كان سيدات 2024 :الجزائر ضمن مجموعة صعبة برفقة تونس    الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبون يكسر قاعدة “صناعة الرؤساء” في المخابر
بعد قرابة سبعين سنة من عقدة الشرعية في الجزائر:

لأول مرة منذ الاستقلال، أحسّ الجزائريون برغم خلافاتهم السياسية والثقافية، بأنهم كسبوا رئيسا شرعيا، أفرزه الصندوق فعلا. وحتى النسبة المتدنية للمشاركين في تصويت الثاني عشر من ديسمبر، لا يتحملها الرئيس الجديد الثامن في حياة الجزائر المستقلة، وإنما الرافضون للاقتراع من جهة، والطبقة الصامتة من جهة أخرى، كما أحسّ الجزائريون لأول مرة غياب اليد الخفية، أو خلطة مصنع الرؤساء التي كانت تطبخ وتقدّم الوجبة جاهزة للجزائريين، بدليل أن خاسري المعركة الانتخابية بمن فيهم علي بن فليس، لم يطعن أيا منهم وغالبيتهم خرجوا من الساحة السياسية بين معتزل ومحارب في فترة راحة، معترفين بأن الصندوق وحده من رسم مصير الرئاسيات.
والافتتاحية الصادرة في مجلة الجيش في عدد صدر في الصيف الماضي، أشارت إلى نقطة مهمة عندما تحدثت فيها عن نهاية تدخل الجيش في تعيين حكام الجزائر، فكانت تأكيدا على أن مخابر الجيش الوطني هي التي صنعت منذ الاستقلال وخاصة في الفترة التي تلت وفاة الرئيس هواري بومدين، الرؤساء، وقد لمس الجزائريون خلال الحملة الانتخابية وخلال الاقتراع وما بعده بأن الجيش منسحب فعلا من الفعل السياسي.
أكيد أن كل الآراء تجزم على أن الرؤساء الذين قادوا الجزائر برغم حسناتهم اشتركوا في الأزمة العميقة التي تعيشها الجزائر على بعد أيام من سنة 2020، ولكن المتفق عليه هو أن صناعة الزعيم الحاكم في الجزائر، هو اللغز الذي لم تفكّه عشرات الكتب التاريخية التي ظهرت بل إنها زادت من تعقيد هذا اللغز المحيّر.
فلا أحد يصدق أن الرئيس هواري بومدين كما كان يقول هو بنفسه، بأنه صحّح الثورة سلميا، عندما انتزع كرسي الحكم بالقوة من أحمد بن بلة، ولا أحد يصدق أن الشاذلي بن جديد استقال بمحض إرادته، ولا أحد يؤمن بأن بوتفليقة هو من قاد البلاد في عهدته الأخيرة، ولكننا جميعا نؤمن بأن للجيش يدا في صناعة الرؤساء، ونؤمن بأن فرنسا لعبت دورا هاما وفعالا في الشأن الجزائري، وفي أسوإ الأحوال دور المراقب، ونتفق على أن الشعب هو مجرد بيدق في الرقعة لالتهامه فقط، ولاستعماله في تسخين المشهد السياسي بين انتخاب وآخر، ويبقى الاقتراع رسما كاريكاتوريا، في بلد عاش سبعة وخمسين سنة من الاستقلال، ولم يرأس بلاده سوى سبع شخصيات في كل هذه المدة الطويلة، ولا أحد منهم امتلك الشرعية الكاملة.
وحطّم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الرقم القياسي، لأطول مدة لرئيس جزائري بقي في سدّة الحكم برقم بلغ 19 سنة و11 شهرا وستة أيام، في الثاني من أفريل الماضي بعد إجباره على الرحيل، وهو الرقم الذي كان بحوزة الرئيس الأسبق هواري بومدين بثلاث عشرة سنة وستة أشهر وثمانية أيام، وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد قاد الجزائر بعد انتخابات أفريل من عام 1999 وحصل على ثلاث عهدات إضافية عبر انتخابات 2004 و2009 و2014، كما يتواجد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في المركز الثالث حيث مكث في الحكم مدة 12 سنة و 11 شهرا ويومان، وكان يمكنه أن يكون صاحب الرقم الأول، لو لم يستقل أو يُقال في الحادي عشر من شهر جانفي من عام 1992، وبحوزة الرئيسأحمد بن بلةحكماامتدّ عامين وثمانية أشهر و21 يوما، وتبقى الفترة الأقصر بحوزة الرئيس المغتال محمد بوضياف، فلم تزد فترة حكمه عن خمسة أشهر وثلاثة عشرة يوما.
أحمد بن بلة.. عيّن نفسه رئيسا قبل الاستقلال
حال الجزائر كان مختلفا بعد الاستقلال، فالجزائر التي عانت لمدة 132 سنة من الاستعمار، سبعة منها كانت كفاحا لأجل الاستقلال، كان من المنطقي أن تبدأ حكمها بمخلفات الثورة، فالذين صنعوا الحدث في الأيام الأخيرة للاستقلال، لم يكونوا مستعدين لترك الحكم للإطارات والكفاءات العلمية القليلة، لأن أي مفكر هو في نظر الذين تسلّموا الحكم وصنع منهم الإعلام والنظام السوفياتي والمصري أبطالا فوق العادة، مجرّد بيادق في الحكم، أو ربما من إندماجيين لم يحاربوا فرنسا أبدا، مثل المفكر مالك بن نبي أو العلامة البشير الإبراهيمي، وأفرز حماس القادة الذين دخلوا العاصمة فاتحين، نظاما لا يختلف عن الستالينية، ليبدأ أول صراع على الحكم في تاريخ الجزائر المستقلة، ومن دون العودة إلى الشعب، بدأ التقاتل ثلاثيا، بين الحكومة المؤقتة التي أسّسها حزب جبهة التحرير الوطني قبل الاستقلال عام 1958 والقادة العسكريين الذي احتفظوا بأسلحتهم التي كافحوا بها الاستعمار، وقادة الولايات التاريخية بمديرياتهم.
