تحضّر الطبقة السياسية بعائلاتها الثلاث، الوطنية، باستثناء أحزاب الموالاة، والإسلامية والديمقراطية، لعقد اجتماع شامل بهدف الخروج بتصور واضح، يشكل خارطة الطريق التي يتعين الدفع بها، غير أن المخاوف تبقى قائمة بشأن بعض الخلافات الجوهرية. وعلى رأس هذه الخلافات، ما يتعلق بتصور المرحلة الانتقالية التي يطالبون السلطة بالدخول فيها، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المؤجلة، فهناك من يرى أن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون تأسيسية، وهذا هو رأي العائلة الديمقراطية، في حين تذهب العائلتان الوطنية والإسلامية إلى الموافقة على الدخول في مرحلة انتقالية، غير أنها ترفض بشدة أي توجه نحو اعتبار هذه المرحلة تأسيسية. هذا التباين في الرؤى يخيم على التحضير للاجتماع المرتقب نهاية الشهر الجاري أو بداية الشهر المقبل، فمثلا، حزب جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال، لا يرون حلا للأزمة الراهنة إلا من خلال تهديم كل ما بني منذ الاستقلال من مؤسسات بحجة أنها غير شرعية، وإعادة بناء مؤسسات جديدة، وهو أمر رفضه بشدة نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، في أكثر من مناسبة. أما مبرر المتحفظين على المجلس التأسيسي، وعلى رأسهم كل من حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة، وحزب الفجر الجديد وجبهة المستقبل وبعض الأحزاب الصغيرة، فمفاده أن “المجلس التأسيسي من حقه فتح النقاش حول كل شيء وينشئ لنفسه مرجعية جديدة”، وفق توصيف رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله. ومعنى هذا أن المجلس التأسيسي يمكنه إعادة النظر في كل شيء، بما فيها المسائل المحسوم فيها، مثل الثوابت والهوية، التي فصّل فيها بيان أول نوفمبر وكرّستها مواد صماء في الدستور، مثل المرجعية الدينية المتمثلة في الإسلام، وفق المادة الثانية من الدستور، واللغة العربية، وقد يصل الأمر إلى مستويات أبعد، مثل الخوض في العلم الوطني، ولاسيما في ظل النقاش الدائر حاليا. بل والأخطر من كل ذلك، أن يفتح المجلس التأسيسي المجال واسعا أمام بعض المغامرين والمتآمرين على الوحدة الترابية، من خلال الدعوة إلى إعادة النظر في نظام إدارة شؤون الدولة، من خلال المطالبة بتبني النظام الفدرالي، مثلما يقول مؤسس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الحقوقي مقران آيت العربي، الذي لم يتوان في رفع لافتة في البريد المركزي قبل أسابيع، تطالب بتبني النظام الفدرالي، بحجة أن البلاد ممتدة جغرافيا ومتنوعة ثقافيا ومتعددة لغويا. ومن شأن هذا أن يدفع البلاد للسقوط في انزلاقات قد يصعب التحكم فيها، وهذه نقطة الخلاف الجوهرية التي لا تزال تؤجل انعقاد اجتماع مختلف مكونات المشهد السياسي، فعلى الرغم من المحاولات التي أنجزت على هذا الصعيد، إلا أنه لا شيء في الأفق لحد الساعة.