المتتبع والمشاهد لمسيرات الحراك الشعبي منذ انطلاقتها يوم 22/02/2019م يلحظ دونما عناء حضور فلسطين القوي والبارز في طلائع وقلب وصلب مسيرات الحراك، وذلك من خلال رفع العلم الفلسطيني خفاقا عاليا ومرفرفا متوأماً إلى جانب العلم الجزائري في مسيرات ومظاهرات استرجاع السيادة الوطنية من عبيد فرنسا ولوبي فرنسا الذي استعمرنا طيلة 189 سنة، يحملون علم فلسطين بشرى ومساعدة وتأييد لإخواننا المضطهَدين في فلسطين السليبة، وهو ما لا يمكن رفعه عاليا في أي مسيرة أو مظاهرة في أي عاصمة عربية أو إسلامية. هي إرادة شعبية عظيمة ذات دلالات رمزية كبيرة جدا، ليس لها سوى تفسير وتأويل واحد فقط، تلخصها مقولة الرئيس الراحل (هواري بومدين ت 1978م) هي أننا نحن الجزائريين حكومة وشعبا وقلبا وروحا وعقلا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وهي –والله- عقيدة إسلامية راسخة، وسلوك إسلامي سويّ وصحيح اتجاه بلاد العرب والمسلمين واتجاه مقدساتهم، يحتفظ بها الجزائريون -منذ عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي- في قلوبهم وأفئدتهم اتجاه فلسطين، لأنها زُرعتْ في ضمائرهم المؤمنة بالقضايا العادلة منذ الطفولة، فكيف إن كان المظلومون إخوانهم في العقيدة والدين والعروبة والتاريخ والمصير المشترك؟ وكيف إن كانت هذه المظلومية متعلقة بمسرى ومعراج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبأولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين؟ وكيف إن كان الأعداء الغاصبون هم اليهود، الذين لعنهم الله سبحانه وتعالى وشبَّههم بالقردة والخنازير في محكم تنزيله، وكشف صلفهم وغرورهم وعنادهم وتكذيبهم ونفاقهم واحتيالهم وكفرهم وفسادهم وقتلهم للأنبياء والمرسلين بغير حق؟ طبعا إن الأمر سيتغير لا محالة تغيرا كليا، باعتبار شرف وحرمة وعلو ورفعة المكان، وعظمة وشرف صاحب المكان، وشرف الوسيلة (الجهاد لأعداء الله)، وشرف الزمان، وشرف المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، الذي باركه الله ومن حوله.. فما بالك إن كان سكانُ بيت المقدس وأكنافه مستذلين ومحتلين ومضطهَدين ومحرومين من حقوقهم الطبيعية التي لا تحتاج إلى قوانين تحميهم؟ طبعا سيكون الموقف الطبيعي والتلقائي وفق ما تمليه قواعد الإسلام وأركان الإيمان على المسلم. وهو الذي نشاهده في الزخم الشعبي والروحاني الكبير الذي يكنُّهُ الشعب الجزائري الأبيّ لإخوانه المضطهَدين في فلسطين. ولعل تعريجة سريعة ووصفية وصورة حيوية نادرة نقدِّمها عن حماس الشباب الجزائري وهتافاته الثورية في ملعب (شاكر) بالبليدة خلال المباريات الكروية خير دليل على حب فلسطين وكراهية الأعداء اليهود الغاصبين، ومقت العرب الأذلاء المهرولين تحت أقدام ونعال اليهود والنصارى الغالبين.. ووقائع المقابلة الودية التي جرت بين الفريقين الفلسطينيوالجزائري العامين الماضيين، تبيّنُ بوضوح من هم هؤلاء الشباب؟ ومن هو هذا الشعب الجزائري؟ وما هي مواقفه من الأعداء وأعوانهم من الظلمة والخونة والمرتزقة والعبيد؟ البليدة مدينة المجاهد الشهيد محمد بن قربان: وعلى ذكر ملعب (شاكر) وحماسة الشباب الجزائري لنصرة فلسطين عبر رفع علمها والهتاف باسمها، والتنديد بالخونة والظلمة والعبيد، أحب أن أُعرِّفكم بأن حماستكم تلك وليدة جهاد الآباء والأجداد فيكم ومن قبلكم، وها أنا ذا أسوق لكم قصة المجاهد في فلسطين سنة 1948م صديق والدي في رحلته الجهادية ضد اليهود الغاصبين الشهيد البليدي (محمد بن قربان استشهد 1958م)، لتعلموا أنكم أحفاده، وتعتزون بالهتاف لنصرة فلسطين. بعد نداء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الشعب الجزائري للنفير العام والجهاد في سبيل الله على أرض فلسطين السليبة ضد اليهود الغاصبين سنة 1948م هبّ الشباب الجزائري كعادته من كل جهات الوطن، وكان من بينهم صديق والدي في الجهاد الشهيد (محمد بن قربان) لتلبية النداء، وتجمَّع الفتيان في مدينة تبسة، وخرجوا متسللين ليلا تحت جنح الظلام شهر أفريل 1948م تحت قيادة المجاهد الفقيه (قصري الصادق المدعو عبد الحفيظ)، وبعد محنة قطع الطريق والوصول إلى معسكر الملك فاروق في مدينة مرسى مطروح المصرية، تجمَّع هناك المجاهدون من سكان المغرب العربي، وربطتهم الأخوَّة الإسلامية، وسهر الراحل (عبد الرحمن عزام) أمين عام جامعة الدول العربية على توعيتهم وتدريبهم وتنظيمهم تمهيدا لدفعهم إلى جبهات القتال، وكان المجاهد الشهيد (محمد بن قربان) شابا جميلا أشقر الشعر أحمر البشرة أخضر العينين، فشك في هويته قادة المعسكر، وخشوا أن يكون جاسوسا يهوديا، نظرا لشكله الأوربي، فكلفوا والدي للتأكد من هويته، فصاحبه والدي طيلة وجوده في المعسكر، وكان يسأله بشكل تلقائي كصديقين عن فرائض الإسلام والإيمان وكيفية الوضوء والصلاة وهل يحفظ شيئا من القرآن الكريم والسنة النبوية، وغيرها من الأسئلة حتى تحقق من هويته، وسافروا جميعا -وقت هدنة شهر ماي 1948م- إلى لبنان في هيئة حجاج حتى لا يُكتشف أمرهم، ونزلوا في قرية المطلة، وقاتلوا ودخلوا فلسطين وجُرحوا فيها، وثمة من استشهد منهم، وسالت دماؤهم الزكية على ثرى فلسطين الغالية في صفد وسمخ وسهل الحولة وطبريا، ولما وقَّع العرب هدنة رودس سنة 1949م، سمَّتهم الجامعة العربية ب(جيش الإنقاذ العربي)، فبقي والدي في الشام، وعاد الصديق (محمد بن قربان) وغيرهم إلى الجزائر، ولما قامت الثورة التحريرية انضمّ لها في الولاية الثالثة، واستشهد سنة 1958م، وفي مدينة البليدة شارعٌ باسمه. وهذا ليعلم أهل البليدة مكان ملعب (شاكر) أن الأرض تفور بدماء الشهداء، وأن التأييد والهتف لفلسطين، إنما هو من روح المجاهد الشهيد (محمد بن قربان). صفقة القرن الأولى 1917م: ليست هذه هي الصفقة الأولى التي يعرضها علينا اليهود والنصارى لنتخلى عن أرضنا ومقدَّساتنا، منذ أن سقطت فلسطين تحت ضربات الجيش البريطاني بقيادة الجنرال ألبني سنة 1917م بعد انهزام الدولة العثمانية جراء خيانة العرب لها، فقد عرضوا على السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني 1842-1918م) مشروعهم الذي تمخض عن المؤتمر اليهودي الأول بمدينة بازل بسويسرا سنة 1897م، وعرضوا عليه صفقة القرن يومها، مقابل أن يبيعهم فلسطين ليسددوا ديون الدولة العثمانية المقدرة ب150 مليون ليرة ذهبية، وبناء جيش وأسطول حربي قوي، ومساعدتهم في حروب البلقان والاحتفاظ بليبيا وبلاد الشام والعراق والحجاز، وغيرها من أكاذيب اليهود والنصارى، التي حذرنا الله منها في القرآن الكريم، ونبهنا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السنة والسيرة النبوية المطهرة. وطلبوا لقاء السلطان عبد الحميد، لما أتم أعضاء وفد المؤتمر اليهودي (عمانوئيل قانصوه) و(تيودور هرتزل) و(حاييم وايزمان) طلبهم، قال لهم كلما بليغا مازالت الأجيال تحفظه إلى اليوم “إن الأرض التي أُريقت عليها دماء آبائنا وأجدادنا من المسلمين وروتها لا يمكن أن نقدِّمها لكم رخيصة، وعندما نغادر هذه الحياة مجاهدين ومدافعين عن أرضنا خذوها إن استطعتم من غير مال..”