تزامنا مع إطلاق “المقهى الثقافي” الجديد بمدينة برج بوعريريج، الذي يشرف عليه بوكبة عبد الرزاق وتنظمه جمعية نوميديا الثقافية، ارتأت “الشروق” فتح نافذة عن واقع المقاهي الثقافية والأدبية في الجزائر، بالحديث مع أهل “الكار”، من منطلق أسئلة حول ندرتها وما دور المثقف لإعادة إحيائها أو خلق مواعيد أخرى؟ وهل تحوّلت “المقاهي الثقافية” الموجودة إلى مجالس صراع وتصفية الحسابات بين المثقفين؟. قال الروائي كمال قرور صاحب منشورات “الوطن اليوم” إنّه ليس شرطا أنّ تشرف الدولة على المقاهي الثقافية أو الأدبية، بل المثقفون أولى بالإشراف عليها وتنظم كموعد أسبوعي أو نصف شهري أو شهري. قرور: المقاهي الثقافية أفضل من المهرجانات وأضاف قرور أنّ في المقاهي الثقافية تناقش الأفكار والقضايا وتقدّم أعمالا جديدة يعكف على مناقشتها وطرحها مثقفون. ويرى قرور أنّ المقاهي الثقافية أفضل من المهرجانات التي تسيطر عليها البهرجة، وبالتالي هي البذرة والأساس مع ضرورة تعميمها في كل الولايات والدوائر والأرياف ولا تقتصر على المدن الكبرى فقط. وشدّد المتحدث أنّ هدف هذه المقاهي هو جمع شمل المثقفين والالتفاف حولها لمناقشة فكرة أو كتاب أو تيار أدبي معين أو قضية سياسية أو اجتماعية تهم الرأي العام لكون المثقف هو من يسهم في صناعة الرأي العام. وأوضح أنّ هذه المواعيد هي قاعدية تضمن حضور الجمهور والمثقفين وتسهم في خلق تقاليد ربما لا توجد، والجميل هو تكريسها لتصبح نموذجا ومواعيد قارة ثابتة، ينتج عنها احتكاك وتبادل آراء وتجارب بين المثقفين على اختلاف مشاربهم الفكرية لكن وجب أن يكون من يقف وراءها شخص من المجال. شوار: لهذا السبب لا تستمر المقاهي الثقافية في الجزائر؟ ويؤكد الروائي والإعلامي الخير شوار أنّ المقاهي الثقافية في الجزائر نادرة وذلك لعدّة أسباب أبرزها عدم استمراريتها، لكونها في الأساس ناتجة عن تقليد وليس عن رغبة تؤسس لمقهى ثقافي أو أدبي وفقط. ويعتبر المتحدث أنّه مع خلق فضاء جديد يجب أن تنتشر الفكرة في كل مكان وفي كل ولاية ويكون مقهى أدبي مستمر، ولكن يسأل: هل هذه الفضاءات التي تأسست ستستمر؟. ووفق الخير شوار فإنّ كانت الفكرة ناتجة عن رغبة حقيقية في الفعل الثقافي من المؤكد أنّ المقهى الثقافي سيستمر، في حين إذا كان استحداثه من أجل لفت الانتباه والبهرجة سيفشل حتما وسيزول فجأة كما ظهر فجأة. ولم يخف المتحدث أنّ بعض المقاهي الثقافية تحوّلت إلى مجالس للاتهامات والنميمة. مهنانة: الاتكالية على الدولة منعت من التأسيس لمقاه ثقافية مستقلة ويعتقد الدكتور اسماعيل مهنانة أنّ قلّة المبادرات من طرف المثقفين أسهمت في قلّة وندرة المقاهي الثقافية في بلادنا، فالمثقف إلى وقت قريب كان ينتظر هذه النشاطات من هيئات رسمية من وزارة الثقافة ومن دور الثقافة ومؤسسة ثقافية تنتمي إلى الدولة وبالتالي حسب مهنانة هذه الاتكالية منعته من المبادرة للتأسيس لفعل ثقافي مستقل عن المبادرة الرسمية. ويشير المتحدث إلى أنّ الكثير من الشباب تنبّهوا