لا أحد هناك ، في غابة" السبت أقديم " ، لا أثر للحياة ، الجبال تحيط بالمكان ، إلتقينا فقط رجال الأمن بأسلحتهم ومركباتهم ، هم يحاصرون كل المواقع، وفي المخابىء العشرات من الإرهابيين محاصرين ، أفراد الشرطة يحتلون السكنات الشاغرة التي هجرها سكانها خوفا من أخذهم رهائن من طرف الإرهابيين الفارين. وجنود يزحفون بحذر نحو المسالك المفتوحة، وينتشلون أحيانا جثث الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم في القصف أو الاشتباك ، وأعوان حرس بلدي ينتشرون رفقة المقاومين على ضفاف وادي الصومام و مسالك و أفراد درك أوكلت لهم مهمة إحباط أية محاولة تسلل أو فرار باحتلال الطرقات. صوت الرصاص لا يصمت ، و المروحية لا تتوقف عن التحليق و رجال مجندين يظلون واقفين ، في الساعات القريبة سينفذ أكبر هجوم على أهم جماعة إرهابية محاصرة. لم يعد الجرس يدق بمدرسة الشهيد العيفة بمزرعة " شيو" ببلدية آميزور، بعد أن أغلقت أبوابها بسبب رحيل التلاميذ الذين فروا مع عائلاتهم من صوت الرصاص و دوي تفجيرات القنابل برا و جوا ، و تم إخلاء السكنات ، بعض السكان يحضرون في ساعات محددة لرعي أغنامهم ، و يغادرون بمجرد تجدد الإشتباكات ، و إختاروا الإستقرار بعيدا عند الأهل و الأقارب ، لم نجد عند تنقلنا إلى هذه المنطقة " المحرمة " إلا أفراد الأمن الذين طلبوا منا الرحيل " خلف در" ، ووجهت مصالح الأمن تعليمات بعدم السماح لأية سيارة بإجتياز الحاجز الأمني الثابث الذي تم وضعه أمام مفترق طريق آميزور ، حيث تجري عملية التمشيط الواسعة بغابة السبت القديم ، و منع دخول أي شخص ، و اتخذ مسؤول الشرطة قرارا بمعاقبة أفراد الحاجز الذين سمحوا لنا بالمرور إلى منطقة العمليات ، و ربما ماكان علينا أن نفعل ، بعد أن أبلغنا هذا المسؤول بخطورة خرقنا الإجراء ، المنطقة تبدو محفوفة بالمخاطر ، و كان هدوء غريب يخيم على المكان عند تواجدنا هناك ، فقط المروحية كانت تحوم من فوق ، لكن مصادر لم تستبعد أن يكون الهدوء الذي يسبق الهجوم النهائي ، حيث تراهن قوات الجيش على إرهاق الإرهابيين لدفعهم لتسليم أنفسهم و هو الخيار الوحيد أمامهم بعد حوالي أسبوعين من التمشيط. " الشروق" ...خلف ...در تنقلنا إلى منطقة لآميزور برا على متن سيارة المؤسسة ، عبر أقبو و سيدي عيش مرورا بالأخضرية بالبويرة على مسافة تتجاوز 284 كم ، كل المنافذ المؤدية إليها كانت تخضع لإجراءات أمنية لافتة ، و تم تكثيف الحواجز الأمنية التابعة للدرك الوطني ، كان الأفراد يرتدون واقيات الرصاص ، و في حالة تأهب ، يخضعون أغلب السيارات للتفتيش و المراقبة ، كما تم وضع حواجز في منتصف الطرقات لمنع فرار سيارة أو خرقها الحاجز ، ولم تمنع الأمطار التي تهاطلت بغزارة صباح الخميس ، أفراد الشرطة و الدرك من أداء مهامهم ، وواصلنا سيرنا بحذر ، خاصة مع إفراط مركبات الوزن الثقيل في السرعة و قيام العديد من السائقين بتجاوزات خطيرة . كل شىء يذكرني بالتدابير الأمنية السائدة في سنوات التسعينات ، و أعترف أن الخوف تملكني خلال هذه المهمة .... إخترنا التنقل إلى منطقة آميزور ، عبر بلدية أقبو ، و كانت السلطات قد اتخذت قرار الطريق الوطني رقم 75 الرابط بين آميزور و بجاية ، و تحويل حركة المرور إلى الطريق الوطني رقم 26 لمنع محاولة فرار أي إرهابي محاصر ، و حماية المواطنين المارين من هنا ، من الرصاصات الطائشة أو إحتجازهم من طرف الإرهابيين ، و لجأت مصالح الأمن موازاة مع عملية التمشيط إلى تكثيف عدد نقاط المراقبة و الحواجز الأمنية ، و أسفر ذلك عن توقيف إرهابيين إثنين