    مدرب بوركينافاسو يشيد ب"الخضر" قبل مواجهة "الكان"    رئيس الاتحادية يعقد ندوة صحفية اليوم    مولاي وخوجة "حمراويان" في انتظار ضم حمرة وجوبي الغابوني    عطاف يستلم أوراق اعتماد سفيري كمبوديا وغينيا الاستوائية    ثلاث فتيات ضمن عصابة مهلوسات    مروجو المهلوسات في قبضة الشرطة    النمط المعيشي في قفص الاتهام    مسار وتاريخ    حين يصبح الوهم حقيقة    مفارقات عبثية بين الحياة والموت    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية لعائلة الفقيد    6 مشاريع جديدة لتربية المائيات بوهران    شارك في الاجتماع السنوي لشركة بيكر هيوز بإيطاليا..حشيشي يعقد سلسلة اجتماعات مع شركتي تيكنيمونت وبيكر هيوز    الذكرى ال30 لتأسيس الإذاعة الثقافية : تسليط الضوء على انتصارات الدبلوماسية الثقافية الجزائرية    لعبد القادر بن دعماش.. اصدار جديد حول عميد أغنية الشعبي أمحمد العنقى    توقع إيرادات تفوق 600 مليار سنتيم خلال 2025 : لترشيد النفقات.. الفاف يطلق مشروعًا جديدًا    قرار الانتقال نحو "نيوم" السعودي صدم الجماهير الجزائرية بيتكوفيتش يشعر بالخيبة بسبب سعيد بن رحمة..    الكونغو الديمقراطية : القتال يتسبب في حالة طوارئ صحية    تعمل على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.. الاتحاد البرلماني العربي يرحب بإنشاء "مجموعة لاهاي"    باتنة: المناطق الرطبة تستقطب أزيد من 6800 طائر مهاجر    وهران.. انطلاق تظاهرة الأبواب المفتوحة حول القوات البحرية    علوش: الجزائر نجحت في الوفاء بالتزاماتها وطرح قضايا محورية على طاولة مجلس الأمن    انطلاق التربص التكويني لفائدة اطارات وزارة العلاقات مع البرلمان    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية إلى عائلة المجاهد محفوظ اسماعيل    انطلاق عملية دفع تكلفة الحج لموسم 2025 عبر كافة ولايات الوطن    عرقاب يستقبل وفدا من اتحاد مالكي ومستغلي محطات الخدمات والوقود    الجزائر العاصمة: افتتاح معرض " قم ترى" للفنانة التشكيلية سامية شلوفي    بن ناصر يواجه بن موسى وزروقي    ميسي يريد المشاركة في كأس العالم 2026    ثلوج نادرة    الشرطة تُحسّس..    الغاز يقتل عشرات الجزائريين    استئناف النزاع بالكونغو الديمقراطية يُقلق الجزائر    شرفة يترأس اجتماعاً تقييمياً    غويري لاعباً لمارسيليا    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    انتصار جديد لقضية الصحراء الغربية    تمنراست : إبراز دور الزوايا الكنتية في المحافظة على الهوية الوطنية وحسن الجوار    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بومدين أنهى الفوضى بتنظيمه لجيش التحرير
نشر في الشعب يوم 19 - 08 - 2017

«الشهيد الذي لم يمت «..عبارة رددت على مسامعنا كثيرا، إنه عمي مسعود نملة مجاهد من الرعيل الأول ناضل بالقاعدة الشرقية بقيادة العميد علي بوحجة، بالفيلق 24 جيش السمندو عن الكتيبة الأولى، تنقل بجبال تاكسنة رفقة مناضلي المنطقة لمحاربة العدو الفرنسي، إلى غاية الحدود التونسية . كلف بمهمة جلب الأسلحة للثورة، واجه صعوبات لتسوية وضعيته في الحالة المدنية، ففي 2016 تخلص أخيرا من كابوس الوثائق التي تحمل شهادة وفاته وتمكن من استخراج شهادة الميلاد.