إلى أنه لا يجب انتظار مبادرة رسمية والقيام بمبادرات شخصية. وعن قول بعض الأشخاص إنّ المقاهي الأدبية تحوّلت إلى فضاءات للنميمة، ردّ مهنانة أنّ “لنميمة” موجودة ومنتشرة مثل الأكسجين، في المجتمع وفي الفايسبوك والمسنجر. وقال: “لا أعتقد أنّ لها علاقة بهذا الفضاء، بل يمكن حصرها في الشللية بقيام كل مجموعة تجمع أصدقاءها ومعارفها، ولكن النميمة ظاهرة أنثروبولوجية وكل المجتمعات مؤسسة على النميمة وليس فقط المجتمع الجزائري”. عبد الكريم: وجب التعاطي معها بإيجابية وبدوره أوضح الشاعر أحمد عبد الكريم أنّ المؤسسات الرسمية حاولت خلق تقاليد وإطلاق عليها اسم “المقاهي الثقافية” نظرا لثقل الكلمة في الوجدان الاجتماعي، فالمقاهي يمكن استثمارها وتكون فضاء يلتقي فيه الكتاب للإدلاء بأفكارهم بكل حرية وتلقائية وعفوية. وعن ندرتها، أشار إلى أنّها نابعة من التأسيس، وفي الجزائر يصعب التأسيس لتقاليد ثقافية نظرا للممانعة والنظرة السوداوية تجاه الأشياء، وبعكس تثمينها تنتقد ويُحط من شأنها وقيمتها. وقال: “الجزائريون بكل أسف لا ينظرون إلى الأشياء بايجابية بل بسلبية، في حين يفترض وجوب التعاطي مع المقاهي الثقافية تحت أي اسم كانت ودعمها والنظر إليها بإيجابية لأنها إغناء للمشهد الثقافي بصورة عامة”. طيبي: تحتاج لدعم غير مشروط لندرتها أما الروائي رفيق طيبي فيرى أنّ فكرة المقهى الأدبي تستند على تاريخ من الممارسة والارتباط بين المقاهي والمثقفين، وتدريجيا انزلقت مفردة مقهى من فضاء يضم حقيقة الفناجين ووسائل إعداد القهوة إلى مفردة توظف أدبيا لصالح أمكنة تجمع المبدعين على اختلاف توجهاتهم الإبداعية والفكرية من أجل اللقاء والتحاور. ويشير إلى أنّ العارف بشأن الإبداع يدرك جيدا أنه قبل أن يكون إنتاجا بالمفهوم التجاري أو مفهوم العرض هو رؤية واحتكاك يولدهما التثاقف والحوار، والحوارات في كثير من ثقافات الشعوب تكون في المقاهي، خاصة الهادئة منها والتي توفر جوا إيجابيا ومريحا. وبالنسبة لتصفية الحسابات والنميمة يقول إنها ظواهر تقليدية في الممارسة الفنية، فعبر التاريخ هناك نماذج كثيرة لشعراء تصارعوا شعريا وكانت لديهم حسابات وولدت نميمتهم حكايا شعبية ثرية توارثتها الأجيال، ليس الشعراء فقط من يعيشون هذه الأجواء بل تمتد الظاهرة إلى الفنون كلها بدرجات متفاوتة. ويلفت إلى أن غير الصحي أن تقطع النميمة والحسابات الضيقة مصالح من شأنها تطوير الحركة الإبداعية وأن تتحول تلك الظواهر من محركات للساحة الثقافية ومحفزات على التنافس لاحتلال الكراسي الأمامية في الإبداع، إلى صراعات فارغة وشخصية لا تقدم شيئا للثقافة. ووفق طيبي “هذا الضيق الإنساني في بعض المشتغلين بالثقافة والذين يعبرون عنه في المقاهي الأدبية ليس رهين مكان محدد أو زمان أو لقاء بل يمتد إلى الفايسبوك، اللقاءات العامة، الملتقيات، لذلك لا يقلل شيئا من أهمية المقاهي الثقافية التي تحتاج دعما غير مشروط نظرا لقلتها وطنيا، وعربيا. والمكان الذي يجمع مبدعين بأرواح سامقة