يعود البرلماني السابق عن حزب جبهة التحرير الوطني، موسى عبدي، الذي ارتبط اسمه بمشروع تجريم الاستعمار، قبل سنوات، للحديث عن الدوافع والأسباب المباشرة وغير المباشرة، لهذا المشروع الذي كان علامة فارقة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، وكيف تم إجهاضه، ويقدم بالأسماء النواب والكتل النيابية التي رفضت التوقيع على المقترح والمشاركة فيه. يؤكد ضيف منتدى “الشروق”، موسى عبدي، أن دوافع المشروع، كان الرد على البرلمان الفرنسي الذي أقر مشروع تمجيد الاستعمار بتاريخ 23 فيفري 2005، وبعدها خطاب الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، من سطيف بتاريخ 8 ماي 2005 حينما وصف الاستعمار الفرنسي بأنه “أبشع استعمار”، والتنديد الواسع بالقانون الفرنسي من قبل المنظمة الوطنية للمجاهدين وعدد من الأحزاب الوطنية والإسلامية، وتزامن هذا المسعى مع اللغط الذي أحدثه الكشف عن قائمة اسمية أنذاك ببعض النواب “أبناء الحركى”، من طرف الراحل لخضر بن سعيد. ومما كشفه عبدي، أنه بدأ في التحرك مع جميع الكتل النيابية، لإبلاغها بالمشروع، حيث رفض رئيس الكتلة النيابية للأرندي حينها الراحل ميلود شرفي التوقيع على المشروع، رغم التواصل معه مرتين، وبرر شرفي موقفه بالقول “تلقيت تعليمات فوقية من الأمين العام للحزب أحمد أويحيى برفض المشروع”، والأمر نفسه حصل مع رئيس الكتلة النيابية للأفلان العياشي دعدوعة الذي رفض التوقيع. يسترسل عبدي في الحديث عن الكتل النيابية التي أدارت ظهرها للمشروع، ويقول “لويزة حنون التي كانت أمينة عامة لحزبها ورئيسة للكتلة النيابية رفضت التوقيع، هي وجميع نوابها، والحال نفسه مع التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية”، ويتابع “كلفنا النائب سكينة مساعدي بالتواصل مع نواب حزب العمال والأرسيدي، نتيجة للعلاقة الطيبة التي كانت تجمعها بهم، لكنهم رفضوا حتى المشاركة في إثراء النقاش حول المشروع”. تسأل “الشروق” ضيفها، عن موقف رئيس المجلس الشعبي الوطني في تلك الفترة، عبد العزيز زياري، من المشروع، فيقول “زياري كان يلعب دور حاجز غير دستوري لتعطيل المشروع”، ويفصل “كان إذا وصل إليه المشروع أعاده، حيث يلعب على ورقة الاختصاص عبر المراسلات بينه وبين الحكومة”. ويؤكد عبدي، أن مشروع قانون تجريم الاستعمار، كان ضحية لفراغ دستوري، وهذا لغياب مادة صريحة في القانون الخاص بتنظيم العلاقة بين البرلمان والحكومة، تسمح لأصحاب المقترح برفع الانشغال إلى المجلس الدستوري، في حالة رفض المشروع بتلك الطريقة. وهنا يدعم محمد حديبي، الذي نزل هو الآخر ضيفا على منتدى “الشروق”، بصفته أحد محركي المبادرة، الطرح الذي قدمه عبدي، بشأن “إجهاض المشروع من قبل رئيس البرلمان”، ويقول “البرلمان كان يؤدي وظيفة إدارية وليست سياسية، نتيجة لمغانم السلطة أنذاك والتي كانت ترمي بها لعدد من النواب”، ويتابع “مكتب المجلس كان خاضعا للسلطة التنفيذية، والمشروع قُتل بسبب المطامع والامتيازات التي كانت تلوح بها الحكومة”. فيما يشير عبدي إلى محاولتين اثنتين لإحياء المشروع “المقبور” فيما بعد، الأولى عبر عقد ندوة حول تجريم الاستعمار، حضرتها أحزاب سياسية كالأفلان وحمس، وتغيب عنها الأمين العام السابق للأرندي أحمد أويحيى، والثانية من خلال مصادقة اللجنة المركزية للأفلان عام 2010 بالإجماع على