"قولوا كلمتكم المسموعة، ولا تدعو الآخرين يقررون مستقبلكم" بهذا الخطاب المباشر، فضّل رئيس الجمهورية أن يتحدث لعشرات العمال والمواطنين الذين غصت بهم قاعة متعددة الرياضات في المدينة البترولية أرزيو، بوهران، يوم أمس، حيث أشرف بوتفليقة على احتفالات ال24 فيفري لتأميم المحروقات، مخاطبا الحاضرين بالقول: "المرحلة صعبة جدا، للدرجة التي يمكن وصف الخروج يوم العاشر ماي المقبل، بأنه يشبه في أهميته الإعلان عن إطلاق الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر". وبرر بوتفليقة "هذا التشبيه" بالقول: "لست مبالغا، فإذا لم تنجح الانتخابات المقبلة، ستهتز مصداقية البلاد دوليا، لأننا لن نكون وحدنا يوم الاستحقاق، لكن العالم كله سيراقبنا" ، مستطردا: "المشاركة القوية في الانتخابات، ستقف سدا منيعا ضد التدخل الأجنبي في البلاد(...) إن نجحتم في الانتخابات، عافاكم الله مما هو مخفي".. كلام فُهم منه تحذير من استنساخ الربيع العربي أو جزأرته، قبل أن ينتقل القاضي الأول في البلاد من التلميح للتصريح حين أكد: "لا تنهض المجتمعات باللغو والتشرذم والفوضى، بل بالرأي البناء والفعل الخلاق، والتلاحم والالتفاف وراء أهداف وطنية كبرى، لابد من أن نتأقلم مع هذه الأوضاع حتى لا تلتهمنا، آن الأوان لإحداث تغيير نوعي في الذهنيات والسلوكيات العامة، وإحداث قطيعة مع كل مظاهر التسيب واللامبالاة". وانتقد بوتفليقة من يتوقعون سقوط الجزائر في الأوضاع "الثورية" ذاتها التي تعيشها العديد من الدول، قائلا:"كنا سباقين لخوض تجربة ديمقراطية تعددية، ومررنا بمحن صعبة خرجنا منها منتصرين دون عون ولا نصير، واليوم، إن أردتم الإصلاح والتغيير، فغيّروا من خلال اختيار وانتخاب من يكون جديرا بثقتكم..الشعب يقظ ومستوعب لخطورة المرحلة، وهو لن ينساق وراء مغالطات مشؤومة ومقارنات زائفة، تعود به لعهد بائد تجاوزه الجزائريون للأبد" هذه الفقرة كررها بوتفليقة أكثر من مرة، وسط هاتفات الحاضرين في القاعة، قبل أن يرتفع صوت أحد العمال ليخاطب الرئيس:" لا نريد ربيعا عربيا في الجزائر، بل نريدك أن تستمر رئيسا لكل الجزائريين" وهي الجملة التي عقّب عليها بوتفليقة بالقول: "شكرا، لكن البقاء لله..وليس للبشر ولا للمسؤولية". وهدّد بوتفليقة من وصفهم بالمتلاعبين بنتائج الانتخابات، حين قال: "هذه الانتخابات ليست كغيرها، فهي ستفرز لنا برلمانا ديمقراطيا تعدديا، سيكون من أبرز مهامه، تعديل الدستور، وان كانت الإدارة مسؤولة عن توفير الإمكانات والوسائل، فان المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأحزاب السياسية، وأيضا على الحركات الجمعوية، في مدى تعبئة الشعب للإقبال على صناديق الاقتراع" قبل أن يُذكّر الحضور، وبينهم نواب سابقون وممثلو أحزاب سياسية، بمختلف الخطوات التي تم اتخاذها لضمان شفافية الاستحقاق، من حياد الإدارة، للمراقبة الدولية، وصولا للإشراف القضائي:"الانتخابات ستكون رسالة الجزائريين للعالم أجمع، لهذا وجهت تعليمات تدعو لاحترام القانون وتطبيقه الصارم، وسيحاسب كل من يتورط في التلاعب بمصداقية الانتخابات أو يُقصّر في أداء واجبه، لأنني لن أسمح لأحد أن يتلاعب بمصداقية البلاد"مضيفا: "الإشراف القضائي سيكون اختبارا حقيقيا لمصداقية القضاء وفرصة لتعزيز دوره في تكريس الديمقراطية". وختم بوتفليقة خطابه الذي استمر لحوالي ساعة، بسبب مقاطعته أكثر من مرة في القاعة، بتوجيه رسائل مباشرة للمرأة، والشباب وأيضا الجالية الجزائرية في الخارج، قبل أن يختم كلامه بالقول: "إنني واثق من حكمة الشعب الجزائري، وبصيرته وهو الذي عهدناه دوما، يحسن البلاء ويرفع التحدي، شعب أصيل، لا يتأخر في الأحداث الكبرى عن الوفاء بالتزاماته وأداء واجبه الوطني بشهامة وسخاء".