على مستوى حاجز أمني تابع للدرك الوطني بداية الأسبوع الماضي ، ترجح علاقتهما بالجماعة المحاصرة في الجبل ، إضافة إلى تفكيك شبكة دعم و إسناد ، و لم تتسرب أية معلومات عن هذه العملية ، على خلفية أن أفرادها لا يزالوا يخضعون للتحقيق لم نجد عناء في الوصول إلى منطقة التمشيط ، بعد أن دلنا بعض المواطنين على المكان بالتحديد ، و أخبرونا أنه علينا المرور بنقطة مراقبة ، و تم وضع هذا الحاجز بداية العملية ، بعض الشباب الذين إلتقيناهم في " القصر" ، أعلمونا أن "القيرة" هناك في الجبل ، حيث يصلهم صوت رصاص الإشتباكات خاصة ليلا ، إضافة إلى القصف الذي كان عنيفا في الأيام الأولى ،و تحليق مروحيتين لفترات طويلة ، و قال هؤلاء إن هذا الوضع دفع بسكان المنازل الموجودة بمحيط العملية إلى مغادرة المكان ، و اللجوء للأقارب ، لكننا لم نتمكن من لقاء أحد منهم ، و أكد لنا صاحب ورشة ، عند طلب لقاء مقاومين أو مدنيين مسلحين ،"أنهم جميعا في الراتيساج ، و لم نعد نراهم " ، لكن ما يجمع عليه سكان المنطقة ، هو أهمية العملية إستنادا إلى عدد أفراد الأمن المجندين في هذه العملية من شرطة و درك و أفر اد جيش و حرس بلدي و مدنيين مسلحين ، و قد وصلت منتصف الأسبوع تعزيزات أمنية " شاهدنا تنقل العديد من الشاحنات التي تقل أفراد الجيش و الدرك بإتجاه منطقة التمشيط ، لقد رفعوا العدد ، كما أن الإشتباكات متواصلة " حسب شهادات السكان الذين لاحظوا أيضا تنقل سيارات الإسعاف إلى مستشفى المدينة ، يرجح وجود إرهابيين جرحى بداخلها ، لكن لم تتسرب أية معلومات بهذا الشأن ، و يترقب المواطنون نتائج هذه العملية ، التي يتابعون بعض فصولها من الصحافة . رحل السكان جماعيا بعد رحيل الدرك ... لقد كنا نراهم و يقول السكان إن المنطقة عرفت سلسلة من العمليات العسكرية ضد معاقل تنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال خلال السنوات الخمسة الأخيرة ، أهمها القضاء على نبيل صحراوي الأمير الوطني لهذا التنظيم الذي خلف حسان حطاب ، بجبال أكفادو الحدودية ، و تعد آميزور أحد أهم معاقل الجماعة السلفية ، و كانت تعقد هنا بعض الإجتماعات التي تشرف عليها قيادات التنظيم ، و سبق لقوات الجيش أن تدخلت لإفشال لقاء سابق ، لكن الفراغ الأمني بالمنطقة ساعد على تمركز نشطاء السلفية ، و سهل تحركاتهم و تنقلاتهم إلى ولايات تيزي وزو ، جيجل و بومرداس و البويرة ، مستغلين رحيل فرق الدرك الوطني بعد اندلاع أزمة منطقة القبائل ، حيث هجر سكان قرى إياكوران ، آيت يحيى مساكنهم منذ 3 سنوات بعد رحيل الدرك " لقد كنا نراهم هنا ، يتنقلون عبر وادي الصومام ، ليلتحقوا بجبل السبت أقديم ، لم يكونوا من أهل المنطقة ، اكتشفنا لاحقا أنهم إرهابيين " استقروا في المنازل المهجورة أيضا ، و عاينا خلال تنقلنا إلى آميزور ، غلق مقر فرقة الدرك الوطني ، و يعترف السكان أن الإرهاب انتعش في ظل هذا الوضع ،و "إزدهر نشاطه" ، على خلفية أن فرق الدرك كانت منتشرة في المناطق الريفية و القرى و " كانت حاجزا أمام تحركات الإرهابيين". وأبلغنا السكان أن العشرات من العائلات المقيمة في العديد من القرى المجاورة كإحجارن وإمعزون ومزرعة الشويو والديس وتالة اعمر وكذا إحيونن وأزرو وآيت علاوة وقرية السبت أقديم، غادروا منازلهم منذ انطلاق القوات العسكرية في عملية القصف خوفا من تسلل العناصر الإرهابية إليهم، " لقد أبلغنا السلطات الأمنية بذلك ، و نصحونا هم أيضا بالابتعاد لأن الإرهابيين قد يتخذوننا رهائن عند محاولة هروبهم و فعلنا " . مبعوثة الشروق إلى آميزور : نائلة.ب