صحيح أن الدراما التركية في العقد الأخير حصدت جماهيرية عريضة في العالم العربي وفي الجزائر خصوصا، بفضل قصص مستندة في جوهرها غالبا على الرومانسية وكسر طابوهات علاقات المشاعر الإنسانية، اعتمادا على الإبهار البصري، في وقت ظلت هذه العناصر خارج اهتمام الدراما الجزائرية التي تعاني منذ عقدين من ضعف عنصر جذب المشاهد بسبب هزالة النصوص ونمطيتها وغياب تأثير الصورة.. لكن مع انفتاح مجال السمعي البصري وظهور جيل جديد من المنتجين يسعى كثير من صُنّاع المسلسلات الرمضانية إلى تجديد روح الدراما الجزائرية، سواء بالاستلهام من الدراما التركية شكلا ومضمونا، أو الاستعانة مباشرة بخبرات تركية كمخرجين وكتاب سيناريو وتقنيين، وهذا ما سعى إليه منتجو المسلسل التونسي-الجزائري “مشاعر” الذي يجري عرضه حاليا، على عدة قنوات تونسية جزائرية وليبية، بطاقم تمثيلي جزائري تونسي، حيث أسندوا إخراجه للتركي محمد الجوك بالإضافة إلى طاقم تركي في مجال الإضاءة والديكور والتصوير والموسيقى التصويرية والديكور والأزياء والكوافير والماكياج.. كل هذا لم يشفع للمسلسل، من أجل تحقيق نجاح شعبي وسط السباق الرمضاني، بل وجد نفسه يعاني من إخفاق ومُواجها اتهامات تلاحقه نقديا وجماهيريا منذ عرض حلقاته الأولى، وصلت إلى حد السخرية على السوشيال ميديا.. بسبب اهتراء أهم شرط فني لنجاح العمل الدرامي وهو السيناريو الذي فضل منتج العمل عدم الإفصاح عنه في جينيريك البداية والنهاية مكتفيا بصائغي الحوار ! سيناريو “مشاعر” بدا مُستسهلا متهالكا من حيث النص، عاديا نمطيا، قصيرا في حدوتته، مُعتمدا التطويل والتمطيط في الأحداث على الطريقة الهندية والتركية لأجل زيادة الحلقات وباللجوء إلى الإثارة والإثقال في عنصر التشويق، وصل إلى درجة من البلادة التي لم يستسغها المشاهد وعدّها نوعا من الاستخفاف بوعيه، على غرار المشهد الذي تظهر فيه بطلة العمل “زهرة” (من تجسيد سارة لعلامة) بعد فرارها من خطيبها تجري وسط شارع تونسي رئيسي مليء بالمارة والمقاهي بفستان زفافها الأبيض لتسقط على حين غفلة أرضا بعد أن تصدمها سيارة البطل “سي الطاهر” (من تجسيد حسان كشاش) ولا نشاهد أحدا من المارة يسارع إلى مكان الحادث ويلتف حولها كما هو الشأن في بيئة عربية يتميز شعبها بالفضول..! هو مشهد ميلودرامي مغرق بالافتعال ضمن عشرات المَشاهد التي لا يمكن أن يهضمها المتلقي لأنها تجاوزت حدود منطقه، ولا يمكن تصنيفها إلا في خانة الفانتازيا الخارجة عن المألوف التي تدور في الفضاءات الوهمية، من خلال شخصيات احترقت معالمُها في مئات الأعمال التركية السابقة واستُهلكت إلى حد التخمة، فلم يعد لها تأثير على الجمهور ولم تعد تجذبه، لكن عوّل عليها صُناع هذا العمل الذين لم يكتفوا بالخوض في قضايا منعزلة منفصلة عن المتفرج ولا تفتش في تفاصيل بيئته، بل راحوا يحاكون الخوارق “العبيطة” في مسلسل موسوم ب”مشاعر” لكنه لم يحترم “مشاعر” مشاهديه!