...لم يكن يدري سكان منطقة الأبيار أنهم سيستيقظون صبيحة السبت على وقع بياض الثلوج، كما لم يكن ينتظر سكان القبة أو حسين داي المحاذيتان لشاطئ البحر، أن الثلج سيُغطي أسقف البنايات، والسيارات.. حدث لم تشهده العاصمة منذ سنوات... خرج العاصميون مُبكرا من منازلهم صبيحة السبت على غير العادة في يوم يُعتبر عطلة، كان له أيضا انعكاساته طرقات مقطوعة، حركة مرور خانقة، الخبز بالطوابير، شاحنة الحليب لم تأت ليوم أمس وارتفاع جنوني لأسعار الخضار.
كل الطرق لا تؤدي إلى بوزريعة كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة والنصف عندما وصلنا مقر جريدة الشروق اليومي، بدا الجو باردا جدا، سمعنا أن سكان منطقة الأبيار استيقظوا على وقع الثلوج، فكانت وجهتنا الأولى، وبالرغم من أن عقارب الساعة لم تكن قد تجاوزت العاشرة صباحا، إلا أن الطريق السيار الرابط بين القبة وبن عكنون كان مختنقا للغاية، فيما كانت مُنبهات سيارات الشرطة تصنع الحدث، وكأنه يوم طوارئ. إزدحام المرور كان لا يطاق، الكل كان يريد التوجه نحو منطقة بوزريعة، لحظات لا أكثر، الثلوج لم تعد فقط تعني أعالي العاصمة، تساقط الثلوج يمتد إلى القبة، حسين داي، باب الزوار، سوريكال، باش جراح... حركة مرور خانقة شهدتها العاصمة طيلة يوم أمس بدأت مبكرا، كان عدد كبير من المواطنين بسياراتهم يريدون الإلتحاق بأعالي بوزريعة، غير أن ذلك تسبب في حركة مرور مختقنة، أدت إلى التسبب في عدد من الحوادث. عرفت أمس منطقة بوزريعة وبجوارها منطقة الأبيار توافد عدد كبير من المواطنين، وما ساهم في ذلك هو يوم العطلة الذي تزامن وسقوط الثلوج على العاصمة. ونحن في سيارة العمل، وجهت الحماية المدنية بالتنسيق مع جهاز الشرطة إعلانا للمواطنين عبر الإذاعة لتجنب السير على الطرق المؤدية لبوزريعة لفك الخناق على الطرقات، غير أن تساقط الثلوج أعاق سير عدد من المركبات لاسيما القديمة.
حوادث مرور بالجملة في أكثر من بلدية من بلديات العاصمة التي زرناها، كانت حوادث المرور تصنع الحدث، لاسيما في الطرقات الضيقة والممرات الصعبة، فبلدية حيدرة وجد بها أصحاب السيارات صعوبة كبيرة في الخروج منها، كان من بينهم صاحب سيارة "مريسيدس" اصطدمت بعمود إنارة بفعل تساقط الثلوج مما أعاق السير لأكثر من نصف ساعة من الزمن. الطرق السريعة حدثت بها أيضا حوادث مرور رهيبة كان من بينها ارتطام سيارتين فيما بينها، حيث بدا واضحا أن أحدهما كان يعاني من مشكل الفرامل ووجد صعوبة في التحكم بسيارته مما أدى إلى ارتطامها. ولعل أكثر الحوادث المؤلمة التي حدثت بالعاصمة، هو ذلك الحادث على مستوى بلدية بئر توتة، اثر انزلاق سيارتين من الحجم الخفيف في الطريق الوطني رقم 1 تسبب في جرح سبعة أشخاص حسب ما أخبرنا به أحد أفراد الشرطة.
لا خبز ولا حليب والخضار بأسعار جنونية كنا عندما نصل إلى كل بلدية من بلديات العاصمة إلا ونتوقف عند أحد باعة المواد الغذائية، لنسأل عن الخبز والحليب، وبالرغم من أن عقارب الساعة لم تكن قد تجاوزت الساعة منتصف النهار، فالخبز غير موجود، وبعض المخابز التي فتحت صبيحة أمس شهدت طوابير غير مسبوقة، أما الحليب فلم يكن موجودا بالمرة، فجميع المحلات التي زرناها لم يكن الحليب متواجدا بها، سألنا أحد الباعة بأحد المحلات بسيدي يحيى، فرد علينا قائلا: "شاحنة الحليب لم تأت لنهار اليوم، يبدو أن الطرق مقطوعة". عجوز في الستين من عمرها خرجت رفقة ابنها باحثة عن "الخبز"، قالت لنا أنها زارت أكثر من محل، غير أنها لم تعثر على هذه المادة الحيوية. غير أن المادة التي صنعت الحدث أمس هي الإرتفاع الجنوني لأسعار الخضار، فإلى جانب اختفاء باعة الخضر والفواكه المتجولين بسبب سقوط الثلج، اغتنم باعة الخضار ممن يملكون محلات تجارية هذه الفرضة لرفع الثمن، حيث وصل سعر الكيلوغرام من مادة البطاطا بأحد المحلات ببن عكنون إلى 80 دينارا للكيلوغرام الواحد، وفيما وصل سعر البصل إلى 50 دينارا للكيلوغرام الواحد. وبدا العاصميون أمس في رحلة بحث عن المواد الغذائية الضرورية على وقع اكتظاظ حركة المرور.
متشردون متجمدون في الشوارع لعل أكبر المتضررين من تساقط الثلوج هم باعة المفرقعات، حيث أخفى الثلج تلك الطاولات التي كانت تعرض المفرقعات، وبدا عدد كبير من الشباب ساخطا على الثلوج، لأن هذه الأخيرة أفسدت لهيب المفرقعات، يتحدث أحد الشباب قائلا: "صحيح اشتقنا لمُشاهدة هذه المناظر الخلابة، لكني اشتريت المُفرقعات بمبلغ مالي مُعتبر جدا. وإذا استمر سقوط الثلوج...". ولعل أكثر المناظر المؤلمة التي شاهدناها ونحن بصدد إعداد هذا الروبورتاج العشرات من المُشردين والمتسولين ممن كانوا يهيمون في الشوارع، كان من بينهم متشرد ألقت عليه كاميرا زميلي يونس الضوء يضع يديه داخل معطفه، وكان يرتدي نعلا صيفيا، بينما كانت الثلوج تتساقط بشدة. وفي منطقة "ڤاريدي" بالقبة، كانت عقارب الساعة تُشير إلى الواحدة زوالا عندما صادفنا متشردا يحمل على كتفيه غطاء، لم يكن باديا عليه أنه مجنون، بل متشرد، أجبرته الظروف المناخية القاسية على تغيير وجهته، اقتربنا منه وسألناه بعد منحه بعض النقود، فرد علينا قائلا بأنه كان يهيم بشوارع العاصمة قبل أن يقرر مغادرة المكان مشيا على القدمين باتجاه منطقة "الأربعاء" كما أخبرنا. وبالرغم من حركة المرور المكتظة، إلا أن بعض المتسولين اغتنموا الفرصة باعتبار يوم أمس تصادف ومناسبة المولد النبوي الشريف.