، ثم خلع حذاءه وقذفهم به، وسبَّهم وأمر بطردهم من القصر. وبعد أن قام الخائن الشريف حسين بالثورة العربية ضد الدولة العثمانية التي كانت منتصرة في الحرب إلى سنة 1917م تاريخ منح وزير المستعمرات البريطانية اللورد جيمس آثر بلفور وعد توطين اليهود في فلسطين يوم 01/11/1917م، وبعد أن وعده الإنجليز واليهود بصفقة القرن يومها، وانهزمت الدولة العثمانية سنة 1918م، وانشغلت بحروب الاسترداد والدفاع عن أرض السلطنة سنوات 1918-1922م ووقعت معاهدة سيفر المذلة سنة 1923م انعقد مؤتمر فرساي سنة 1919م لاقتسام تركة الدولة العثمانية، وشارك العرب بوفدهم بقيادة الأمير فيصل بن الحسين، ولم يخرج من المؤتمر بشيء، وظل يناشد اليهود والإنجليز والفرنسيين بالوعود التي قطعوها لهم إن هم سلموهم فلسطين، وانتهت مأساة الخائن الشريف حسين وأبناؤه وفق ما حفظته لنا صفحات التاريخ، وخرج العرب والمسلمون بلا شيء غير الحروب البريطانية واليهودية عليهم، قمع ثورة البراق سنة 1929م وثورة عز الدين القسام سنة 1935م، وحرب 1948م التي انهزم فيها العرب وأخذ اليهودُ الغاصبون غالبية فلسطين، وحرب العدوان الثلاثي سنة 1956م وحرب الأيام أو الساعات الست المذلة يوم 05 جوان1967م، واحتلال سائر فلسطين وأجزاء من أربع دول عربية، ثم حرب أكتوبر 1973م التي لم تكن سوى حرب تحريك لا تحرير، أفضت إلى اتفاقيات فك الارتباط والاشتباك سنة 1975م، وسفر الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى فلسطينالمحتلة، ثم توقيعه لمعاهدة الذلّ والاستسلام في كامب ديفيد سنة 1979م، ثم الحروب ضد المقاومة الفلسطينية 1978م و 1982م و 1983م، ثم مؤتمر مدريد للسلام سنة 1992م، ثم اتفاقيات أوسلو سنة 1993م، ثم الحروب على الضفة وقطاع غزة التي مازالت مستمرة إلى اليوم. صفقة الذل والاستعباد: وبعد كل هذه الصفقات والوعود الجميلة التي كانت تمنح للخونة من القادة العرب، ينقلب اليهود وحلفاؤهم وينكصون عن معاداتهم، وهي عادتهم كما أخبرنا بهم الله تعالى، فأين هي وعودهم لعرفات ببناء دولة فلسطينية عاصمتها القدس؟ وأين هي وعودهم بجعل قطاع غزةهونغ كونغ العرب؟ وأين؟ وأين؟ وأي ازدهار يكون لصاحب الدار المرغم على أن يتخلى عن داره للغاصبين مقابل وجبة طعام وحلوى لأبنائه؟ ونسأل هؤلاء المهرولين المهزومين: لماذا لا تتركون لنا أوطانكم وتخرجوا منها، مقابل أن نعطيكم قليلا من المال وتعيشون بسلام في ظل غطرستنا؟ فحذار يا سكان غزة، وحذار يا سكان الضفة، وحذار يا سكان الأرض المحتلة سنة 1948م، وحذار أيها العرب والمسلمون من غضب ومقت الله، وحذار من غضبة الشعوب، وحذار من التفريط في أرض العرب والمسلمين، فالحق قوي، مهما ضعف أصحابه وقلتْ وقصرتْ أيديهم، فإياكم أن تبيعوا فلسطين، لأن الشعوب لن تغفر لكم، وأحفاد الأمير عبد القادر وأحمد باي وابن باديس وبن بولعيد والعربي بن مهيدي وأحمد بن بلة وهواري بومدين معكم، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.