علي فضيل لقد أثبتت الأحداث والتجارب على مدى أكثر من نصف قرن، فشل النهج العسكري الذي سلكته بعض الحركات الإسلامية في العالم العربي لتغيير أنظمة الحكم بسبب دموية هذا النهج وهمجيته وعدم تفريقه بين الظالم والمظلوم والبرىء والمذنب، وقد أدى هذا النهج العنفي إلى ردود فعل عكسية ونتائج سلبية فانفضّ الناس من حول هذه الحركات التي كانت أفكارها تلقى رواجا وشعبية كبيرة وأصبح ذكرها عنوانا للدماء وإزهاق الأرواح البريئة. وقد استدركت بعض الحركات الإسلامية وقامت بتصحيح ومراجعة سياساتها ومبادئها كما فعلت الجماعة الإسلامية المسلحة بمصر الرائدة في نهج العنف والعمل المسلح، والتيار السلفي الجهادي بالسعودية وكذا بالسودان وما يسمى بجيش الإنقاذ بالجزائر وغيرها. غير أن بعض الحركات الإسلامية مازالت على غيها مثل الحركات التي انضوت تحت لواء تنظيم القاعدة، هذا التنظيم الذي رأى النور في أفغانستان في منتصف الثمانينات تحت الرعاية الأمريكية، ثم ما لبث أن كبر وتضخم وتحوّل إلى محاربة أمريكا بعد تحرير أفغانستان وسقوط الإتحاد السوفياتي وأضحى اليوم تطارده أمريكا في كل فجّ عميق. لقد كان لهذا التنظيم تنظيم القاعدة بعض الشعبية والتعاطف الجماهيري في العالم عندما كان هدفه الأساسي ضرب أمريكا وإسرائيل، باعتبار أن أمريكا كانت وماتزال مصدر المظالم والشرور في العالم العربي والإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وكذا العراق، لكن عندما انحرف هو الآخر وتحوّل إلى ضرب وترويع الآمنين كما حدث في الدارالبيضاء بالمغرب في مارس 2003 وفي مدريد عام 2004 وفي لندن عام 2005، وآخرها يوم الأربعاء الأسود في الجزائر، أصبح لا يختلف عن التنظيمات الإرهابية الدموية الأخرى التي يتمت الأطفال ورمّلت النساء وروعت المؤمنين الآمنين. كيف يفكر الذين دبروا وخططوا للأربعاء الأسود في الجزائر؟ هل ضرب مقر الحكومة ومقتل المارة والآمنين وكذا تدمير مركز للشرطة وقتل المارين من حوله يوصلهم إلى الحكم؟ ألم يأخذوا العبرة من عشرية الدم وسنوات الدماء والدموع؟ هل تغير أنذاك نظام الحكم شعرة واحدة، رغم الدمار والتخريب والمجازر وغيرها؟ إن الذين يعتقدون أن مقتل عشرات، بل حتى مئات من عناصر الشرطة والأمن والجيش قد يحدث التغيير الذي ينشدونه ويأخذون الحكم واهمون ولا يجنون إلا الإستنكار والتنديد والإدانة من طرف المواطنين والرأي العام الدولي. إن كل مواطن غيور ينشد التغيير ولكن بالطرق والأساليب السلمية تحت قبة البرلمان أو ضمن الهيئات المنتخبة الأخرى، وفي هذا السياق مطلوب من السلطة وبإلحاح أن توسع العمل السياسي وتفتحه للجميع دون إقصاء أو وصاية وأن تفسح مجال المصالحة وتوسعه للجميع من خلال إعادة النظر في ميثاق السلم والمصالحة لتعديله وجعله أكثر ملاءمة وجاذبية وفعالية وألا تحاسب الناس بجرائر وأخطاء الماضي، إن الظلم والمظالم مرتعهما وخيم ولا يتولد عنهما إلا التطرف والتشدّد والصلف الفكري وردود الأفعال المتصلبة والمتطرفة.