ومتعالية عن سفاسف الكلام سيكتسب تدريجيا قوة رمزية تطرد النفوس الغارقة في حسابات لا تسمن ولا تغني من جوع”. مقهى ومكتبة “شجرة الأقوال” بسيدي يحيى عندما يجاور محمد ديب جورج أرماني و”كويك” سفيان حجاج للشروق: خلق المقاهي الثقافية مسؤولية المجتمع المدني عندما دشّن سفيان حجاج مدير دار البرزخ مقهى ثقافيا تزامنا مع افتتاح مكتبة “شجرة الأقوال” بسيدي يحيى، كان يهدف إلى تغيير ليس فقط نمط التفكير لكن أيضا نمط الاستهلاك بالعمل على إدخال الثقافة إلى قائمة الأشياء التي تستهلك جنبا إلى جنب مع الأكل السريع، ولمَ لا تتحوّل الثقافة وخاصة الكتاب إلى وجبة سريعة يستهلكها من يزور سيدي يحي. فنجح مدير دار البرزخ في بعث الحركية في روتين شارع سيدي يحيى ولو باحتشام حيث تقف مكتبة ومقهى “شجرة الأقوال” كعلامة فارقة وسط العلامات التجارية و”الماركات” الاستهلاكية التي غزت الجزائر بشكل سريع. اعتبر مدير منشورات البرزخ القاص سفيان حجاج افتتاح هذا الفضاء في هذه الظروف التي تعرف انحصار المساحات المخصصة للنقاش الفكري في الجزائر، خطوة تندرج في إطار المغامرة التي بدأتها دار البرزخ منذ 17 سنة، وهي النضال الثقافي والانحياز إلى صناعة الفكر والترويج للكتاب. وقال حجاج إن الفضاء الذي افتتح منذ سنة تقريبا واستمد اسمه “شجرة الأقوال” من تراث محمد ديب، يعتبر تجربة ناجحة نسبيا خاصة وأنه يأتي في مكان “سيدي يحيى” غير متعود على الحضور الثقافي، لهذا كان الرهان -يقول حجاج- منذ البداية قائما على خلق مشروع عائلي يضم أيضا مطعما وقاعة عروض تؤكد رغبة صاحب الدار في خلق تقاليد جديدة، حيث يرافق الاستهلاك المادي الاستهلاك الثقافي، ويمكن للأكل أن يجاور الكتاب دون عقدة وهي أيضا حيلة جميلة ترمي إلى جلب الجمهور وخلق طبقة من القراء يأتون إلى الكتاب خاصة أن الشارع الذي فيه المكتبة يضم مطاعم ومقاهي لكن لا توجد به أي حياة ثقافية ولا مكتبة ولا قاعة سينما ولا قاعة عروض رغم أنه أحد الأحياء الراقية بالعاصمة. يقول سفيان إنه انطلق من هذه القناعة وهي ضرورة خلق حياة ثقافية في الحي لأنه مقتنع بأن النقاش الفكري وتبادل الأفكار جديران بخلق أفق للتبادل والعيش الحضاري المشترك. وفي سياق متصل قال سفيان حجاج في تصريح للشروق إن المقاهي الثقافية بإمكانها أن تكون فضاء بديلا ليس للنشاطات الرسمية بل حتى لخلق الفعل الثقافي الذي يعتبر من صميم أدوار المجتمع المدني “فالمجتمع هو الذي يخلق الثقافة وهو الذي يروّج لها”، لهذا أوعز المتحدث كثافة وجود المقاهي الثقافية في منطقة القبائل إلى تحصيل حاصل لنشاط ونفوذ وفعالية الحركة الجمعوية هناك، فالمجتمع المدني مسؤول عن خلق ورعاية وترويج النشاط الثقافي واستهلاكه أيضا، حيث أكد المتحدث أن الكثير من الكتاب والمثقفين لا يمانعون في التنقل لمختلف الجهات التي تدعوهم لتنشيط المحاضرات والندوات وعرض كتبهم من دون مقابل وهم لا يشترطون إلا توفير مكان بسيط للمبيت فقط. بوكبة أشعل شموع الاختلاف والنزاهة والإبداع على شرف الضيوف والجمهور بقلعة المقراني المقهى الثقافي ببرج بوعريريج ..