نسيم لكحل: [email protected] عندما تطلب القاضية المحنكة فتيحة ابراهيمي من قوات الأمن حماية القاعة التي ستحتضن مداولات هيئة المحكمة التي ستفصل في التهم المنسوبة للمتهمين في فضيحة الخليفة، فإنها حريصة على غلق باب الشكوك حول مصداقية هذه المحاكمة التي حققت في الواقع مكاسب تاريخية للعدالة الجزائرية، وعندما يتحقق هذا المطلب ويدخل الأعضاء الخمسة لهيئة المحاكمة في عزلة مع ضمائرهم فقط ليعلنوا عن أحكامهم في حق المتهمين فإن يوم 21 مارس 2007 سيتحول إلى يوم تاريخي للعدالة الجزائرية ونقطة تحول كبيرة في مسعى الفصل بين السلطات ومسعى استقلالية القضاء الجزائري. قبل أن تغلق القاضية ابراهيمي أبواب قاعة المداولات يجب على الجميع أن يتركوا الحكم لضمائر الأعضاء الخمسة لهيئة المحكمة وأن يتركوا الحكم للقانون كي لا تتعرض العدالة الجزائرية إلى نكسة أخرى هي في غنى عنها، خاصة وأن هذه واحدة من المرات النادرة جدا التي تتفق فيها جميع أطراف المحاكمة على إسداء كامل الثقة في هيئة المحكمة، وخاصة المتهمين وعائلاتهم الذين أبدوا ثقتهم في محكمة الجنايات رغم ثقل التهم المنسوبة إليهم، ورغم العقوبات الكبيرة التي التمسها النائب العام في حق الكثيرين منهم. هذه المحاكمة التاريخية ورغم ثقل الملف الذي نظرت فيه ورغم تعقد الوقائع ورغم اختفاء الكثير من الشواهد والمعطيات، إلا أن أجمل ما فيها هو أنها كانت علانية، حيث سمحت رئيسة المحكمة لكل مواطن جزائري أن يحضر فعالياتها، وللمرة الأولى في تاريخ العدالة الجزائرية تابعت كل الصحف الجزائرية وبقية وسائل الإعلام وخاصة الإذاعة الجزائرية باهتمام شديد كل صغيرة وكبيرة جرت داخل قاعة المحاكمة بمجلس قضاء البليدة طيلة 48 يوما من الجلسات، وهذا هو التحدي الكبير الذي واجه الجهاز القضائي الجزائري الذي يجعل من الإستجابة لمطلب القاضية ابراهيمي من قوات الأمن واجبا وطنيا أكثر من أن يكون قرارا شخصيا اتخذته قاضية حريصة على مصداقيتها أمام الرأي العام الوطني والدولي وأمام المتهمين وعائلاتهم الذين وعدتهم بالرحمة قدر المستطاع. لقد نجحت العدالة الجزائرية من خلال محاكمة الخليفة في كسر الكثير من الطابوهات التي كانت إلى وقت قريب تصنف في خانة المحرمات أو الممنوعات، وأهم طابو نجحت في كسره هو تجاوز عقبة الحصانة التي استعملها الكثير من كبار المسؤولين في الدولة الذين كانوا يترفعون عن المثول أمام المحاكم وكأن الأمر انتقاص لشخصيتهم أو تقليل من شأنهم، إلى درجة أن منهم من يرفض حتى إرسال ممثلين عنهم للحضور إلى جلسات لا يُطبق فيها إلا القانون لا أكثر ولا أقل، وهم أولى الناس بالحرص على تطبيق القانون. إنها لحظات تاريخية لا يجب أن تفسدها ممارسات البعض من المتعودين على الصيد في المياه العكرة والتهرب من سيف القانون الذي يجب أن يبسط سلطانه على الجميع.. وإذا كانت قاعة الجلسات بمجلس قضاء البليدة التي ظلت مفتوحة أمام الجميع فإن قاعة المداولات يجب أن تغلق على الجميع كي لا يتكسر إنجاز ال 48 يوما ولا يضيع؟