تتمسك ربات البيوت بعادة تغيير أواني المطبخ وشراء أطقم جديدة كل سنة، لاستقبال شهر الرحمة بحلة تليق به وبمكانته العظيمة في نفوس الجزائريين، وبالرغم من الانتقادات الواسعة لهذا السلوك السلبي الذي يكبد الأسر مصاريف إضافية، لكن هذا لم يمنع السيدات من اكتساح الأسواق وشراء كل ما يرغبن به. تتكرر مشاهد تجمع السيدات حول محلات بيع الأواني وتحلقهن حول الطاولات التي تعرض ذات الأغراض قبيل حلول شهر رمضان، فهذه الصور أصبحت جزءا من استعداداتهن لاستقبال شهر الصيام، ومع أنه هذه السنة قد تزامن مع ظروف استثنائية تمر بها البلاد فالحراك الشعبي تصدر اهتمامات الجميع، زيادة على تدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مقابل ارتفاع كبير في الأسعار، غير أن هذا لم يمنع ربات البيوت من ممارسة طقسهن السنوي والتأهب لرمضان ولو بقدر أو طاجين جديد. أطقم طاولات ب 5 ملايين سنتيم لم تختلف الأسعار هذه السنة كثيرا عن سابقاتها فأطقم الحساء “الشربة” المكونة من 6 صحون خاصة بها بملاعقها ووعائها الكبير تبدأ أسعارها من 2500 دج، وترتفع حسب اللون والشكل وإذا كان فيها قطع إضافية. أما أطقم الطاولات فأسعارها تبدأ من 3000 دج والتي تحتوي على صحون فقط وتصل حتى 5 ملايين سنتيم، بالنسبة للمجموعة الكاملة وفيها صحون طعام، وطقم الحساء وآخر خاص بالحليب والقهوة وصحون للحلويات. الطاولات والأسواق الشعبية منقذة البسطاء بعيدا عن المحلات تحاول فئة أخرى من السيدات العثور على طلبهن وكل ما يحتجن له في الطاولات التي تبيع الأواني بالقطع، فهناك الأسعار مقبولة والنوعيات مختلفة والأشكال متعددة مما يسهل عليهن العثور على ضالتهن بأسعار منخفضة، فمثلا الوعاء الكبير الخاص بالشربة “سوبيار” أسعاره تتراوح مابين 800 و1000 دج، أما الصحون فأسعارها 80 دج فتستطيع ربة البيت شراء ما ترغب به حسب عدد أفراد الأسرة. القدور الطينية في مواجهة القدور المستوردة تظل القدور دوما أساس الأواني الرمضانية بأشكالها المتعددة وألوانها المختلفة، تحرص السيدات على إيجاد قدر الحظ الذي سيطبخن فيه الطعام هذا العام، ويكون فأل خير على أسرتهن وفي الوقت الذي تفضل فيه بعض السيدات القدر الطيني ولا استغناء عنه، ترى أخريات في القدور العصرية والتي تبدأ أسعارها من 900 دج وتصل حتى 5000 دج، وهناك أنواع تتجاوزها أحيانا البديل الأفضل فالمهم في النهاية هو إعداد وجبة إفطار مميزة للعائلة. الأواني التركية للفرجة والصينية للشراء ما يلاحظ في الأسواق هو التنوع الكبير في الأواني فبين أوان تركية فاخرة بأسعار خيالية، وأوان صينية أثمانها تلائم السواد الأعظم من المواطنين بأشكال عصرية وألوان مميزة تتماشى مع لون المطبخ من أحمر، أسود، أبيض، وهي التي تضفي عليه نوعا من الفخامة لأخرى عادية بنقشات ورود ورسومات. وما شدّ انتباهنا خلال جولاتنا في المحلات وفرة القطع المستعملة في القنوات المختصة بالطبخ، والتي أضحت السيدات يعتمدنها أيضا في تزيين طاولاتهن مثل الملاعق الكبيرة البيضاء والصحون الصغيرة المموجة وكذا الخاصة بالسلطة والمقبلات والمخللات. أطقم الفخار في قائمة الأكثر طلبا بجانب الأواني العصرية نجد المتمسكات بكل ما هو تقليدي ويحمل عبق الأصالة، فأواني الفخار هي الأخرى تحظى برواج كبير هذه الأيام، فبعدما أصبحت تعرض بألوان متعددة وبرسومات متنوعة باتت الكثير من العائلات لا تستغني عنها بداية من طاقم الحساء وصحون التقديم الأخرى، وصولا لكؤوس اللبن والطاجين المغربي الكبير والصغير الذي أصبح يستعمل لتقديم الطبق الثاني. طاجين “الكسرة” آخر مشتريات ربات البيوت بعد الانتهاء من الإبحار في عالم الصحون والقدور لابد أن تختم ربة البيت جولتها باقتناء طاجين من الطين أو الحديد لتحضير “الكسرة”، وهي المرافق الدائم واليومي لإفطار الشهر الفضيل، فتجد السيدات يحترن في اختيار المناسب وحتى وإن كن يملكن واحدا في البيت، فالجديد يجلب الحظ والفأل السعيد لذا لابد منه. “اليوتيوبرز” والدعاية لمحلات بيع الأواني قابل هذا الإنزال النسوي على الأسواق والإقبال غير المسبوق في شراء الأواني، بالرغم من الظروف المادية الصعبة للكثير من العائلات، سيل من الانتقادات على “الفايسبوك”، حيث صبوا جام غضبهم على قنوات “اليوتيوب” التي ظلت صاحباتها يستعرضن مشترياتهن لأسابيع عديدة قبيل شهر رمضان، ويتحدثن عن فوائد شراء الجديد وانعكاساته على نفسية المرأة وهذا بدلا من توعيتهن بأهمية رمضان وسبل اكتساب الحسنات وفعل الخيرات فيه، أو إرشادهن لطرق توفير المال في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن والوطن. وما يعاب على هذه القنوات أنها تحوّلت لدعائية إشهارية لعديد محلات بيع الأواني فصاحباتها ينزلن ويصورن ما يحتويه المحل، ويشجعن متابعاتهن على التوجه للشراء منه دون مراعاة للظروف المادية لمتابعاتها واللواتي لا يملكن حتى ثمن وجبة الإفطار. “الفايسبوكيون” ينتقدون الظاهرة ويعتبرونها تبذيرا انتشرت على “الفايسبوك” الكثير من الصور الناصحة والعاملة على توعية ربات البيوت بضرورة الاستغناء عن العادات التي لا جدوى منها، وعلى رأسها شراء الأواني الجديدة كل عام، والاكتفاء باقتناء ما يحتجنه وما هو غير موجود في مطابخهن تفاديا للتبذير. فمن فضائل الشهر الكريم ومن معانيه الإحساس بالفقراء.. فكيف يكون ذلك وسط هذه العادات؟. وتهاطلت التعليقات الساخرة بعدما تداولت صور لسيدات يتدافعن حول الطاولات لشراء ما يحتجنه من أوان، حيث كتب أحدهم: “اللي يشوف النساء يشروا فالمواعن هكا يقول كنا ناكلوا في البيادن تاع الصبيغة”. أي أن من يرى الطوفان النسوي يعتقد أن العائلات لا تملك صحونا وكانت تتناول الطعام في علب الدهان… بينما كتب أحدهم “هاذ النساء هو ما اللي كانوا يتدافعوا العام اللي فات وين راحوا مواعنكم؟”، ومعناه أن السيدات اللواتي اشترين أواني جديدة العام الماضي هن أنفسهن اللواتي يشترين هذا العام فأين ذهبت؟ … وتساءل شاب : “أنا التريكو اللي شريتو عندي ثلاث سنين مازالوا فما بلك بالمواعن؟”، وهو يقصد بأن قميصه الذي اشتراه منذ ثلاث سنوات ويلبسه باستمرار مازال جديدا فكيف الأمر بالنسبة لصحن أو قدر أو كوب، وهي إشارة لأن هذه العادة بالغت فيها السيدات وبتن يشترين من أجل التقليد والتباهي وبعيدا كل البعد عن معاني رمضان.