كثيرا ما يلاحظ المار على الطريق الوطني رقم 05 وبالضبط في ولاية البويرة، شريطا طويلا من محلات بيع الأواني الفخارية التقليدية منها والحديثة، مُستقطبة جمهورا من مختلف الولايات، يتوقّف عندها مثلما يتوقّف عند محطّات البنزين. وقد دفعنا الفضول إلى الاقتراب من هؤلاء الذين افترشوا الطريق لبيع أوانيهم في محاولة منا لاكتشاف هذا العالم المليء بالذكريات والأصالة والتي كان الاجدادنا الفضل الكبير فيها. تحدثنا إلى (م،ب) البالغ من العمر 25 سنة بأنه من عشاق صانعي وبائعي الأواني الفخارية منذ الصغر باعتبارها تمثل تاريخ أجداده وآبائه الذين كانت لهم قصة طويلة وصعبة مع هذه الحرفة التي ضحوا لأجلها براحتهم وصحتهم. يقول مُحدّثنا بأنه كان يرى جدته وأمه تمشين في الجبال بحثا عن الطين، و هي المادة الأولية لصناعة هذه الأواني،وبعد جمعها تُفتّتانها ثم تُبلّلانها بالماء لتحصلا في الأخير علي عجينة من الطين قابلة للتشكيل. وهنا تبدأ مهارتهن في إبراز أشكال متعددة تجمع بين الموهبة الشخصية والتراث القبائلي الخاص بالمنطقة. أما عن توجّهه إليها كمهنة فأرجعه إلى شغفه الكبير بها وإلى العهد الذي قطعه على نفسه بأن يكون أحد حاملي شعار التحدي والمواصلة وبعث هذه الحرفة إلى أبعد الحدود،بغرض التعريف بتراث المنطقة. أما عن كيفية حصوله على هذه الأواني، فأكد محدثنا أنه في السنوات الماضية كانت معظم الأواني من صنع أيادي نساء، المنطقة لكن مع توجه بعض الأشخاص إلى اعتماد هذه الحرفة كأداة لإنشاء مصانع تكون فيها صناعة الأواني الفخارية أكثر عصرنه تراجع الطلب عليها إلا قليلا منها مثل "الطاجين والجفنة"، لتدخل بذلك هذه الحرفة عالم الحداثة مع إقبال كبير من قبل الناس على مختلف المنتجات من صحون و بوقالات وغيرها من أدوات التجميل والزّينة التي كان لها حيز لابأس به في هذه الحرفة المعاصرة معبّرا عن استيائه من الأسعار التي أصبحت هذه المؤسسات تفرضها عليهم والتي تتراوح بين 600 دج إلى 2000 دج والتي اعتبرها مرتفعة إذا ما قورنت بحجم مبيعاتهم. مضيفا أنه ورغم الرواج الذي عرفته الأواني الفخارية الحديثة في وقت ما، إلا أنّها عرفت انحطاطا الآن، فالناس لم يعد لديهم أي ميول لا للحديث ولا للقديم منها، مفضلين عليها كل ما يصنع بالألمنيوم إلا القلة منهم. مُعلّلا سبب تراجع الإقبال على الأواني الفخارية إلى إحجام حرفيّيها عن التجديد و الإبداع ، الشيء الذي دفعهم على حد تعبيره التوجه إلى اقتناء معظم الأواني من تونس من خلال صفقات يتم من خلالها إعطاء هذه المؤسسات التونسية الخطوط العريضة لثقافة المنطقة،أما باقي العمل فتكون لديهم الحرية المطلقة في إكماله،مؤكدا أنهم استطاعوا وبكل جدارة لفت انتباه المارة والمشترين على حد سواء، و الذين انبهروا في كل مرة من التنوع والتّطوّر الصّارخ الذي تعرفه المهنة جاهلين أن مُعظم هذه الأواني ليست من صنع جزائري مبديا في الأخير تحسّره الكبير الذي شوّهه بسببه ثقافة أجدادنا. نبيلة طراد