.... كان في انتظارنا على أحر من الجمر مدة أسبوع، بعدما اتفقنا على لقاءنا به خلال احتفالية الخامس جويلية 1962 بمقام الشهيد، استقبلنا رفقة زوجته وأبنائه وأحفاده الصغار في بيته بحسين داي بكل حفاوة، وهو في شوق كبير لسرد شهادته عن كفاحه بالولاية التاريخية الثانية الشمال القسنطيني، وكله حرص على إعطائنا أدق التفاصيل المتعلقة بالثورة وبكفاح مجاهدي المنطقة المخلصين والذين كانوا رفقاءه في النضال، منهم من رحل ومن هو حي يرزق.
حدثنا عمي مسعود عن المناطق، التي تحملت عبء الثورة وقدمت تضحيات جسام منها الأوراس، سكيكدة ومنطقة تاكسنة التي ينحدر منها وهي منطقة ثورية بحق نظرا لتضاريسها الوعرة من جبال وأودية، وقفت في وجه الاستعمار الفرنسي بكل بسالة وشجاعة . رفع العلم الجزائري لأول مرة بها سنة 1956، لكن للأسف لا يذكرها المؤرخون ولا يتحدث عنها الإعلام بالقدر الذي تستحقه على حد تعبير عمي مسعود.
مولود بتاريخ 14 جوان 1937 بدوار سرج الغول، بمحاذاة بلدية تاكسنة في جيجل، التحق بصفوف جيش التحرير وعمره لا يتجاوز 17 سنة مسبلا مدة قاربت 5 أشهر، حيث كان يقوم بمهمة تدمير الجسور وأعمدة الكهرباء، وبعدها تم تحويله رفقة الكتيبة التي تضم 145 مجاهد وكتيبتين من الولاية الثانية بقيادة المدعو محمد الشينوة (أي محمد الصيني)، وصديقه العريف الطاهر نحو تونس سنة 1957 لإحضار الأسلحة.
يقول عمي مسعود:» حين وصلت الكتيبة إلى قالمة وبالتحديد بمنطقة الزعرورية في سوق أهراس لم ننجح في العبور نحو الحدود التونسية وفقدنا العديد من رفقائنا المناضلين، بسبب وشاية من الخونة عدنا من حيث أتينا. وفي مطلع سنة 1958 طلب منا المسؤولون العودة في قافلة بقيادة رابح بوذراع، وتم تكليفنا بمهمة وإعطائنا المعلومات من طرف سعيد بن طوبال شقيق لخضر بن طوبال .
بعد أسبوع تم تغيير بوذراع بالعريف الطاهر بوعقبة، الذي طلب من قيادة الثورة تزويده بالمجاهدين الذين عملوا معه ومشهود لهم بالشجاعة والإقدام والإخلاص، وقد كان له ما أراد مما أثلج صدري فرحا، بعدها توجهت نحو تونس وهذه المرة تمكنا من دخول تونس».
بقيت الكتيبة في واد مليس مدة شهر، بعدها قام كل من القائد أحمد وعلي منجلي بزيارتهم طالبين منهم العودة إلى الجزائر وبحوزتهم الأسلحة والألبسة، فتم قطع خط شال لكنهم لم يتمكنوا من قطع خط موريس، كونهم لم يستطيعوا الحصول على دليل لتوجيههم وإعلامهم بالأماكن الخطرة وكان من المفروض أن يزودهم بها لخضر بن ورتي وعطايلية، وبذلك أرغموا على العودة إلى الحدود التونسية حيث مكثوا مدة شهر.
بومدين نظم الجيش ولم يكن جهويا
وبعدها تم تغيير المسؤولين منهم، محمدي سعيد الذي كان قائد الأركان وعوض بالعقيد هواري بومدين وكان ذلك عام 1958، بحيث قدم بومدين الكثير للثورة بالقيام بتنظيم الوحدات ورسم حدود الفيالق، بحيث قضى على الفوضى، وأعطى تعليمات بضرب فرنسا يوميا، حسب شهادة المجاهد نملة قائلا:» حين جاء بومدين كانت الأمور تسير بشكل منظم، حين يطلب منا ضرب العدو على الساعة العاشرة من أم طبول إلى مغنية تنفذ الأوامر، لم يكن جهويا».
