صنعت حادثة استقالة رابح سعدان من المديرية الفنية للمنتخبات الوطنية جدلا واسعا في الشارع الكروي بخصوص الوضع الذي تعرفه "الفاف" منذ تولي زطشي شؤونها، خاصة في ظل توالي المشاكل والمتاعب، ناهيك عن غياب الاستقرار من الناحية الفنية والتسييرية، بدليل تداول 3 مديرين فنيين في أقل من 18 شهرا، منذ مجيء زطشي ربيع العام الماضي، والبداية كانت بالاسبانيالكاراز الذي خلفه ماجر، ليتم الاستعانة مؤخرا بخدمات جمال بلماضي، ما يعكس الوضع المأساوي الذي تعرفه "الفاف" على جميع الأصعدة، بشكل تسبب في حدوث تراجع كبير من الناحية الفنية ومن النواحي التسييرية على الخصوص. خروج سعدان عن صمته يبعثر أوراق زطشي ويبدو أن خروج المدرب الوطني السابق رابح سعدان عن صمته قد بعثر أوراق الرئيس الحالي ل"الفاف" خير الدين زطشي، بدليل أن شيخ المدربين وضع النقاط على الحروف بخصوص حادثة تهميشه بطريقة غير مباشرة، خاصة بعد حرمانه من المشاركة في الملتقى الدولي للمدربين في لندن، في الوقت الذي تم إرسال مدرب الحراس بوراس بطريقة أثارت الكثير من الاستفهامات، حادثة جعلت رابح سعدان يخرج عن صمته ويتخلى عن هدوئه وتحفظه، ما جعله يقصف زطشي في مختلف المنابر الإعلامية، متهما إياه بمحاولة الإساءة إليه بطريقة وصفها سعدان بالغريبة وغير المفهومة، في الوقت الذي كان رد زطشي مقنعا حسب البعض، خاصة في ظل سقوطه في فخ التصريحات النارية التي أثارت زوبعة دون أن تعطي مبررات واضحة، من ذلك لجوءه إلى مصطلحات الكذب والخيانة، ناهيك عن لوم سعدان بالاستقالة دون عقد لقاء بين الرجلين لتقييم الوضع، وكذا اتهامه بالغياب عن اغلب اجتماعات المكتب الفدرالي، اتهام رد عليه سعدان في حينه، مؤكدا على حرصه من أجل أداء مهامه وفق صلاحياته في المديرية الفنية، وكذا العقد الموقع بين الطرفين. هل بلماضي متورط في إبعاد سعدان؟ وإذا كانت القضية التي فجرها رابح سعدان إعلاميا، وأسالت الكثير من الحبر في مختلف وسائل الإعلام بين شيخ المدربين والرئيس الحالي ل"الفاف" قد وصفها الكثير بالمنتظرة، خاصة بعد حدوث تغييرات عند بعض الأطراف الساهرة في الاتحادية تجاه رابح سعدان، من ذلك قضية حرمان المدير الفني من الدخول إلى المطعم، وكذا عدم تسوية وثائقه الإدارية لتسجيل حضوره في اجتماع لندن وغيرها من المآخذ التي تتحمل مسؤوليتها هيئة الفاف، إلا أن الشيء المثير للانتباه هو إقحام المدرب الوطني الجديد جمال بلماضي في القضية، خصوصا وان رابح سعدان لمح في تصريحاته إلى تورط لاعبه السابق في القضية، وهذا انطلاقا من مجموعة خلفيات سابقة، من ذلك توتر العلاقة بين الطرفين منذ "كان 2004" بتونس، حين لم يتقبل بلماضي الجلوس على مقعد البدلاء، وصاحبتها مجموعة من التراكمات التي جعلت القضية تأخذ أبعادا أخرى، لتصل إلى اتهام سعدان لبلماضي بالضلوع وراء المؤامرة التي حيكت ضده من طرف "الفاف"، يحدث ذلك في الوقت الذي نفى بلماضيفي ندوة صحفية كل التهم الموجهة إليه من طرف سعدان، واختصر كلامه بعبارة "حسبي الله ونعم الوكيل". سعدان يتهم زطشيوبلماضي