إبراهيم قارعلي: [email protected] تكون بوادر الحرب الأهلية اللبنانية قد بدأت تلوح في الأفق، وللأسف أن شرارتها الأولى قد اندلعت مع تلك الرصاصة الأولى التي استقرت في رأس أحد الشباب المتظاهرين في شوارع العاصمة بيروت. وهي الحرب القذرة التي أقسم اللبنانيون باختلاف طوائفهم ومذاهبهم أنهم لن يعودوا إليها أبدا مرة أخرى. ليت الأمر توقف عند قطرات الدم الأولى، ذلك أن القطرة قد تتحوّل إلى بركة والبركة إلى وديان وأنهار! ولم يكد اللبنانيون يخرجون من حرب حتى يدخلوا في حرب أخرى، لا غالب فيها ولا مغلوب، بل إن المنتصر في هذه الحرب هو المنهزم!! لم تدخل الحرب القذرة هذه المرة من الحدود الفلسطينية ولا من الحدود السورية، ولكنها تريد أن تتحدى الحدود البرية لتخترق الأجواء قادمة إلى بيروت من بغداد التي تحتلها القوات الأمريكية. إن الحرب الأهلية التي تديرها واشنطن عن قرب بين أبناء الشعب العراقي الواحد، هي الحرب ذاتها التي يُريد تجار الحرب في البيت الأبيض أن يوقدوها في بيروت. فلقد انسحبت قوات الإحتلال الأمريكي من ساحة الحرب في العراق وتركت السنة والشيعة يتقاتلون فيما بينهم مثل ملوك الطوائف في الأندلس حول ملك زال واندثر! وبالفعل، فإن النموذج العراقي الذي تريد الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تصدره إلى بقية الدول العربية من أجل رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير، تكون قد بدأت بتنفيذه في لبنان، بل إن اللبنانيين أنفسهم يكونون قد شرعوا في تنفيذ هذا المخطط الأمريكي بأيديهم حين يهاجم السنة في الأيام الأولى للإعتصام موكبا للشيعة وتطلق العيارات النارية! ليس من قبيل الدعم المجاني أن تعلن وزيرة الشؤون الخارجية الأمريكية السيدة كونداليزا رايس، وهي في الأردن مساندة الولاياتالمتحدةالأمريكية للحكومة اللبنانية التي يقودها الرئيس فؤاد السنيورة، وهي الحكومة التي اعتصمت المعارضة اللبنانية في الشارع من أجل إسقاطها وتبديلها بحكومة وحدة وطنية. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ترفض قيام حكومة وحدة وطنية في لبنان، هي نفسها تطالب فلسطين بحكومة وحدة وطنية، وكأن حكومة الوحدة الوطنية حرام على اللبنانيين وحلال على الفلسطينيين على الرغم من أن الانتخابات البرلمانية الفلسطينية قد كانت أكثر شفافية ومصداقية من الانتخابات البرلمانية اللبنانية. ولعل الأدهى من ذلك! أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقف في العراق المحتل إلى جانب الشيعة، في حين تساند السنة في لبنان. وكأن الشيعة يتحولون إلى سنة في لبنان، والسنة يتحولون إلى شيعة في العراق!! مثل هذا الأمر يؤكد، أن أمريكا تريد طوائف مذهبية على المقاس، وبالأحرى الطوائف التي تخدم استيراتيجيتها في المنطقة العربية، ولا يهمها في ذلك لونها السياسي أو المذهبي. إن الديمقراطية التي تريدها أمريكا للدول العربية، هي تلك الديمقراطية التي تضمن لها التدفق البترولي في العراق، وهي الديمقراطية التي تضمن لها أمن إسرائيل في لبنان وفي فلسطين أيضا! وماعدا ذلك فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم!