قبل الاستقلال في عهد الاستعمار الفرنسي كانت هناك قرابة 400 قاعة سينمائية عبر الوطن وفي العاصمة أكثر من مائة قاعة، أمّا اليوم فحال قاعات العرض يندى لها الجبين، بسبب سياسة فاشلة لم تنعش قطاع الفن السابع في بلادنا على صعيد القاعات والإنتاج والتوزيع بحسب مختصين. للاطلاع على حال قاعات السينما وكشف وضعها وواقعها ومن يقصدها من الجمهور وعشاق السينما في ظل مناداة رواد هذا الفن بفتح قاعات أخرى وبإنعاشها أو بترميم أخرى حتى تعود إليها الحياة على ما كانت عليه في عهد الاستعمار الفرنسي، قامت “الشروق” بجولة في العاصمة وعادت بأمثلة عن قاعات تشتغل طوال السنة وأخرى لا تزال طي النسيان وتعاني الإهمال وتحاصرها الأوساخ. “سينما الهلال”.. شاهد فيلمك ب100 دينار فقط الوجهة الأولى كانت إلى سينما “الهلال” العتيقة، صالة العرض تقع بالقرب من فندق السفير وقاعة الموقار المعروفة، قاعة عتيقة تضمن الفرجة طوال السنة للجمهور الجزائري، وتقدم له أفلاما مختلفة ومنوعة أجنبية وعربية وجزائرية، مقسمة إلى طابقين، ويختلف سعر الجلوس في كل طابق، فثمن تذكرة مقاعد الطابق الأرضي يقدر ب 100 دينار، بينما تذكرة مقاعد (الشرفة) ب85 دينارا بحسب ما صرّح به أحد العاملين ب”سينما الهلال”. وقال المتحدث (رفض الكشف عن هويته) ل”الشروق”: “سينما الهلال عتيقة وتستقبل أفلاما مختلفة أجنبية وعربية محلية، يقصدها الزوار من مختلف الفئات ولاسيما الطلبة والشباب”. وأضاف المتحدث: “سينما الهلال ليست عمومية بل خاصة، تسطر برنامجا على مدار الأسبوع وهذه القاعة تشهد نشاطا دائما”. سينما الخيام… عروض الأطفال مجانا غيرنا الوجهة، باحثين عن قاعات سينما سواء قيد الخدمة أم في طي النسيان، فتوقفنا عند “سينما الخيام” الواقعة في نقطة تقاطع مع شارع بن خوجة محفوظ في حي تليملي، سألنا أحد العاملين بها، عن نوعية العروض وعمل القاعة والجمهور الذي تستقبله ومختلف النشاطات التي تحتضنها، فأجاب بالقول إنّ سينما الحياة تشتغل على مدار السنة (6/7 في الأسبوع) وفي المناسبات سواء الثقافية أم المناسبات التاريخية، كما أوضح لنا أنّ سينما الخيام تستقبل العائلات الجزائرية والشباب وتقدم لهم أفلاما عالمية وأخرى جزائرية موجهة إلى الكبار وبسعر رمزي يقدر ب250 دينار للشخص. واعتبر المتحدث أنّ سينما الخيام تسطر برامج خلال المناسبات التاريخية مثل أول نوفمبر أو عيد الاستقلال وتقدم أفلاما ثورية عن حرب التحرير وأبطال الجزائر، كما تضع تحت تصرف الجمعيات القاعة وتحتضن الأطفال من خلال تقديم عروض سينمائية كرتونية ويكون حضورها مجانا، وتنظم لفائدة الأطفال عروضا بهلوانية خلال مناسبات عيد الطفولة والعطل ونهاية الأسبوع. ولفت المتحدث إلى أنّ سينما الحياة تابعة لبلدية الجزائر الوسطى. لماذا “توقفت” مرّة أخرى سينما إفريقيا عن العمل؟ غادرنا “سينما الخيام” متوجيهن إلى “سينما إفريقيا” الجميلة التي تزينها لوحات فنية وطلاء بني وواجهة سوداء عليها اسم القاعة باللون الأبيض، الواقعة بين شارعي خليفة بوخالفة والإخوة مسلم، وجدنا شبابيكها مغلقة وكان ذلك في حدود الواحدة زوالا، مثل كل يوم وكل وقت، وبدأ ذلك مباشرة بعد افتتاحها مارس الماضي، وهذه القاعة تم إعادة ترميمها شهر مارس الفارط أمام الجمهور، تزامنا مع مع الاحتفال بالذكرى ال20 لتأسيس الجمعية الفنية السينمائية “أضواء”. والجدير بالذكر أنّ هذا الهيكل الذي تتسع قاعته ل1400 مقعد رصدت له ميزانية 30 مليار سنتيم. قاعة منسية في قلب بوخالفة غير بعيد عن سينما إفريقيا، قاعة سينمائية عتيقة تقع في بناية مهترئة لا تزال في غياهب النسيان وبعيدة عن أنظار السلطات، اسمها “لو فرونسي” الذي يزينها ليس واضحا وغير مفهوم، فهي أشبه بوكر مهجور، بابها مفتوح وجدرانها ترسمها “خربشات” باللغة الفرنسية، هذه القاعة تحاصرها القمامة وقد كانت شاهدة على عروض سينمائية كبيرة ولكن للأسف اليوم تعاني الإهمال. وكان أحد الممثلين الجزائريين قد علق على حالتها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” قائلا: “من قاعة سينما بشارع خليفة بوخالفة، صباحكم سينما يا أصحاب القرار، صراخها يؤلمني، منذ صغري وأنا أمرّ عليها، عمري الآن 52 سنة لم يتغير شيء”. وإلى جانب هذه القاعات التي تشتغل وتقدم الفرجة للعشاق والمهتمين بالسينما في الجزائر طوال العام، هناك العديد من القاعات المهجورة في زوايا وشوارع العاصمة التي تنتظر فقط أن ينفض عنها الغبار وتعود إلى الخدمة، ورغم صيحات الفاعلين في القطاع السينمائي إلا أنّ الأمر لم يتغير بل الأمرّ من هذا أنّ بعض القاعات التي تم ترمميها ووعد بأن تحتضن نشاطات ولقاءات وعروض سينمائية توقفت. صرفت عليها الملايير وتبقى مغلقة خارج العروض الأولى للأفلام قانون 1982 يرهن قاعات السينما بين وزارة الثقافة والبلديات تشكل قاعات السينما هاجسا طالما أرق وزراء الثقافة المتعاقبين على القطاع، حيث سطرت العديد من مخططات إعادة ترميم وتهيئة القاعات، فأعيدت الكثير من القاعات التي كانت مغلقة مثل سينما إفريقيا بالعاصمة وقاعة الأطلس بباب الوادي وسينما الخيام بوسط العاصمة وغيرها، غير أن إعادة فتح القاعات ورغم الملايير التي صرفت عليها لكنها تبقى خارج الخدمة ولم يعد تشغيلها لتتحول إلى أوكار للأشباح أو قاعات للمناسبات الكبرى والعروض الأولى. فما فائدة أن نصرف الملايير لتجهيز القاعات بالدي سي بي ثم نغلقها ليأكلها الغبار؟ أزمة تسير قاعات السينما ما زالت مشكلا تتقاذفه وزارة الثقافة والبلديات، حيث سبق لميهوبي أن صرح في العديد من المناسبات بأن الوزارة تسعى لاستعادة القاعات التي وضعت تحت تصرف البلديات لإعادة فتحها كما أكد الوزير أيضا في عديد الخرجات أن وزارته ستبعث هيئة أو مؤسسة خاصة بتوزيع الأفلام وهذا بعد أن عبر المخرجون عن تذمرهم من إنتاج أفلام لتبقى في الأدراج لا تعرض في القاعات ولا تشارك حتى في المهرجان فبعد العروض الأولى لا يشاهد الجمهور تلك الأفلام. قاعة إفريقيا مثلا التي صرفت عليها بلدية سيدي أمحمد قرابة 30 مليار سنتيم لا تزال مغلقة إلى اليوم. رغم أن المسؤولين سبق أن أعلنوا عن تنظيم أسابيع للسينما الجزائرية لتنشيطها غير أن هذا لم يحدث إلى اليوم حيث كشف الأمين العام للجمعية السينمائية أضواء السيد رابيا عمار أنهم لا يزالون في انتظار إجراءات بلدية سيدي أمحمد لتجديد شاشة العرض وتخصيص مبلغ مالي لإعادة إطلاق القاعات والتكفل بتكاليف المشرفين عليها. وأضاف رابيا في اتصال مع “الشروق” أن الجمعية عقدت اجتماعين منذ مارس الفارط مع مسؤولي البلدية الذين برروا تأخر إعادة تشغيل القاعة بعدم توفر ميزانية. لا تزال قاعات السينما خاضعة لقانون 1982 الذي منح صلاحيات تسير قاعات السينما التي يبلغ عددها نحو 269 قاعة أغلبها مغلقة وفي حالة متدهورة لأن تسيير قاعات السينما في إلى حاجة مختصين. مشكلة التسيير لا تطرح فقط على القاعات التابعة للبلديات بل حتى تلك التابعة لوزارة الثقافية لا تزال تعاني مشكلة غياب العروض رغم أن الدولة أنفقت في السنوات الأخيرة الملايير في تمويل أفلام كثيرة لكنها تبقى في الأدراج بعد العروض الأولى. القاعات التابعة للوزارة لا تزال تبحث عن مؤسسة مشرفة لتسييرها فبعد أن وضعت تحت تصرف الديوان الوطني للثقافة والإعلام عاد الوزير ليسحب منها هذه المهمة ويمنحها لوكالة الإشعاع الثقافي ثم يعلن عن بعث مؤسسة لتسيير القاعات وتوزيع الأفلام بعد تكوين مختصين في مجال التسيير. وهي المهمة التي لا تزال تنتظر التجسيد. مهرجان الفيلم المتوسطي يراوح مكانه بين السينماتيك والمسرح تأهيل سينما المنار ما يزال حبرا على ورق والقاعات الأخرى مهملة ما يزال الغموض يكتنف ملف قاعات السينما في ولاية عنابة رغم بعث مهرجان الفيلم المتوسطي في هذه المدينة التي يعشق سكانها ومبدعوها على حد سواء الفن السابع، حيث اضطرت محافظة المهرجان لإقامة حفل الافتتاح والعروض السينمائية في قاعة مسرح عز الدين مجوبي على مدار الطبعات الثلاث الأخيرة للمهرجان، الأمر الذي جلب استياء وسخرية في ذات الوقت من واقع الصناعة السينمائية في بلادنا. تتوفر ولاية عنابة على عدة قاعات للسينما غير أنها مهملة وحوّلتها البلديات التي تمتلك حق تسييرها إلى مقرات لمزاولة أنشطة تجارية أو احتضان نشاطات الأحزاب السياسية والجمعيات، على غرار قاعات سينما إفريقيا، أولمبيا، المنار والكرامة التي حولت كلها عن نشاطها الفني السينمائي وأصبحت محلات لألعاب الفيديو أو مقاهي تعرض فيها مباريات الدوري الأوروبي لكرة القدم. ولم يبق من فضاء مخصّص للعروض السينمائية بجميع فئاتها، إلا متحف السينما أو سينماتيك عنابة، الذي خضع خلال السنوات الأخيرة لعملية ترميم وتأهيل أشرفت عليها وزارة الثقافة مكنته من استيعاب 250 مقعد والتدعم بأجهزة متطورة للعرض السينمائي المتطور بتقنية دي سي بي. وكان وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي، قد أعلن خلال حفل اختتام الطبعة الثانية من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، عن إعادة تأهيل سينما المنار لتكون قادرة على احتضان عروض المهرجان في السنوات القليلة المقبلة، إلا أنّ عملية التأهيل الموكلة إلى مؤسسة الأشغال الكبرى لوزارة الثقافة لم تنطلق بعد حسب ما أكده مدير الثقافة للولاية السيد إدريس بوديبة، الذي اعتبر أن مشكل قاعات السينما ما يزال للأسف يتجاوز مديريات الثقافة لأن ملكيتها وتسييرها بيد البلديات التابعة لوزارة الداخلية. وفي انتظار إيجاد