ومدان والأمين العام بالضلوع وراء المؤامرة على غير العادة، فقد تخلى المدرب الوطني السابق رابح سعدان عن مبدأ التحفظ، وفضل الحديث بمنطق المكشوف، وهذا حين اتهم جميع الأطراف التي تقف حسب قوله وراء المؤامرة التي حيكت ضده لإرغامه على الانسحاب من المديرية الفنية للمنتخبات الوطنية، واتهم زطشي في المقام الأول، إضافة إلى المدرب الوطني جمال بلماضي ومدان وكذا الأمين العام للفاف، وأوضح سعدان، أن زطشي رضخ للأمر الواقع واستجاب لرغبة مدربه وخدمة لمصالحه، مؤكدا أن بلماضي لم يكن يرغب أبدا في مرافقته إلى لندن لحضور مؤتمر الفيفا الخاص بمونديال روسيا 2018، وإنما طلب أن يكون مرفوقا بصديقه عزيز بوراس، مدرب حراس مرمى الخضر. فضلا عن أن بلماضي ومدان كانا أيضا وراء منع أعضاء المديرية الفنية بقيادة سعدان من تناول وجباتهم بالمطعم التابع لمركز سيدي موسى، ورفض أي تواصل بينهم وبين لاعبي المنتخب الأول. وقال سعدان إن علاقته ببلماضي كانت فاترة منذ قدومه لتدريب المنتخب في الفاتح من شهر أوت الماضي، حيث لم يلتقيا سوى في مناسبة واحدة، وعاد سعدان للحديث حول أصل العلاقة الباردة بينه وبين بلماضي والتي تعود فصولها إلى كاس أمم إفريقيا 2004 بتونس، والتي رفض خلالها بلماضي اللعب احتياطيا ما أثار وقتها مشكلة داخل المنتخب. بينما تورط المناجير حكيم مدان أيضا في تزكيته لهذه "المؤامرة"، حيث كان ضمن المسؤولين في الفاف الذين عارضوا انتداب سعدان كمدير فني، وبالتالي وجد الفرصة سانحة هذه المرة للتخلص منه، بينما كشف سعدان عن تواطؤ الأمين العام للفاف، كونه هو الوحيد الذي يقوم بالمراسلات الرسمية بين الفاف والهيئات الدولية، وبالتالي فإنه كان على علم بكل ما يحصل دون أن يحرك ساكنا. زطشي وصف سعدان بالكذاب والمخادع من جانب آخر، عبّر زطشي عن استيائه من خرجة سعدان، واصفا تصريحاته بكونه "كاذبا" فيما يتعلق بقوله إن اتحاديته أو مقربين منها عوّضوه ببوراس، موضحا أن جمال بلماضي كان قد طلب منا أن يرافقه مساعده، ليضيف زطشي بأنهم راسلوا الفيفا وتحصلوا منها على موافقة لحضور بوراس ومنحوه الاعتماد، مقابل أن لا يتم التكفل بتنقله الذي غطّاه الاتحاد. وأكد زطشي،أنه اعتذر من الشيخ سعدان بسبب عدم حصوله على تأشيرته، وإن كان هو الآخر يتحمل جزءا من المسؤولية، لأنه لم يترك جواز سفره في الاتحادية في الوقت المناسب. زطشي ركّز كثيرا في حديثه على التأكيد أنه من المستحيل أن يقوم أي طرف كان بتغيير اسم بآخر، وهو ما جعله يصف كلام سعدان "بالكذب"، وواصل رئيس الفاف حديثه، متسائلا عن التوقيت الذي اختاره سعدان للحديث حول القضية، معطيا ثلاثة مواعيد، الأولى نجاح الفاف في إقناع الكاف بمنحها شرف تنظيم الشان سنة 2022، واقتراب موعد الجمعية الاستثنائية للفاف، ومباراتي المنتخب الوطني أمام البنين، خاصة أن هذا الصخب جاء من ناخب وطني سابق يعرف جيدا حاجة الخضر للهدوء في هذه الفترة، تاركا الحكم للرأي العام على توقيت خرجة سعدان. خليفة روراوة، أوضح أيضا بأن بلماضي بريء تماما من قضية غياب