ما وصف ب “العصابة” في بيان مؤسسة الجيش قد نسف، وهو اليوم تحت طائلة المتابعة القضائية، وقد تحقق للحراك الشعبي فوق ما كان متوقعا له منذ الجمعة الأولى، ولا خوف على مطلبه الرئيس بتغيير النظام من واجهة النظام السابق التي قلمت مخالبها، وبعثرت أوراقها، وليس لمن بقي منها، في ما بقي من مؤسسات الحكم، ما هو أهل لتعطيل قطار التغيير مع هذا التلاحم الرائع ما بين “الشعب وجيشه” شريطة أن يلتفت الشارع والمؤسسة إلى الخصوم المتسربلين اليوم في ثوب “نصرة الشارع” فيما يجتهدون لوأد المشروع وضياع فرصة التغيير في مسالك غامضة لانتقال يراد له أن ينفذ خارج الدستور. في مقال الأمس، حذرت من المناورات التي تجتهد لتيسير ردة قاتلة محبطة، بمحاولة تعطيل مسار الانتقال الآمن عبر المادة 102 معززة بالمادتين 7 و8 تريد بكل الوسائل حرف الشارع عن مشروع التغيير، بالمناولة الخاطئة الكاذبة لانتقال خارج الدستور والقانون، بتعيين “هيئة رئاسية” تدير المرحلة الانتقالية، نعلم مسبقا أنها تشكل مسارا بلا أفق زمني، ملغم منذ الآن بألف لغم، ليس أعلاه استحالة تحقيق توافق شعبي واسع حول من هو مخول لاختيار الهيئة، ومن يضمن لها تحقيق توافق شعبي في ظرف قصير، ولا أحد يعلم ما هي المقاييس التي سوف تعتمد لانتقاء أعضائها.. بمجرد البدء في تنفيذ هذا المسار، نكون قد خرجنا من الدستور، وأسقطناه بلا رجعة هو ومؤسساته الوطنية والمحلية، في نسخة بائسة لما حصل في تسعينيات القرن الماضي، مع حل البرلمان وإقالة الرئيس، وحل المجالس المحلية، وهذا انقلاب موصوف، سوف تحمل هذه الطبقة السياسية والمثقفة تبعاته لمؤسسة الجيش كما حملت من قبل. الدعاة إلى مرحلة انتقالية خارج الدستور لا يعون تبعات هذا الخيار على أمن واستقرار البلد، في وقت يخضع فيه الشارع لدعوات تصعيدية بلا حدود، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب. ما لا تراه هذه النخبة أنه لا شيء يمنع الشارع الغاضب من توجيه غضبه نحو ما بقي من مؤسسات محلية، لنرى بعد أسبوع بداية تجمعات حول مقار البلديات والولايات، تطالب بترحيل المؤسسات المنتخبة، لتعوض كما حصل في تسعينيات القرن الماضي بإداريين لا نعلم من يتولى تنصيبهم أو مراقبتهم طوال المرحلة الانتقالية. ولأن تدبير مرحلة انتقالية خارج الدستور تحت قيادة هيئة رئاسية بلا شرعية سوى ما ينسبه إليها دعاتها سوف تغرق داخل صراعات لا تحصى بين مكوناتها وداعميها، كما سوف تواجه في وقت قصير بانتقال الشارع إلى مطالب اجتماعية فئوية تغرق البلد وتجمد نشاطه، فضلا عن تهيئة أجواء صدامية قد تضع المؤسسات الأمنية في مواجهة غير آمنة تفسد هذا العرس، وتعيد فتق ما رتق في هذا الشهر المبارك من تآخ وتناغم بين الشعب وجيشه وشرطته. قد لا يكون بن صالح هو الرجل المناسب لقيادة المرحلة الانتقالية المحددة بالمادة 102 التي أقصاها 90 يوما ويمكن لفقهاء الدستور الاجتهاد لتقليصها إلى 45 يوما بالنظر إلى الفقرة الأولى منها على أساس أن البرلمان ليس في حاجة في حالة الاستقالة إلى 45 يوما لإثبات حالة الشغور، كما بوسع الغرفة العليا تدبير تغيير لرئيسها في بحر أسبوع واختيار شخصية بديلة من ثلث الرئيس غير منتمية إلى أي حزب. هذا آمن للبلد من الدخول في مغامرة الانتقال خارج الدستور التي ستدخلنا نفقا مظلما وفي متاهة بلا خارطة طريق للخروج منها سالمين.