من دون شك، فإن الإخفاق الجزائري المرير في كأس العالم، كان أمرا متوقع الحدوث، خاصة أننا علمنا أن له أسبابه، التي كانت فعلا وراء خروجنا من الدور الأول، بعد أن حضرت الجزائر في أجواء غير ملائمة تماما، وطغت الإصابات على تشكيلة محاربي الصحراء، الذين لم يستطيعوا استكمال تشكيلتهم، إلا بعد أسبوع أو أكثر من انطلاق التربص، حيث شاهد الجميع كيف لعبت الجزائر بالاحتياطيين أمام منتخب إيرلندا، في الوقت الذي حضرت فيه الفرق المنافسة جيدا لهذه الدورة، التي تعرف قيمتها وصعوبتها، على عكسنا نحن لأنها المرة الأولى التي نشارك فيها، لذا علينا أن نستخلص العبر من هذه التجربة ونتفادى ارتكاب نفس الأخطاء مستقبلا. تجنب إشراك اللاعبين المصابين في التصفيات لأن الفريق يحتاجهم في النهائيات وأول شيء يجب على الطاقم الفني تجنبه، هو إشراك لاعبين مصابين في لقاءات المنتخب الوطني الجزائري، وهو الشيء الذي يجعل إصابتهم تتفاقم، إذ تمنعهم من لعب اللقاءات القادمة، خاصة المصيرية، حيث تبقى تجربة الفنان مراد مغني قبل كأس العالم 2010، أفضل مثال على ما نقول، حيث بدأت الإصابة تطارده قبل لقاء القاهرة، فبالرغم من أن كان يعاني من بعض الآلام على مستوى ركبته، إلا أنه لعب لقائي القاهرة والسودان، وحقق التأهل مع الخضر إلى كأس العالم، وعوض إجرائه لعملية جراحية، تمكنه من لعب المونديال، حتى يكون في حالة صحية جيدة، فضل اللعب في كأس إفريقيا، أين شارك في كل اللقاءات، ووصل مع الفريق إلى نصف النهائي، رغم معاناته من إصابة خطيرة، كادت تنهي مشواره الرياضي مع نادي "لازيو" الإيطالي والمنتخب الجزائري إلى الأبد، ونصحه الأطباء يومها بالقيام بعملية جراحية، إلا أنه فضل العلاج الطبيعي، الذي لم يتح له المشاركة في كأس العالم، في آخر لحظة، أين أعلن شيخ المدربين أنه استبعده رسميا من التشكيلة المشاركة، بعد أن أكد له الطاقم الطبي للمنتخب، أن إقحامه سيشكل خطرا كبيرا عليه، لأنه مهدد بإنهاء مشواره الرياضي، إن شارك في هذا المحفل العالمي، وفقدنا يومها أحد أهم العناصر الوطنية، بعد خطأ تتحمل الاتحادية الجزائرية الطاقم الفني والطبي مسؤوليته، وهو ما لا نأمل حصوله مستقبلا، خاصة وأننا مقبلون على تحديات كبرى. تكرار تجربة زامبيا والقيام بتربصات طويلة المدى في ظروف مناخية مناسبة الأمر الثاني، الذي على المنتخب الجزائري ومسؤوليه أخذه بعين الاعتبار، هو التربصات التي تسبق أي لقاء رسمي، أو المنافسات القارية، حيث تعتبر تلك التربصات قصيرة المدة، سواء في الجزائر أو في مختلف البلدان الأوروبية، إذ لا يدخل الفريق في تربص قصير المدى، إلا وتسبقه كارثة سواء من خلال الأداء الباهت الذي يقدمه، أو من خلال النتائج بعد أن صارت شباكه تهتز في كل لقاء، بداية من أول تربص أقامه الخضر قبل مواجهة رواندا، لحساب مرحلة الذهاب، أين تربصوا لمدة قصيرة، منعتهم من العودة بالنقاط الثلاث، وكذلك في المرحلة التحضيرية لكأس العالم، أين لعب محاربو الصحراء لقائهم الودي أمام المنتخب الصربي في 5 جويلية، وانهزموا بثلاثية كاملة، كان سببها الأول والأخير التربص الفاشل بكل المقاييس، والذي كان بفندق "بني مسوس" العسكري، أين غاب التنظيم والتنسيق، وكل ما يتعلق بنجاح التربصات، حيث تدرب المنتخب لأقل من 5 أيام، أين كان أغلب اللاعبين مصابون، عائدين من إصابة أو يعانون من نقص المنافسة، بالإضافة إلى التأثير على مستوى عدد من اللاعبين بسبب إصابتهم أثناء اللقاء الودي، وهو ما أثر على مشوارهم الرياضي مع أنديتهم في أوروبا، وانعكس بالسلب فيما بعد على المنتخب الجزائري في كأس العالم، إلى جانب عدم تهيئة الأجواء الملائمة، التي تسبق كل مقابلة، لأنه ولا لاعب كان مركزا، وهو ما حصل كذلك في تربص سويسرا، ففي الوقت الذي كانت فيه معظم الفرق تتربص في المرتفعات لمدة طويلة، كان المنتخب الجزائري يسابق الزمن لإعادة لاعبيه إلى مستواهم، بعد أن كان أغلب التعداد يعادني من الإصابة، لذا فعلى مسؤولي المنتخب الجزائري أخذ مصل هذه الأمور على محمل الجد، لأن لها تأثيرا كبيرا على مشوار المنتخب الجزائري، فيما تبقى له من منافسات قارية. عدم الاعتماد كثيرا على اللاعبين منقوصي المنافسة حتى لو كانوا أعمدة المنتخب "الجزائر اليوم تملك منتخبا قويا"، هي الجملة التي لا يختلف عليها جميع الجزائريين بعد كأس العالم، حيث تأكد الجميع من أن الخضر قد عادوا من بعيد، بعد أن شكلوا فريقا قويا، لا يوجد فيه لاعب أساسي وآخر احتياطي، لأن مستوى اللاعبين متقارب، حيث يمكن لأي لاعب تعويض زميله في نفس المنصب، وهو ما أراده الطاقم الفني قبل مدة، إلا أنه قام بعدة أخطاء على مستوى التشكيلة نفسها، إذ لم يحسن الشيخ رابح سعدان استغلال هذه الميزة، وقام بإشراك لاعبين لم يلعبوا مع فرقهم لمدة طويلة، بل هناك من لم يشارك في 5 لقاءات كاملة طيلة الموسم، وكريم زياني أحسن مثال على ذلك، حيث بالرغم من أنه من بين أحسن اللاعبين في تاريخ كرة القدم الجزائرية، إلا أنه أثر نوعا ما على زملائه أثناء اللقاءات التي لعبوها في البطولة العامية، حيث كان أكثر اللاعبين ارتكابا للأخطاء، خاصة من خلال تمريراته التي كانت أغلبها نحو المنافسين، وهو أمر جد عادي، لأنه كان يعاني من نقص فادح في المنافسة، وكان على الطاقم الفني إشراكه كاحتياطي، خاصة أننا نمتلك على كرسي البدلاء جمال عبدون، رياض بودبوز وعدلان ڤديورة، حيث كان بإمكان واحد منهم أن يغطي جهة زياني، رغم أن هذا الأخير يعتبر من بين اللاعبين الذين لا يستطيع أحد خلافتهم بالشكل اللازم، لأنه كان ولازال الممر الوحيد في المنتخب من خلال مخالفاته وتمريراته الدقيقة، حيث أثر غياب زياني عن المنافسة على المنتخب بأكمله. إبعاد المنتخب الجزائري عن ضغط الإعلاميين والأنصار أثناء التحضير الشيء الرابع، الذي لابد أن يؤخذ أيضا بعين الاعتبار، هو الضغط الإعلامي الكبير، الذي يعاني منه لاعبي المنتخب الجزائري، خاصة أنه ضغط سلبي، لا يعتمد على أسس كروية واضحة، أين تطالب الصحافة المحلية من المنتخب، أن يفوز على فرق تسبقنا في مجال كرة القدم فقط، بمئات السنوات الضوئية، من خلال ما تمتلكه من إمكانات ضخمة، لا تخطر على بال