أول عدد ولد كبيرا بأربعة كتّاب مرشحين لجائزة “الجزائر تقرأ” للرواية تجسد “المقهى الثقافي” الذي أعلنت عنه مؤخرا بمدينة برج بوعريريج، جمعية نوميديا الثقافية، على أرض الواقع، وحضر أول أعداده الذي نظم بقلعة المقراني العتيقة جمهور غفير ومثقفون من مختلف ولايات الوطن في جلسة مفتوحة مع أربعة من الوجوه المرشحة للقائمة القصيرة لجائزة “الجزائر تقرأ ” للرواية وهم الروائيون اسماعيل مهنانة، محمد ساري، مبروك دريدي وأحمد عبد الكريم. وسط جو احتفالي بأول أعداد “المقهى الثقافي” الذي تنظمه جمعية نوميديا الثقافية وينشطه الكاتب والإعلامي عبد الرزاق بوكبة العائد إلى ولايته الأم بعد ستة عشر عاما من الحضور الإعلامي والثقافي والأدبي المكثف في الجزائر العاصمة، احتفت الجهة المنظمة بمرشحي جائزة الرواية التي تنظمها دار “الجزائر تقرأ” التي يديرها الناشط قادة الزاوي، وقدمتهم للجمهور البرايجي الذي قاسمهم تجاربهم الإبداعية بتفاعل كبير. وكما في فضاء “صدى الأقلام” الذي ينشّطه منذ 2005 كعادته، فضلّ بوكبة في هذا الموعد الثقافي الجديد وشعاره “حوار الجماليات”، أن يشعل شموع الإبداع والأمل والتسامح والنزاهة والاختلاف على شرف الضيوف والحضور الكبير الذي ملأ ساحة قلعة المقراني. وبقدر ما كان اللقاء الأول احتفاليا وترحيبيا مع الإصرار على استمرارية ودعم هذا الموعد وتعزيز برنامجه، بقدر ما كان فرصة سانحة للجمهور القادم من ولايات مختلفة وللفاعلين في المشهد الثقافي والأدبي على وجه الخصوص للتعرف على سير ومسار الكتّاب الأربعة في عالم الرواية والكتابة الأدبية. وقال محمد ساري المترشح لجائزة الرواية بنصه “حرب القبور” في حديثه عن تجربته الأولى في الكتابة الإبداعية أو كيف جاء إلى الرواية والأدب من منطلق سؤال بوكبة عن تعامل الروائي مع الواقع؟ إنّ الرغبة الأولى لديه للكتابة بدأت منذ الثانوية بمدينة مليانة، حيث اكتشف بفضل مكتبة الثانوية مجموعة من الكتاب الجزائريين والعرب والأجانب بالرغم من أنه كان يدرس في القسم الرياضي وباللغة الفرنسية أنذاك. وأضاف ساري أنّ أستاذ اللغة الفرنسية وقتها كان يأخذهم إلى المكتبة دائما وهناك اكتشف وقرأ رواية “نجمة” لكاتب ياسين و”الدار الكبيرة” لمحمد ديب وروايات ألبير كامي. ولفت في السياق ذاته إلى أنّه قبل مرحلة دخوله الثانوية شكلت الحكايات الشعبية وحكايات الثورة والمقاومات الشعبية خزانا لذاكرته. من جهته، قال أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة قسنطينة، إسماعيل مهنانة، إنّه يجب أن نعول على النشاطات الثقافية التي تقام في الولايات الداخلية وليس المدن الكبرى لأن السلطة باتت للهامش وغير المكرس. وعن انتقاله من عالم الفلسفة والكتابة الأكاديمية إلى الرواية، بعدما ترشح بأول رواية له “هالوسين” لجائزة “الجزائر تقرأ” أوضح أنّه لم يكن بعيدا عن الرواية وكان منذ الطفولة يقرأ الروايات وفي مرحلة الثانوية أيضا. وقال