حل لهذه المعضلة القانونية التسييرية تبقى قاعات السينما مغلقة مهملة أو تزاول نشاطا آخر في ما يضطر القائمون على مهرجان الفيلم المتوسطي إلى الاستعانة بخشبة مسرح عز الدين مجوبي، إذ ظل الاقتراح الذي تقدمت به وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي لإلحاق تسيير قاعات السينما بوزارة الثقافة أضغاث أحلام. رهان على سن قانون يحفز الخواص على استغلالها قاعات السينما بباتنة.. إهمال ونزاعات وأوكار للمنحرفين تعرف قاعات السينما بباتنة وضعا مأساويا لا يقل عن الحالة التي تعيشها مثل هذه الهياكل في ولايات أخرى من الوطن، ورغم أن عاصمة الأوراس تتوفر على 6 قاعات كاملة تصنف في خانة الهياكل الكبرى، إلا أن عدم التكفل بها جعلها مجرد هياكل دون روح، ومرادفة للإهمال والتسيب، بشكل جعل الكثير يستعيد أجواء السبعينيات والثمانينيات بنوع من الحنين الممزوج بكثير من التأسف. إذا كانت مدينة باتنة تتوفر على قاعات سينما تصنف في خانة الهياكل الكبيرة والمحترمة، إلا أن اغلبها لم يتم تفعيله بالشكل اللازم، وهذا منذ قرار تحويلها لأن تكون تحت إشراف البلديات، وفي الوقت الذي تحولت قاعة السينما بحي الإخوة امباركية (بارك أفوراج) إلى شبه مركز ثقافي، وكثيرا ما تكون فضاء لعقد الجمعيات العامة للنوادي الرياضية والثقافية، والكلام ينطبق على قاعة السينما التابعة لحي شيخي، إلا أن بقية القاعات تعاني الإهمال، على غرار ما يحصل لدار السينما المحاذية لفندق حزم في قلب مدينة باتنة، والتي مازالت مغلقة بسبب نزاع حول إلى أروقة العدالة، فيما تم تحويل قاعة “السينماتيك” إلى مديرية الثقافة، أما القاعة الأخرى المعروفة باسم “الكازينو” الواقعة في حي “سطون”، فقد وظفت منذ سنوات كمقر تابع للفريق الرياضي شباب باتنة. ويجمع الكثير من المتتبعين، بأن سن قانون تسيير قاعات السينما من طرف البلديات كان لها تأثير سلبي، وهذا بسبب افتقاد البلديات إلى إطارات ثقافية بمقدورها التكفل بمثل هذه المهام، وهو ما ذهب إليه الرئيس السابق لبلدية باتنة كريم ماروك الذي أكد ل”الشروق” سعيه خلال عهدته إلى الدعوة لسن قانون يسمح بتفويض المرفق العام، وهو الخيار الذي من شأنه أن يشجع على إقبال الخواص لاستغلال واستثمار مثل هذه المرافق الثقافية والسينمائية، مضيفا بأنه يعول كثيرا على إصدار قانون في هذا الجانب، والذي يسمح بالاستفادة المتبادلة سواء من طرف الخواص، أو من طرف البلدية التي من شأنها أن كسب أرباح بنسبة 10 بالمائة، ما يجعل هذا الخيار في خدمة جميع الأطراف، وفي خدمة المواطن على وجه الخصوص. والواضح أن واقع قاعات السينما بباتنة ما زال في حاجة إلى العناية، خاصة وأنها تمثل هياكل ثقافية كبيرة بالمقدور أن تشكل قطبا هاما من النواحي السينمائية والثقافية والجمعوية، ما يفرض حسب البعض ضرورة تفعيلها وفق إطار قانوني يسمح بتوظيفها واستغلال مرافقها حتى تكون في خدمة الأنشطة الثقافية والجمعوية، وبالمرة تفادي كابوس محلات الرئيس التي تعكس الخلل الكبير في طريقة تشييد مرافق تكلف الملايير وفي النهاية يكون مصيرها الإهمال، لتتحول في النهاية إلى مراحيض ومقصد للمنحرفين.