كشفت فرقة الدرك الوطني في كانستال بوهران عن تفكيك ما وصفتها بأخطر وأهم شبكة لتزوير الوثائق الإدارية وأختام الدولة منذ سنوات، ويتعلق الأمر بثلاثة أشخاص يقطنون في عاصمة الغرب الجزائري ويشكلون حكومة قائمة بذاتها من خلال امتلاكهم لجميع ما يعد رمزا للدولة وهيئاتها الإدارية البسيطة والوزارية، سواء كانت داخلية أو خارجية. وصرح قائد فرقة الدرك الوطني للشروق أن "نشاط هذه المجموعة الخطيرة استمر لمدة سبع سنوات كاملة دون أن يتم اكتشاف أمرها، بما يعد مؤشرا خارقا للعادة ودليلا إضافيا على الحرص الذي كان يتمتع به ويعمل في إطاره أفراد هذا التنظيم.. وحسب ما دلت عليه التحقيقات الأولية، فإن المقبوض عليهم حتى الآن هم ثلاثة أشخاص، بينهم وسيط يعد الحلقة المركزية التي تم التوصل إليها قبل تفكيك الشبكة، ويتعلق الأمر بالمدعو "ش.و" البالغ من العمر 35 سنة والذي كان دوره يتلخص في البحث عن زبائن أو مشترين للوثائق الإدارية، سواء كانت جوازات سفر أو بطاقات تعريف أو بطاقات رمادية... الخ، والتي يقوم بتزويرها المتهمان الآخران "ق.م" البالغ من العمر 36 سنة، والمدعو "م.م" 37 سنة، كل واحد منهما في بيته الذي يقطنه رفقة أهله على مستوى حييّ البحيرة الصغيرة وسانت أوجان، وبالضبط في المساكن المسماة ب "عمارات الزلاميت". وذلك باستعمال أجهزة في غاية الدقة، وبرامج في الإعلام الآلي، إضافة إلى حواسيب كانت موضوعة في غرفهما الخاصة، لكن الجهات الأمنية المسؤولة في الدرك تحفظت عن ذكر تفاصيل إلقاء القبض على المتهمين أو الحيثيات التي قادت إلى ذلك، واكتفى قائد الفرقة بالقول إن "التحريات بدأت منذ مدة ليست بالقصيرة، أما عملية الملاحقة والمداهمة، فكانت منتصف الأسبوع الماضي فقط" . وبررت المصادر الأمنية المذكورة هذا التحفظ بالقول إن التحقيقات تفرض ذلك، خصوصا مع وجود متهم رابع لازال في حالة فرار حتى الآن ولم يتم الكشف عن هويته، لكن الأكيد هو أنه "يقطن في مدينة وهران مثل بقية المتورطين الآخرين"، حتى وإن تعدى نشاطهم جميع الولايات، حيث تم التعرف على أختام مزورة موضوعة على أجهزة الكمبيوتر للإستعمال وصالحة لولايات الشلف، سيدي بلعباس، غليزان، سعيدة، تلمسان. لذلك لم تستبعد المصادر ذاتها أن يتم تمديد إقليم التحقيق لهذه الولايات والبحث عن الأشخاص الذين وردت أسماؤهم على لسان المتهمين أو ذكرت في الوثائق المزورة، حيث قد يتم السماع لهم في مثل هذه الحالة على أساس أنهم متهمين وليسوا ضحايا. لكن المعضلة الأساسية هي اعتقاد جهات التحقيق أن عددا كبيرا من هؤلاء الزبائن استفادوا من امتيازات خاصة نتيجة التزوير في الوثائق المقدمة بأختام مفبركة بلغت في رقم خيالي أزيد من 300 ختم، كما أن طول المدة التي عملت فيها هذه الشبكة يجعل من الصعب احتواء جميع الخسائر التي نتجت عنها أو التأكد من أعداد المستفيدين من هذه الوثائق بطرق غير شرعية، حيث استفاد بعضهم من جوازات سفر وتأشيرات إلى عدة بلدان أهمها فرنسا واسبانيا، خصوصا من فئة "الحراقة" المستعدين لدفع أي ثمن في سبيل العبور إلى الضفة الأخرى، لا بل أن التزوير امتد إلى فرقة حراس الشواطئ التابعة للقوات البحرية، وكذا الجمارك وقطاع التعليم العالي والقضاء. ولم تتضح طبيعة الوثائق المزورة وإن تعلق بعضها بأختام المصالح فيها، كما استفاد أشخاص مبحوث عنهم من طرف مصالح الأمن من وثائق تسقط عنهم ذلك أو تبيّض صفائحهم الملوثة بالأحكام القضائية جميع الوزارات كانت موجودة بأختامها في غرف هؤلاء المتهمين وأجهزة حاسوبهم من وزارة الداخلية إلى الخارجية والمالية.. ما عدا وزارة الدفاع.، قال لنا قائد كتيبة الدرك، وهو ما ينفي - إلى حد ما - إمكانية أن تكون العصابة قد زورت أيضا بطاقات الإعفاء من التجنيد الني يكثر عليها الطلب من الشباب، وذلك إلى غاية أن يثبت التحقيق العكس. وحسب المسؤولين بدرك وهران، فإن الوسيط يعد هو الحلقة الأهم في العملية، باعتباره يعرف الأشخاص الذين كان يتعامل معهم أو التقى بهم في المدة الأخيرة على الأقل، علما أن سقوطه الذي وصفته الجهات الأمنية أنه جاء بناء على تحريات لم يعد مستبعدا أنه تم على أساس "القبض على زبون ومعه وثيقة مزورة"، قادت بسرعة لم يتوقعها الجميع إلى الشبكة المختفية في شوارع وأحياء وهران منذ 7 سنوات، واختفاؤها كان ناجحا إلى درجة كبيرة، نظرا لعدة عوامل لعل أهمها على الإطلاق هو عمل كل طرف باستقلالية عن الآخرين درءا للشكوك والشبهات، مع الإشارة إلى أن سبع سنوات كانت كافية لقلب حياة هؤلاء المتهمين رأسا على عقب، حيث أكد قائد الدرك في إجابته عن سؤال للشروق اليومي أن المداهمة للمنزلين المشبوهين سمحت باكتشاف الرفاهية التي كان يتمتع بها المتهمون نتيجة بيع الوثائق المزورة والتي تخضع لمقاييس مختلفة تتراوح أثمانها، حسب كل وثيقة، من 4 آلاف دينار إلى مليوني سنتيم أو أكثر بقليل إذا كانت الوثيقة المطلوبة مهمة وحساسة، علما أن هذه الأثمان كانت تتم بين المزورين والوسيط، لتبقى لهذا الأخير "حرية الرفع من السعر أو تخفيضه"، في الوقت الذي يتوقع فيه البعض أن يتم الكشف خلال الأيام القليلة القادمة، عن أسماء متورطين جدد، خصوصا الوسطاء في هذه العملية الضخمة التي لم تنته التحقيقات فيها بعد. قادة بن عمار