عبد الناصر خلال العشريتين الأخيرتين، سقطت كل الأقنعة عن الوجوه البشعة وأيضا عن الوجوه المقنّعة، وانكشف لاعبو السياسة والإرهاب والاقتصاد والثقافة وأصبح بالإمكان تسمية الأشياء بمسمياتها، وانتهى إلى الأبد اللعب على الحبلين، إلا في مجال الإجرام الذي أخذ أشكالا جمعت كل الأقنعة وأخاطت قناعا مركبا أخفى أبشع الوجوه على الإطلاق. حيث تطل علينا وسائل الإعلام بأنواع جديدة من الجرائم لم يكن أحد يتصوّر أن تصل إلى بلادنا من اختطاف وطلب الفدية وتورّط نساء في أفلام الخلاعة وشبكات التزوير والمتاجرة بالأطنان من المخدرات، وبناء إمبراطوريات من الورق ومن القصدير ومن اللاشيء. فإذا كان لبارونات الإقتصاد رجاله المعروفين، وإذا كان لأمراء الإرهاب جيوشه المعروفة، فإن الإجرام ساح ما بين المواطنين وأصبح له شعب كامل نخشى أن يوازي الطيبين في هذا البلد ويغلبهم بالضربة القاضية، لأن تورط الأطفال في مختلف العمليات الإجرامية والقبض على الآلاف من الشيوخ والنساء، يعني أن الجريمة ارتدت الآن كل الألوان والموديلات، والضحية هو دائما المواطن البسيط الذي يدفع أثمانا غالية من انتشار الجريمة، فهو ضحية النشل الذي يمارسه صغار المجرمين وهو ضحية الإعتداءات الجسمانية التي يمارسها المتهورون وهو ضحية أكل لحم الحمير الذي يتاجر فيه كبار المجرمين وأحيانا يجد نفسه في حالة دفاع تتحول إلى جريمة، لينتهي به الأمر إلى السجن بعد أن كان الضحية الأولى للإنتشار المريع للجريمة. الجرائد تحولت إلى صفحات تحصي الآلاف المؤلفة من العمليات الإجرامية، والمحامون ورجال الأمن والدرك والمطافئ والقضاة، هم أكثر الرجال عملا في السنوات الأخيرة والنزيف الأخلاقي لا يجد له حدودا... قديما بعد الإستقلال، قلنا إننا انتهينا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وللأسف المجرمون عندنا الآن انتهوا من الإرهاب الأصغر إلى الإرهاب الأكبر.