مهنانة إنّ الروايات قادته إلى الفلسفة وخصّ بالذكر روايات ألبير كامي ونجيب محفوظ ورشيد بوجدرة. وأضاف: “هم في الأصل فلاسفة بوجدرة وكامي ونجيب محفوظ”. وعليه أكدّ مهنانة أنّ الرواية لم تكن بعيدة عن الفلسفة والاختلاف يكمن في الأداة فقط بحيث تعتمد الرواية على السرد والفلسفة على المفاهيم. وأشار المتحدث إلى أنّ المشكلة التي تواجه الفيلسوف هي أنّه يجد صعوبة في إيصال المفاهيم التي تحتاج إلى بحث وإطلاع. وبالنسبة إلى تجربته في “هالوسين” قال إنّه حاول أن ينقلها في الرواية حتى يتسنى للقارئ فهمها، كما أراد أن يضخ دماء جديدة تحتفي بالتفكير والمعرفة في الكتابات الروائية. معتبرا أنّ مشكلة الرواية اليوم أنها تستسلم للبوح والرغبة والحكايات الشخصية ولكنّها لا تحمل وعيا ومعرفة. وأكدّ أن الرواية أصبحت ممارسة وعلما وصناعة وحرفة تعتمد على صياغة معرفية. وبدوره، اعتبر أحمد عبد الكريم صاحب رواية “كولاج” المرشحة للجائزة ذاتها أنّ انتقاله من الشعر إلى الرواية كان لأسباب لم يكن يتوقعها، منها أنّه ما بين 2008 و2009 شارك في جائزة مالك حداد بنصه “عتبات المتاهة”، بحيث نوّهت به لجنة التحكيم وأوصت بنشره ونفس الأمر حدث مع رواية “كولاج” التي دخلت مسابقة جائزة “الجزائر تقرأ” وافتكت مرتبة ضمن القائمة القصيرة. ولم يخف أنّ الانتقال من الشعر إلى الرواية يلقى مرحبين ومعارضين، أي بين من يطرح الأمر بشكل عفوي ومن يراه بسوء نية؟ وأوضح المتحدث أنّه لا مشكلة في الانتقال من الشعر إلى الرواية أو من جنس أدبي لآخر. وذكر في معرض حديثه أنّ مالك حداد كان شاعرا وتحوّل إلى الرواية، وكاتب ياسين كذلك. وأشار إلى أنّ للشاعر قدرة العبور من الشعر كنوع أدبي إلى آخر عكس الروائي، كما أنّ الكتابة اليوم تذوب في بوتقة كتابة يصعب تجنسيها. وعبرّ أحمد عبد الكريم أنّه يرفض تلك النوايا والأحكام المسبقة التي تعارض مطلقا انتقال الشاعر من الشعر إلى الكتابة الروائية، وحسبه، الكتابة لها ظروفها وحالاتها وأسبابها وسياقاتها الخاصة. بدوره، أكد الناقد مبروك دريدي أنّ الكتابة ليس لها سن، بل شرطها النضج الفكري، كما لا توجد خصومة بين الروائي والقاص والشاعر والناقد. وقال دريدي خلال حديثه عن تجربته في الكتابة السّردية ومدى تجرده من النقد أثناء ممارستها إنّه في المشهد الثقافي وصلنا إلى مرحلة من الخصومة والمشاكسة ولكن الخير في المكاشفة. وأردف: “المثقف الجزائري يحب الصدام ومن يقدر على الكتابة فليكتب ولو على الجدران، شريطة أن يكتب داخل وعيه الثقافي والنقدي. وأكدّ في السياق أنه لا توجد خصومة على الإطلاق بين المثقفين لكون الجميع يكتب بحسب مكتسباته وقدراته، وكل يخلق وطنا ثقافيا يدافع عن كينونته بالاختلاف وليس بالصدام. ونظم على هامش المقهى الأدبي الأول ببرج بوعريريج، جلسة بيع بالتوقيع لكتب ومؤلفات قدمها الزجّال رشيد بلمون والشاعر أحمد عبد الكريم والروائي محمد ساري، كما تخللت النشاط فقرات موسيقية وقّعها بشير كريو وقراءة شعرية لبوزيد حرز