تبني المشروع. سفراء دول بالجزائر اشتكوا من منح “الأفضلية” لباريس يجب إحداث “قطيعة مع فرنسا وليس قطع العلاقات” يقدم البرلماني السابق عن حركة النهضة وأحد المبادرين بمشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، محمد حديبي، الأسباب الكامنة وراء هذا المشروع، والقيمة الإضافية التي سيقدمها، ويؤكد أن العلاقات الجزائرية الفرنسية “مختلة وغير متساوية”، ويشدد على ضرورة إحداث قطيعة مع فرنسا. بحسب حديبي، فإن مشروع قانون تجريم الاستعمار، سيكون له ثلاثة تأثيرات في مسارات الدولة وهي “الاقتصادية والثقافية والتربوية”، ويتحدث البرلماني السابق، في منتدى “الشروق”، عن 70 بالمائة من مداخيل الجزائر تستفيد منها فرنسا، الأمر الذي يؤكد ضرورة إعادة الاعتبار للعلاقات بين الجزائروفرنسا. حديبي يرافع لإحداث “قطيعة مع فرنسا لا قطع العلاقات”، نتيجة للخلل الذي أحدثته الهيمنة الفرنسية بعد أزيد من 57 من الاستقلال، ويستشهد المتحدث باستياء سفراء دول بالجزائر من هذا الوضع، ويقول “عدد من سفراء الدول كألمانيا وروسيا واليابان، عبروا عن انزعاجهم نتيجة أن جميع الصفقات التي تدخلها شركاتهم، تتم مراجعتها من طرف اللوبي الفرنسي”. مرشحون افتراضيون للرئاسيات “قبروا” المشروع إرضاء لفرنسا سلال وقع اتفاقية تتيح للأقدام السوداء حقّ المطالبة بأملاك الجزائريين! – أويحيى التقى بيرنار كوشنير مباشرة بعد إطلاق مشروع التجريم يؤكد صاحب مقترح تجريم الاستعمار، موسى عبدي، أن أصحاب النفوذ ممن كان يحدوهم الحلم بالترشح للرئاسيات، عملوا على “قبر” المسعى، إرضاءَ لفرنسا. ووجه ضيف “الشروق”، اتهاما مباشرا لأويحيى في هذا الخصوص، حث ينقل تصريحا له حينما سئل عن المقترح فرد “هو بمثابة البكاء على الأطلال، وأنه مزايدة سياسية”، ويذكر عبدي أنه رد على تلك التصريحات بالقول “أويحيى يخدم مصالح فرنسابالجزائر”. ويقدم عبدي، ما يسميه أسبابا غير مباشرة عطلت المشروع، ومنها الضغوط الفرنسية، عبر وزيرها للخارجية الأسبق برنارد كوشنير، وأمين عام الرئاسة الأسبق كلود غيون، والذي التقى أويحيى بصفته وزيرا أول، بعد إطلاق مسعى تجريم الاستعمار. ضيف “الشروق”، يقول إن المشروع كان يسعى لتحقيق أربعة أهداف، أولها سياسية وتمكن من وضع فرنسا على مبدأ الندية وتوقف ورقة الضغط على الجزائر وكسر هيمنتها، وفي الجانب الاقتصادي، المطالبة بالتعويضات كما حصل مع اليهود الذين دفعت لهم فرنسا 60 مليار دولار (المبلغ كشفت عنه صحيفة لوفيغارو بتاريخ 17 فيفري 2009). أما البرلماني السابق، محمد حديبي، فيتحدث عن التأثيرات السلبية التي خلفها “قبر” المشروع، ويقول “بعدها فقط جاءت موجة الأقدام السوداء في إطار سياحي ولكن هدفها الحقيقي البحث عما يزعمون أنها ممتلكاتهم التي تركوها بعد مغادرتهم البلاد عام 1962″. ويكشف حديبي، عن اتفاقية جرى توقيعها بين الجزائر ممثلة في الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، والطرف الفرنسي، تضمنت إعادة النظر فيما يسمى القضايا المتعلقة، ومن ذلك الأرشيف والجماجم، وأخرى متصلة ب”ممتلكات” المعمرين والأقدام السوداء. الحراك الشعبي وتغير أولويات السياسة الخارجية لهذه الأسباب عاد مشروع تجريم الاستعمار للواجهة – لقاء مصطفى شرشالي ويوسف الخطيب ومصطفى عبيد لإحياء المبادرة يرى صاحب مشروع مقترح تجريم الاستعمار، موسى