للباحثة الفرنسية نيكول غونييه N.Gueunier ، أستاذة علم اللسانيات الفرنسية بجامعة تور، والمولودة عام 1936 ، الفضل في إبداع مصطلح »الأمن اللغوي« ونقيضه اللاّأمن اللغوي، وذلك في دراسة ميدانية لها تصنف ضمن علم الاجتماع اللغوي نشرتها ما بين سنتي 1973 و1975 بالاشتراك مع الباحثين: إيميل جونوفريه وعبد الحميد خومسي. وحسب هذه الباحثة، التي مع الأسف سطا عدد من الباحثين العرب على مصطلحها ونسبوه لأنفسهم! فإن مدينة تور (Tour)، التي تقع في الجنوب الغربي لباريس، يعتبر سكانها أكثر الفرنسيين سلامة لغوية، وبالتالي فإن طريقة نطقهم وهجائهم تعد مرجعا لسانيا وجماليا للفرنسيين جميعا، والسبب في ذلك أن سكان هذه المدينة يتميّزون عن غيرهم من الفرنسيين بوعي لغوي يقظ وشديد الالتزام بصفاء اللغة الأم حيال ما يهددها من دخيل سواء عبر اللهجات أو اللغات الأجنبية. وعلى العكس من مدينة تور، فإن المدن الأكثر »تلوثا« لغويا والتي يغيب ويفتقد فيها الأمان اللغوي على غرار ذاك المسجل بمدينة تور، نجد حسب الباحثة نيكول غونييه ثلاث مدن هي: »ليل« في أقصى الشمال وهي قريبة من لهجة البيكاردي Picardie ثم »ليموج« القريبة من لهجة الأوكسيتان occitan وأخيرا مدينة »سان دونيس« القريبة من اللهجات الفرنكوكريول... وإذا كانت لهجة المثقفين الباريسيين هي الأقرب إلى لهجة »تور« الصافية، فإن بقية المدن الفرنسية تعاني من فساد لغوي خطير، سيما أمام أيضا التأثير الكاسح للإنجليزية. من جهة أخرى، إذا طبقنا مفهوم الباحثة نيكول غونييه حول الأمن واللاأمن اللغوي على واقعنا المحلي بالجزائر، فإن النتيجة في المحصلة تعد كارثة بكل المقاييس، حيث بالقياس إلى استنتاجات الباحثة غونييه فإن المدن الجزائرية، وفي مقدمتها العاصمة، ينعدم فيها تماما الأمن اللغوي، نظرا للرطانة القبيحة التي تشيع في لغة العاصميين وهي خليط نادر المثال، من حيث احتواؤها على المفردات الفرنسية المشوهة، فضلا عن الكلمات التركية والإيطالية والإسبانية والمجموعة الأخرى من اللهجات المحلية. ونفس الوضع تقريبا نصطدم به على مستوى المدن الكبرى، وقد نستثني من هذه الكارثة بعض المدن النائية في جنوبنا الصحراوي، ما عدا ذلك فإن لهجات مدننا وقرانا تعاني من »بلبلة« لغوية زادتها الأمية والجهل تكريسا ورسوخا مع مرور الأيام. يحدث هذا في الوقت الذي يحاول عدد من الباحثين اللغويين المحليين إضفاء نوع من التبرير على هذا الواقع بوصفه تنوعا وثراء ثقافيا يجب الحفاظ عليه من الاندثار، علما بأن هذا »التنوع« و»الثراء« المتحدث عنه بالكثير من الافتخار يعاني من إقصاء شبه مبرمج، الشيء الذي جعل منه ضحية موت بطيء وتهديد بالزوال السريع... من هنا، فإن قضية الحفاظ على الأمن اللغوي، عن طريق الحفاظ على سلامة اللغة الفصحى وصفائها بعيدا عن النزعة الطهورية المتطرفة يعد من أولويات أي بلد يدافع عن كينونته ووجوده وحتى سلطته، وقد عبّر عن ذلك ببلاغة عميقة عالم الاجتماع الراحل بياربور ديو بالقول: »إن اللغة، ليست أداة اتصال أو حتى أداة معرفة فحسب، إنما هي أداة سلطة »un instrument de pouvoir« ويقصد بهذا القول إن اللغة في كل الأحوال تعد قوة وجود ووسيلة من وسائل الحكم، فإذا تم التفريط فيها كما هو حاصل عندنا فإن مخاطر عديدة تهددنا في الصميم ، فمن يوقف الكارثة؟!! رشيد فيلالي