وهنا يتوقف عمي مسعود برهة ويذرف الدموع، تحسرا على بومدين والانتقادات التي طالته من البعض وهو الذي كان يدافع في سبيل هدف أسمى، وهو استرجاع السيادة الوطنية، وكان حريصا على عدم إراقة الدم الجزائري بأيادي جزائرية، ويضيف أنهم بقوا مع بومدين إلى غاية سنة 1962، وأنه رغم الانشقاقات فالفقيد كان يجتمع بهم ويطلب منهم عدم التصويب بالبنادق على الإخوة إلا إذا بادروا هم بذلك، وهذا تفاديا لاقتتال الإخوة وكان يراقب في كل خطوة وكل منطقة، ويجول بالمروحية رفقة ذراعه الأيمن علي منجلي لتفقد عدم حصول ذلك.
وعن قصة عبارة «شهيد لم يمت»، قال المجاهد نملة إنه تم تجنيده في 10 أكتوبر 1956، لكنه رفض وهرب، فقامت الإدارة الاستعمارية بعملية تمشيط بحثا عنه لإجباره على التجنيد فوقع اشتباك في المنطقة التي كان يقطن فيها، مما أسفر عن مقتل العديد من الأبرياء من النساء والرجال.
وبعد العملية أبلغت الإدارة الفرنسية أن جثة المجاهد من بين الضحايا الذين قتلوا، فسجلوا وفاته، لكنها بقيت تبحث عنه إلى غاية سنة 1962، بعدما انقطع خبره وظن الجميع أنه مات فعلا في حين هو موجود بتونس.
وغداة الاستقلال وبعدما قدم عمي مسعود تضحيات كبيرة، من أجل استرجاع السيادة الوطنية، واجه صعوبة في تسوية وضعيته الإدارية بسجل الحالة المدنية، المدون عليها وفاته، ووجد نفسه في رحلة البحث عن شهادة الميلاد، وإلى غاية 2016 تمكن من تسويتها نهائيا، قائلا:» في 1963 حين أردت الزواج رفضوا توقيع عقد الزواج، حتى أرغمتهم بالقوة على ذلك، الأمور آنذاك لم تكن منظمة، ولم تكن لهم ثقافة طلب إحضار الشهود».
ويضيف أنه سنة 1988، حين تقاعد من الجيش الوطني الشعبي، ذهب بحثا عن العمل كون معاشه لا يكفي لإعالة أفراد عائلته، فطلب منه إحضار الوثائق التي رفضت بسبب أنه مسجل متوفى وواجه صعوبات جمة، فقام بمراسلة وزير العدل آنذاك بن حمودة ورحماني صالح الذي كان رفيق دربه في الكفاح، بحيث اتصل الوزير ببلدية سطيف لتسوية وضعيته تجاه الحالة المدنية، لكنه لم يسجل بالقرار.
وبحلول سنة 2014 عاد كابوس الوثائق يلاحقه من جديد، حين تقدم لمصالح الحالة المدنية لاستخراج شهادة الميلاد الأصلية «اس 12»، قصد الحصول على جواز السفر له ولزوجته لأداء مناسك الحج، وبعد شهر من منحه جواز السفر تم استدعاؤه، وأخبروه أنه مسجل ميت وطلبوا منه تسوية الوضعية، بحيث جمدت كل المنح المتعلقة به، وفي الأخير بفضل اجتهاد إحدى العاملات بالبلدية وتفطنها، تمت تسوية وضعيته بعدما أحضر الشهود وتم استخراج عقد الميلاد، الذي خلصه من كابوس لازمه منذ الاستقلال.
وبالنسبة لذكرى هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، قال عمي مسعود إن هذه الذكرى مفضلة وعزيزة على قلوب الجزائريين، لأنه برهن بقوة بأن منطقة الأوراس ليست وحدها في تحمل ضغوطات الاحتلال الفرنسي وعبء الثورة، وكل المناطق تؤازرها، موضحا أن منطقة الشمال القسنطيني تمتد من الميلية إلى الحروش بسكيكيدة.