المدير الفني عن موعد لندن، مضيفا بكون المدير الفني للمنتخب التونسي هو الآخر لم يتحصل على التأشيرة ولم يشارك في الأشغال، لكنه لم يشتك ولم يثر أي ضجة، ليعود زطشي للحديث عن فترة سعدان التي دامت سنة كاملة، غاب خلالها عن نصف اجتماعات المكتب الفدرالي، دون أن يحاسبه أحد، كما أكد أن بوعلام شارف باق في منصبه، معتبرا تصريحات سعدان بخصوص الأخير، بكونها سياسة الأرض المحروقة، فبما أنه رحل فإنه يريد رحيل الجميع. سعدان يرد على الساخن: "زطشي استعملني لكنه غير قادر على مواجهتي" وواصل رابح سعدان فتح النار على الرئيس الحالي للفاف خير الدين زطشي، حين اتهمه بفقدان مصداقيته، بحكم أنه لا يملك حسب قوله حججا لمواجهته، مخاطبا إياه "لماذا لم تعلن عن فتح تحقيق ومعاقبة المتسبب في فضيحة الفيزا"، كما دافع عن نفسه، حين أكد بأن المديرية الفنية كانت حاضرة دائما في اجتماعات المكتب الفدرالي، مضيفا بأنه ترك تقارير وحصيلة عمله في مقر المديرية الفنية، مجددا التأكيد على امتلاكه الدلائل اللازمة في هذا الجانب، وقال سعدان في تصريحاته النارية: "زطشي لا يملك حججا قوية ولم يقدمها لمواجهتي بالحقائق التي كشفت عنها، بل اكتفى بالحديث عن بعض التفاصيل البسيطة التي تم الترويج لها مسبقا عبر مقربيه، بدلا من التطرق إلى الأهم وهو حدوث فضيحة وأخطاء إدارية على مستوى الاتحادية"، مضيفا "مسؤولو الفاف بحثوا عن كل شيء كي ينقضوا ما صرحت به، ولكنهم لم يجدوا شيئا، وأعتقد بأن الأمور اختلطت عليهم، لأنني فاجأتهم ولم يكونوا ينتظرون أن يكون رد فعلي بمثل تلك الطريقة"، وتابع: "أنا أتساءل اليوم، والجميع يعرف بأن مشكلة ما حدثت بسبب قضية التأشيرة، لماذا لم يعلن رئيس الفاف عن فتح تحقيق للكشف عن المتسبب في الواقعة ومعاقبته؟ الأمر لا يتعلق بي أنا شخصيا وإنما بإطار جزائري تعرض للإهانة"، وأضاف محدثنا: "لقد اتصل بي رئيس الفاف واعتذر مني، وطلب مني عدم تهويل الأمور، وقلت له: يبدو أنك لم تفهم أصل المشكلة التي لا يجب أن تنحصر في التأشيرة والسفر وما شابه ذلك، وإنما في الإهانة التي تعرضت لها كممثل للجزائر، قلت له أن ما حصل خطير جدا ولا يمكن تجاوزه أو السكوت عنه حتى لا يتكرر مرة أخرى"، وواصل: "لقد قلت لرئيس الفاف بأن أصل المشكلة ليست التأشيرة وإنما ثمة أمورا كانت تدبّر ضدي في الخفاء، لقد حطمتموني نفسيا وفقدت الرغبة في الاستمرار، كان عليهم على الأقل ألا يكذبوا علي ويهينوني بتلك الطريقة، لو أعلموني بالحقيقة مسبقا لم أكن لأتصرف بتلك الطريقة، لكن الأمر يتعلق بكرامتي". ورد سعدان على تصريحات زطشي بخصوص تشكيكه في قدرات سعدان وعمله وحصيلته في المديرية الفنية، قائلا: "حصيلة عملي موثّقة وهي متواجدة على مستوى المديرية الفنية وأمانتها العامة ولدي دلائل ومستعد للمواجهة، كل العمل الذي قمنا به على مستوى المصالح الأربع للمديرية والتقارير حاضرة وجاهزة، وهناك ما يثبت ذلك على غرار المراسلات والرسائل الإلكترونية التي كانت دائما تمر على الأمانة العامة للفاف، وعند مغادرتي لمنصبي قمت بأخذ أغراضي ووثائق شخصية فقط، وما يقال عكس ذلك فهو هراء". بلماضي ينفي التهمة وغاضب من سعدان وفي السياق ذاته، لم يخف المدرب الوطني جمال بلماضي غضبه من تصريحات رابح سعدان التي أشارت إلى تورطه في مسلسل إبعاده، حيث قال بلماضي خلال ندوة صحفية بمركز تحضير المنتخبات الوطنية في سيدي موسى، بخصوص اتهامات سعدان: "تريدون أن تعرفوا شعوري..؟