عبدي، أن عودة المشروع إلى الواجهة في الأسابيع القليلة الأخيرة، جاء نتيجة مجموعة من العوامل المساعدة، أولها أن الجزائر غيرت وجهتها السياسية ولم تعد رهينة لفرنسا، بعد سقوط “العصابة” التي كانت موالية لها وراعية لمصالحها. بالإضافة إلى ذلك هناك عنصر آخر حسب، ضيف المنتدى، وهو الحراك الشعبي، الذي جعل من انتقاد النظام السابق بسبب مواقفه المنبطحة تجاه فرنسا، على رأس أولوياته، فضلا عن دخول المنظمة الوطنية للمجاهدين على الخط، بعد تولي محند واعمر الأمانة العامة بالنيابة، إثر وفاة الراحل السعيد عبادو. وذكر عبدي أنه قام بزيارة مجاملة للقيادة الجديدة للمنظمة رفقة المجاهد مصطفى شرشالي، كما التقى أيضا المجاهد يوسف الخطيب، والعقيد مصطفى عبيد قائد الولاية الخامسة التاريخية، ويذكر صاحب المشروع أن مجموعة من النواب من حركة مجتمع السلم اتصلت به بغرض إحياء المشروع. واللافت في الأمر هو أن رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق، معاذ بوشارب، حاول بدوره إحياء المشروع، غير أن هذا التوجه جاء في سياق محاولة بوشارب فك العزلة التي ضربت عليه، بعد اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير المنصرم، وهو التوجه الذي انتهجه بوشارب بعد ما لاحظ توجه السياسة العامة للبلاد، الرافضة للهيمنة الفرنسية. الوزير الأول السابق استجاب لرغبة الكيدورسي ساركوزي “حذر” حكومة أويحيى إذا تم تجريم الاستعمار! يؤكد النائب السابق عن حركة النهضة، محمد حديبي، أن رئيس المجلس الأسبق، عبد العزيز زياري، كان ينسق مع رئيس الحكومة حينذاك، أحمد أويحيى الموجود حاليا بالمؤسسة العقابية بالحراش، بسبب تهم تتعلق بالفساد، من أجل وأد مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار، بالرغم من أن هذا الأخير، استوفى كل الشروط التي تؤهله ليكون مشروع قانون. وأوضح حديبي لدى نزوله ضيفا على “منتدى الشروق”، أن زياري أوفد مستشاره ليطلب من حديبي، باعتباره أحد المبادرين بطرح مشروع قانون تجريم الاستعمار إلى جانب موسى عبدي، مقابلة مستشار أويحيى، لمناقشة المسألة. وذكر حديبي أنه التقى مستشار أويحيى في باحة المجلس الشعبي الوطني، وقال لي: “لا تظن يا حديبي أنك أكثر وطنية منا، كما لا تظن أننا ضد مشروع قانون تجريم الاستعمار، ولا أنت أكثر غيرة منا على الجزائر، ولا تظن أن أويحيى ضد المشروع”. ومضى حديبي يسرد ما دار بينه وبين مستشار أويحيى: “قال لي، لقد زار الأمين العام للرئاسة الفرنسية في عهد ساركوزي (يرجح أنه كلود غيون الموجود في السجن بسبب قضية فساد)، الجزائر واستقبله أويحيى بصفته رئيس حكومة، وكانت أجندة هذه الزيارة هي مشروع قانون تجريم الاستعمار”. ويضيف حديبي نقلا عن مستشار أويحيى: “لقد قال الأمين العام للرئاسة الفرنسية لأويحيى، أنتم أحرار فيما تشرعون في بلادكم، ونحن لا نتدخل في شؤونكم الداخلية، ولكن هذا المشروع القانوني له تداعيات كثيرة على الدولة الفرنسية داخليا وخارجيا وسوف لن تسكت الدولة الفرنسية، كما هدد أمين عام الرئاسة الفرنسية بكشف الأرشيف الجزائري الموجود في باريس، والمتعلق بتاريخ الثورة التحريرية.. ثم انصرف وعاد إلى بلاده”. زياري تراجع وخضع لأمر الحكومة وقال: مشروع تجريم الاستعمار “يتناقض” مع اتفاقيات ايفيان! – الحكومة اختفت وراء اتفاقيات ايفيان لخدمة المصالح الفرنسية