بيان أول نوفمبر 1954 خارطة الطريق لا يمكن استبدالها
أشاد في حديثه ببطولات منطقة الأوراس، قائلا إن أول المجاهدين وأحسن الأبطال انطلقوا من هذه المنطقة ولا ينبغي تقزيم دورها إبان حرب التحرير الوطني وتدوينه في الكتابات التاريخية، وعن مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956 قال إنه يشكر كل من حضر اجتماع المؤتمر الذي كانت له إيجابيات وسلبيات على حد قوله.
وأضاف أنه حين سمع مجاهدو منطقته بالهجوم كانوا على أهبة الاستعداد وجبهة مرابطة في انتظار ردة فعل الاستعمار الفرنسي العنيفة ليتدخلوا ويدافعوا، عن إخوانهم بمنطقة سكيكدة التي شهدت وقوع مجازر في حق سكانها، وفي رده عن سؤالنا حول بيان أول نوفمبر 1954 الذي خطط له وكتبه رجال عظماء، أكد أنه يبقى خارطة الطريق الوحيدة التي لا يمكن تعويضها فهو البداية والنهاية، كونه هو من أعطى الأوامر بإطلاق أول رصاصة على الساعة 12 منتصف الليل عبر كل القطر الجزائري.
شبابنا مهدد بسموم المخدرات
تأسف المجاهد نملة عن التهميش الذي طال زوجة الشهيد، بجعلها عاملة نظافة في البيوت، مطالبا بالاحترام ورد الاعتبار للأسرة الثورية التي قدمت تضحيات بالنفس والنفيس لهذا الوطن الغالي في سبيل الإنعتاق والحرية. كما حذر شباب اليوم من انزلاقات تعاطي المخدرات، قائلا:» شبابنا يعيشون في خطر بسبب هذه السموم التي أصبحت ألغاما، لتدمير شبابنا وجعله تائه وعلاجه صعب نحن في حرب باردة».
وبالنسبة لمذكرات بعض المجاهدين التي تفتقد للموضوعية، قال عمي مسعود إنه مجاهد شارك في الثورة و يعرف دهاليزها من سوق الاثنين إلى غار ديماو و من دشرة إلى دشرة وقرية بقرية رفقة أصدقائه الذين رحلوا وبقي منهم اثنان، لا يمكنه الطعن في مصداقية مجاهد آخر أيا كان دون معرفة مسيرته النضالية، كما أنه لا يستطيع القول عن شخص أنه حركي دون حقائق، مضيفا:»خط أحمر بيننا وبين الحركى، هذه مسألة مفروغ منها».
وعن كتابة مذكراته قال إنه لو يعثر على مؤرخ يتقن منهجية الكتابة التاريخية بكل موضوعية يقدم له شهادته لتدوين مذكراته، مشيرا إلى أنه في يومي الاثنين والخميس يتنقل إلى المتحف الوطني للمجاهد لتسجيل شهادته، عما عايشه إبان حرب التحرير ومشاركته فيها، مطالبا بالكف عن تزييف الحقائق التاريخية من طرف البعض الذي يحضر في بلاطوهات تلفزيونية ويتحدث عن تواريخ وأحداث مزيفة، قائلا:» أحد الضيوف كان معي في حصة بالتلفزيون قال إن الرئيس الراحل بومدين أقر الخدمة الوطنية سنة 1959 وهذا خطأ فادح».
وأوضح أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية طلبت من قيادة الثورة تجنيد أبناء المهاجرين كمجاهدين، حتى ولو التحقوا بالثورة أسبوعا قبل وقف إطلاق النار، وعليهم الاعتراف بهم لأنهم شاركوا ولو بالقليل.
غادرنا عمي مسعود، وهو يحثنا على البحث والتقصي عن الحقائق لتدوين ذاكرة الأمة الجزائرية بكل موضوعية، معربا عن استعداده لتقديم أي مساعدة ومنحنا المعلومات وكذا أخذنا إلى المناطق التي ناضل فيها المجاهدون والمخابئ التي لايمكن للطائرات أن تصل إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.