الله. تجعل الكاتب قريبا من قارئه المقاهي الأدبية.. بديلا لثقافة الفلكلور ومتنفس الأدباء والناشرين لعل الملفت للانتباه في السنوات الأخيرة بولاية بجاية ومنطقة القبائل ككل، كثرة المقاهي الأدبية، حيث أضحى الأدباء والمفكرون والشعراء والناشرون، يتسابقون ويضحون بوقتهم من أجل الجلوس ولو لفترة قصيرة مع بعض الشباب همهم الوحيد رفع مستوى الحوار الثقافي والفكري وحتى السياسي دفاعا عن الحرية الفكرية وعن المثقف وكذا ترويجا لثقافة القراءة وذلك بأبسط الوسائل، حتى أن بعض هذه المقاهي الأدبية يتم تنظيمها بقاعات تفتقر إلى أدنى الضروريات وإن تطلّب الأمر فهي تنظم أيضا بالمقاهي وذلك في حال عدم الترخيص لمحاضراتهم، حيث أن عزيمة هؤلاء الشباب قد كسرت كل العقبات والحواجز في سبيل الرقي بالفكر الثقافي والأدبي بدلا من الفلكلور الذي تغرق فيه أغلب التظاهرات التي تنظمها مؤسسات الدولة في هذا المجال. وتعد المقاهي الأدبية بمثابة المتنفس الوحيد في المجال الثقافي، لدى سكان المنطقة، الذين يولون أهمية كبيرة لمثل هذه التظاهرات، رغم الصعوبات والعواقب التي يصطدم بها في كل مرة القائمون على مثل هذه المواعيد الأدبية. وفي هذا السياق فقد أضحى الواقع الأدبي بالجزائر في وضعية لا يحسد عليها، ما يفسر الانحلال الأخلاقي الذي يغرق فيه مجتمعنا- يرى أحد رواد هذه المقاهي الأدبية في ظل الغياب شبه الكلي لمؤسسات الدولة، عن مثل هذه التظاهرات باستثناء المعرض الدولي للكتاب، الذي ينتظره كل سنة الجزائريون بشغف كبير. ورغم أن هذه اللقاءات الأدبية لا تكلف الدولة أي دينار، مقارنة بالتظاهرات الفلكلورية التي تصرف عليها الدولة الملايير، فإن القائمين على هذه المقاهي الأدبية، يجدون في كل مرة صعوبات جمة من أجل الحصول على التراخيص اللازمة لدى الجهات المعنية وذلك بهدف إقامة هذه اللقاءات الأدبية، حيث يدور الحديث غالبا حول إصدارات ضيوفها، في الوقت الذي تحوّلت فيه بعض الفضاءات إلى أماكن لإقامة الأعراس، كما يحدث بعديد بلديات ولاية بجاية على غرار أوقاس. وبالحديث عن هذه الأخيرة، فإن الجميع يتذكر حتما، المسيرة الحاشدة التي جابت شوارعها، حيث رفع مئات المشاركين، على غير العادة، كتبا بدلا من اللافتات تنديدا بالعراقيل، غير المبررة، التي جاءت لتحد من نشاط المقهى الأدبي لأوقاس، هذا الأخير الذي يعد من بين أنشط المقاهي الأدبية بمنطقة القبائل. وقبل ذلك فقد استنكر بدورهم القائمون على المقهى الأدبي لمدينة بجاية، إلزامية الحصول على ترخيص مسبق لإقامة مثل هذه المقاهي الأدبية، والأمثلة كثيرة ومتعددة. وبغض النظر عن الحصار الذي يعاني منه المشهد الأدبي بالجزائر، من دون أي مبرر، فإن الناشرين والكتاب من جهتهم، يجدون في مثل هذه المواعيد الأدبية، خاصة من الشباب والمهمّشين، فرصة مواتية للترويج لإصداراتهم وبيعها، حيث يتعمد رواد هذه المقاهي الأدبية، شراء إصدارات ضيوف هذه الملتقيات الأدبية، تشجيعا منهم لهؤلاء الشباب، وذلك بعدما أقفلت في وجوههم كل الأبواب.