فقط أكد موسى عبدي، في المنتدى أنه لم يتصل به أحد لثنيه عن التراجع أنذاك عن المشروع، لا من رئاسة الجمهورية ولا من الحكومة، لكنه أكد أنه استقبل من رئيس المجلس حينها، عبد العزيز زياري، بعد إيداعه مشروع القانون. وأوضح عبدي أن زياري لما اطلع على المشروع وتوقيع العشرات من النواب عليه، قال لي إنه “لا يمكنني أن أقف في طريقه، مادام استوفى كل الشروط اللازمة لمقترح مشروع قانون”. غير أن المفاجأة كانت كبيرة لدى موسى عبدي، عندما استقبله زيارة مرة أخرى وكان ذلك في الثاني من جويلية 2010، أين سلمه نسخة تتضمن تبريرات لرفض جدولة مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار، وذلك استنادا إلى ما ورده من الحكومة. أما عن التبريرات التي ساقتها حكومة أويحيى لرفض مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار، فيؤكد عبدي أنها تتعلق بجملة من الاعتبارات، أولها أن المشروع القانوني يتناقض مع بنود اتفاقيات إيفيان، كما يتناقض مع التوجهات العامة والالتزامات السياسية للدولة الجزائرية، بالإضافة إلى ذلك، أن الدبلوماسية الجزائرية تبقى من الاختصاص الحصري للرئيس (السابق) عبد العزيز بوتفليقية، فضلا عن أن الجزائر لا تتوفر على منظومة قانونية تمكن من متابعة الرعايا الفرنسيين. وتعقيبا على هذا، يرفض موسى عبدي مبدأ تجريد البرلمان من التدخل في الشؤون الدبلوماسية، ويستند على ذلك بكون البرلمان الفرنسي هو من سن قانون 23 فيفري 2005، الذي يمجد الاستعمار الفرنسي، وان الرئاسة الفرنسية، هي التي تدخلت فيما بعد لتعديل بعض مواد القانون، لاعتقادها بأنه يضر بالمصالح الفرنسية. واستغرب عبدي بالمناسبة موقف الحكومة من مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار، وتساءل لماذا لم ترد السلطات الجزائرية على الطريقة الفرنسية، بترك مشروع القانون يأخذ مجراه الطبيعي، ثم تتدخل رئاسة الجمهورية بعد ذلك، لتعديل ما تراه يتناقض والمصالح العليا للدولة، ما دام أن الدستور يجيز ذلك؟ لهذه الأسباب ضغطت فرنسا على الجزائر لوقف المشروع لو جرمنا الاستعمار لما طالب “الأقدام السوداء” بممتلكاتهم المزعومة يعتقد موسى عبدي أن رفض السلطات الجزائرية في عهد نظام بوتفليقة لمشروع قانون تجريم الاستعمار، مرفوض وغير مبرر، ويرقى إلى درجة الخيانة، وهي الخلاصة التي ضمنها في كتاب يوجد قيد الطبع تحت عنوان: “قانون تجريم الاستعمار.. حلم شعب وتعطيله خيانة”. ويؤكد عبدي “إذا كان هذا القانون أوقفه نظام بوتفليقة لمصلحة الجزائر فأنا معه، أما إذا كان منع القانون لخدمة أجندة فرنسية فذلك يعد خيانة وطن. وبخصوص تعارض القانون مع اتفاقيات إيفيان، فيرى عبدي أن تلك الاتفاقيات تعالج فترة زمنية محددة 1954 / 1962، في حين أن مشروع القانون يعالج مدة عمرها 132 سنة من 1830 إلى 1962، وهو سلاح ذو حدين، ولا بد من حمل فرنسا على الاعتراف بجرائمها في الجزائر. ويخلص عبدي في الأخير على القول بأنه لو تم تمرير مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار، لما وصلنا اليوم إلى تمكين الأقدام السوداء من استرجاع ممتلكاتهم بالقانون الجزائري، لأن تجريم الاستعمار يجرم وجود فرنسا في الجزائر طيلة 132 سنة، وهذا يفقدها أي وجاهة في المطالبة بحقوق رعاياها في الجزائر، والتي طرحت مع مسؤولين جزائريين باعتراف السلطات الجزائرية.