أنا غاضب جدا ولا يمكن تصور درجة غضبي.. إنه الجنون بحد ذاته.."، مضيفا: "لقد سمعت بتلك التصريحات وأنا مع والدي اللذين جاءا لزيارة الجزائر وهما متواجدان بمستغانم حاليا.. البعض قالوا لوالدي إني منعت سعدان من دخول المطعم وهو كان مستغربا ومندهشا جدا"، وبدا لاعب مانشستر سيتي السابق غاضبا جدا بخصوص كل ما قيل بشأنه في هذه القضية، وأضاف: "ما يمكن قوله هو إن كل ما قيل هو جنون وأكاذيب وهذيان وحتى يمكن تسميتها بقبلة الموت.."، قبل أن يتابع: "كانت هناك تصريحات مجنونة من طرفه عندما كان عمري 27 أو 28 سنة، وعندها لم أدخل في ذلك الصراع وقلت ما كنت أفكر فيه وجها لوجه له ومن دون أي رد من طرفه.."، وأكد مدرب "الخضر" إن تلك التصريحات تسببت له في الكثير من "الدمار"، وصرح: "لقد تسببت تلك التصريحات في دمار وخسائر، لكني لا أريد النزول إلى هذا المستوى المنحط..". وذهب بلماضي بعيدا، عندما دعا بالمضرة على نفسه وقال: "إن شاء الله نخلص في الدنيا والآخرة لو كان ما قاله سعدان صحيحا بنسبة 0.001 بالمائة.."، وتابع: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وعاد مدرب "الخضر" للحديث عن أسباب قبوله تدريب المنتخب الوطني، وصرح قائلا: "لقد جئت إلى الجزائر وقبلت تدريب المنتخب الوطني، لأني أحب بلادي وتدريب منتخبها شرف كبير بالنسبة لي، والجميع يعرف بأني تركت الأموال والرفاهية التي يبحث عنها الكثيرون من أجل منتخب بلادي، لكن يتم اتهامي بأمور لم تحدث ولم يبق إلا اتهامي بالتسبب في وباء الكوليرا بالبليدة". هل سيحفظ زطشي الدرس؟ والواضح أن تفجير شيخ المدربين رابح سعدان لحادثة إبعاده بطريقة غير مباشرة سيزيد من توسيع فجوة الفضائح التي تلاحق بيت "الفاف"، خاصة في ظل عجز الرئيس الحالي خير الدين زطشيعن ضبط الأمور من مختلف النواحي التسييرية والفنية والاستراتيجية، وهو الأمر الذي يجعل الكثير يبدي تخوفه من مستقبل المنتخبات الوطنية في ظل تواصل الأمور على هذا الحال، وإذا كان الكثير قد تأسفوا لطريقة إهانة المدرب رابح سعدان الذي تم إخراجه من النافذة، بطريقة لا تعكس مساره في عالم التدريب، وكذا اقتران اسمه بأبرز انجازات المنتخب الوطني، إلا أنه في المقابل، يرى المتتبعون بأن تفجير مثل هذه القضية يعد درسا جديدا لهيئة زطشي المطالبة بالتعامل بجدية مع مختلف القضايا الاستراتيجية، خاصة في ظل وقوعها في أخطاء وصفها الكثير بالبدائية، من ذلك ما وقع مع ولد زميرلي وصولا إلى حادثة حرمان سعدان من حضور الملتقى الدولي للمدربين في لندن الذي نظمته الفيفا، وهو الأمر الذي حرم الجزائر من ممثلين يليقون بها في المحافل الكروية والعالمية والقارية.