رحلت وردة، لكن حكايتها مع الزمان لم ترو تفاصيلها الدقيقة بعد، ربما لأنها تتحفظ كثيرا على تلك الأسرار، فحتى البرامج التلفزيونية التي ظهرت عبرها كانت دوما ما تضع فيها خطوطا حمراء، فلا تروي كل شيء في حياتها الخاصة حتى لا تجرح ابنيها رياض ووداد.. لكن الموسيقار حلمي بكر، الذي جمعته مع وردة الكثير من الألحان و"الأسرار" أهمها "عيد الكرامة" تحدث لقناة الحياة المصرية عن بعض تلك التفاصيل، مشيرا لتوحّد الرؤساء المصريين السابقين في ظلم وردة، حتى ولو اختلفوا بينهم في تفاصيل أخرى، لكن لكل من عبد الناصر والسادات ومبارك، غضب خاص على أميرة الطرب العربي.. واليوم زال الرؤساء جميعا وبقيت الأميرة تتربع على القلوب بعد الرحيل! يقول حلمي بكر: "وردة حالة خاصة، إنها تلقائية جدا وصريحة للغاية، وتلك الصراحة جلبت لها الكثير من المتاعب، أوّلها مع عبد الناصر حين بلغه بأن المشير عبد الحكيم عامر، الذي مات منتحرا فيما بعد، على علاقة خاصة مع المطربة القادمة من الجزائر، وقتها، طلب الزعيم القومي الكبير من المخابرات إبعاد وردة حتى لا تفسد على الجنرال خططه العسكرية" علما أن بعض الروايات أشارت إلى أن وردة استغلت علاقتها مع المشير من أجل بسط نفوذها على الوسط الفني الذي لم يكن يتقبل مجيئها لعالم الفن، وقد نجحت في تلك الفترة، أن تجمع أكبر الملحنين في تجربتها السينمائية الأولى مع حلمي رفله، بعنوان "ألمظ وعبده الحامولي" حيث لحن لها خمسة من كبار وألمع الموسيقيين.. محمد الموجي، فريد الأطرش، محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي ورياض السنباطي في فيلم واحد!! كان ذلك كفيلا ببث الغيرة في نفوس العديد من المطربات.. غيرة تتحدث عنها وردة فيما بعد بلهجة مصرية، حين تقول: "الفنان الذي يقول أنه لا يغير، كذاب وابن ستين كذاب!!". وبعد الإبعاد من مصر ثم الرجوع لعالم الغناء بأمر "رئاسي" من هواري بومدين، غنت وردة لليبيا القذافي، وكان في ذلك الوقت صراع بين الزعيم الليبي والرئيس المغتال أنور السادات، خصوصا وأن هذا الأخير وصف العقيد بأنه "ولد مجنون" حسبما نقل الكاتب محمد حسنين هيكل، في إحدى رواياته.. شعر السادات بالغضب، وقال للمخابرات في تهديد مبطن، مثلما ينقل حلمي بكر: "شدو أذن بنتنا شوية" قاصدا وردة، والتي كان زواجها من بليغ عام 72 بطريقة غريبة، حيث حضر الإثنان إلى بيت الراقصة نجوى فؤاد من أجل تهنئتها بعد القران، وهناك طلب الملحن العبقري من وردة الزواج، فوافقت على الفور، واستمر حبهما 8 سنوات، تقول وردة أنها لم تشعر بقوته إلا بعدما فارقها بليغ!، وإذا كانت علاقة وردة مع عبد الناصر والسادات، فيها قصص وحكايات نادرة، فإن العلاقة مع مبارك، ستظل مليئة بالعديد من الأسرار والتفاصيل المخفية.. فعندما سقط الفرعون وأطاحت به ثورة 25 يناير، خرج البعض لينتقد وردة أنها غنت له سابقا "يا مبارك يا حبيب الشعب، يا زعيم عربي صحيح يتحب، أنت اديت روحك لبلادك وبلادك شايلاك في القلب".. صمتت وردة إزاء كل تلك الانتقادات "كعادتها" ورفضت الرد رغم إصرار وجدي الحكيم وحليم بكر، على أن تروي قصة معاناتها الحقيقية مع مبارك وزوجته "الهانم" سوزان.. واليوم بعد الرحيل، كشف الموسيقار حلمي بكر، بعض تلك الأسرار فقال: "وردة لم تكن تحب مبارك، وتمنت بعد رحيله أن يجد المصريون رئيسا شابا ينسيهم سنوات الفساد والعذاب التي ألحقها نظامه بهم.. كما لوردة قصتان مع مبارك، الأولى في إحدى الحفلات حين طلبت من الجنود الحاضرين في احتفال أكتوبر أن يتفاعلوا مع موسيقاها، فقالت.. الرئيس يطلب منكم التصفيق.. حينها غضب الوفد الرئاسي، واعتبروا التصرف خارقا للبروتوكول، وتمت معاقبتها بالإبعاد عن الحفلات العامة".. ثم يضيف حلمي بكر "أما القصة الثانية، فهي عندما غنت أيضا أمام مبارك، أغنيتها الشهيرة "جالك يوم" وقفت أمام الميكروفون لتخاطب مبارك قائلة.. طبعا لا أقصدك أنت بالأغنية، ثم ضحكت بتلقائية" حينها غضبت سوزان كثيرا، التفتت ذات اليمين وذات الشمال، ومن يومها، تم منع وردة من الغناء في مصر إلا في أوقات نادرة جدا، ووصل الحظر إلى بلدان عربية أخرى، حيث نادرا ما كانت تغني وردة في بيروت أو دبي! أثناء الأزمة بين مصر والجزائر بسبب المونديال، حاول بعض المحسوبين على النظام من المأجورين فنيا وإعلاميا، التحريض على تاريخ وردة واسمها الفني، فطالبوا بطردها.. وعن هذه الواقعة تحديدا، يروي حلمي بكر فيقول: "يومها كنت أقدم برنامجا إذاعيا، وطلبت من الإعداد بث أغنية لوردة فنصحوني أن لا أفعل، لكنني قلت لهم، وردة جزء من تاريخنا الفني العربي، ولا يمكن إسقاطها بسبب مباراة في كرة القدم!". وبحسب رواية بكر دوما، فإن وردة أرادت التدخل إعلاميا للرد على المزايدين على حبها لوطنها الجزائر، وأيضا المشككين في وفائها لتاريخها بمصر، وفضل هذه الأخيرة بملحنيها وشعرائها عليها، لكن ابنها رياض، طلب منها الصمت خوفا من مضاعفة الأزمة بين البلدين في ذلك الوقت المشحون بالضغط والمهاترات!