أحد، بالإضافة إلى أنهم يقارنون الجزائر بمنتخبات لها تاريخها الطويل في كأس العالم، أو في المناسبات الأخرى، لذا على الطاقم الفني إبعاد اللاعبين قليلا، عن مثل هذه الأجواء التي من شانها أن تعرض اللاعبين للضغط السلبي، كما حدث قبل لقاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، أين حولوا لقاء في كرة القدم إلى معركة سياسية كبيرة بين الجزائر وأمريكا، بالإضافة إلى غزة والعراق وهو ما جعل اللاعبين يفقدون التركيز تماما أثناء اللقاء ويضيعون فرصا سهلة للتسجيل. ولم يكن الضغط الإعلامي السلبي وحده، الذي ألقى بضلاله على المنتخب الجزائري، حيث كان له أثر سلبي أيضا على الجمهور الرياضي في الجزائر، حيث صارت الجماهير تطالب منتخب بلادها بالفوز بكأس العالم، وراح الآلاف منهم يحلم بالتتويج على إسبانيا في النهائي أو البرازيل، إذ صار الجميع لا يتحدث حتى عن الدور الأول الذي اجتازوه، قبل أن يلعبوه متجاهلين بذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية وإنجلترا، إلا أن سلوفينيا كان لها رأي آخر، واستطاعت أن تفيق الجزائريين من سباتهم العميق وأحلام اليقظة بالفوز على محاربي الصحراء، حيث وقف يومها الجزائريون على حقيقة كأس العالم التي صورت لهم بطريقة خاطئة من قبل. تكثيف العمل على الجانب الهجومي قبل انطلاق التصفيات الإفريقية الأمر الخامس والأخير، هو أهم شيء في المستديرة، التي تتحدث بلغة الأهداف، والتي لا تجيدها الجزائر بعد أن فشلت في التسجيل خلال 7 لقاءات متتالية، أين كان الهدف الوحيد الذي أمضاه كريم زياني، من ضربة جزاء أمام منتخب الإمارات، حيث تعاني تشكيلة الخضر من ضعف فادح في الهجوم، الذي صار أمرا يؤرق الطاقم الفني في كل لقاء، حيث يضيِّع المهاجمون كرات سهلة أمام مرمى المنافس وبطريقة ساذجة، كما فعل رفيق جبور أمام الولاياتالمتحدة، حين ضيَّع هدفين محققين أمام مرمى شبه شاغرة، بالإضافة إلى كريم زياني وكريم مطمور أين صارت الجزائر أضعف فريق، من حيث الهجوم بعد أن كان نقطة قوتها أثناء التصفيات الإفريقية المزدوجة لكأسي إفريقيا والعالم، حيث أكرمت بطل إفريقيا مصر إلى جانب منتخب رواندا بثلاثية، لكل منهما كما تغلبت على منتخب زامبيا القوي بثنائية بوڤرة وصايفي في شيليلا بومبوي، من دون أن ننسى الهزيمة الساحقة التي ألحقوها برفقاء ديديي دروغبا في أنغولا، أين سجلوا ثلاثة أهداف في مرمى الحارس باري، حيث كان آخر شيء يفكر فيه الجزائريون يومها، هو تسجيل الأهداف التي كانت تأتي لوحدها، إلا أن بوادر العقم الهجومي بدأت تظهر في تلك الدورة، بعد أن كان غزال ومطمور يضيِّعان أهدافا سهلة أمام شباك شاغرة، في غياب القناص الأول رفيق جبور، الذي كان يعاني من نقص المنافسة، وكان لقاء صربيا الودي بملعب 5 جويلية هو بداية المعاناة بالنسبة للجزائريين، حيث بدأ العقم الهجومي من ذلك اللقاء وإلى غاية اليوم، حيث يبقى الطاقم الفني مطالبا بمراجعة حساباته قبل دخول تصفيات كأس إفريقيا المقبلة، حتى لا نندم فيما بعد على عدم تحضيرنا الجيد خاصة على مستوى الهجوم