والحقيقة أن الصراع بين هذا الثلاثي بدأ قبل الاستقلال وأخذ للأسف بعض الأبعاد الجهوية، وكان بن بلة قد رسّم نفسه رئيسا منذ ماي 1962 في ليبيا أي قبل الاستقلال بشهرين بمباركة من جبهة التحرير الوطني وحتى من هواري بومدين، ولكنه اصطدم بعد الاستقلال بوجود طامعين كثر في السلطة، فكان عليه أن يأخذ المبايعة من العسكر ومن الولايات التاريخية.
كان أحمد بن بلة في سن الرابعة والأربعين فقط، وكان هواري بومدين دون الثلاثين، فبدأ تحالفهما في صالح الإثنين، خاصة أنهما لم يدخلا العاصمة الجزائرية إلا سويا في الثالث من أوت 1962، حيث أفل بسرعة بريق المجاهد يوسف بن خدة، الذي كان أول من بلغ العاصمة وتم تقديمه كرئيس أول للجزائر، لتنقلب الأمور لصالح حزب جبهة التحرير الوطني الذي أصبح بعد ذلك داعما للرئيس وليس صانعا له إلى غاية عهد بوتفليقة قبل أن ينتهي دوره في انتخابات 12 ديسمبر 2019، ولكن تسارع الأحداث وبداية اقتسام كعكة السلطة ظهر منذ 25 سبتمبر 1962، عندما تم إعلان الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، التي حكم بها النظام، ومازال، رغم أن الديمقراطية ظلت دائما غائبة، والجمهورية والشعبية فيها نظر، وبعد أربعة أيام ظهرت النوايا بإعلان الحكومة المؤقتة بقيادة فرحات عباس، وتعيين بن بلة رئيسا للوزراء، واستغل أحمد بن بلة كل الفرص، ومنها تعيين الجزائر عضوا في الأمم المتحدة في الثامن من أكتوبر، ليصبح تواجد أحمد بن بلة رئيسا كأمر واقع، ساهمت فيه بعض الظروف داخليا وخارجيا.
ورغم التنوّع السياسي الذي كافحت به الجزائر وكافحت أيضا لأجله، إلا أن الجناح السياسي للأفلان أزاح الجميع فبقي مصالي الحاج ورفاقه في فرنسا، في شبه عزلة أو منفى، ولم يتمكن محمد بوضياف من المقاومة وزجّ به في السجن، وبقي آيت أحمد وحده يقاوم ديكتاتورية بن بلة وجماعته بمساعدة صديقه محمد خيضر، وقدّم بن بلة للشعب دستورا أولَّ في الثامن من ماي 1963، تلاه انتخاب بن بلة رئيسا، بدعم كبير من بومدين في الثالث من سبتمبر من عام 1963، فقام بن بلة مباشرة بتعيين بومدين وزيرا للدفاع، مستغلا بذلك قدرة بومدين في تجميع رجالات السياسة بالعسكر، وضرب كل المعارضين مثل فلول مصالي الحاج وآيت أحمد والعقيد شعباني ومحمد خيضر ومحمد بوضياف، مع منع الحزب الشيوعي من النشاط وحتى رجالات جمعية العلماء المسلمين تم تهميشهم والتضييق عليهم وعلى رأسهم الشيخ البشير الإبراهيمي، فتم زرع تقاليد الحكم الديكتاتوري في الجزائر بعد سنة واحدة من الاستقلال بقليل من الأضرار للسلطة الحاكمة، وكثير من الأضرار للشعب المحكوم، في إطار سياسي مستمد من الخلفية الثورية وبالقبضة العسكرية التي ترى أن أي معارض للحكم هو خائن يجب تأديبه وحتى قتله كما حدث للعقيد شعباني.
هواري بومدين.. حكم الجزائر قبل الانقلاب بسنتين
حتى عندما كان أحمد بن بلة رئيسا، كان هواري بومدين هو الحاكم الأول للبلاد، إنها قناعة الكثيرين، لأجل ذلك كان الانقلاب مجرد إزاحة رئيس “شكلي” من منصبه، كان بومدين يضرب الآخرين من دون أن يظهر في الصورة، وربما محمد خيضر وآيت أحمد وحدهما من علما ذلك، على خلفية تعارف هذا الثلاثي في مصر منذ منتصف الخمسينات، كان أحمد بن بلة – حسب رواية المجاهد لخضر بورقعة القابع حاليا في الحبس – يسأل آيت أحمد ويلومه كيف يحمل السلاح في وجهه؟ وكان آيت أحمد يرد سائلا ولائما أيضا كيف لبن بلة أن يسجن محمد بوضياف؟
الحُكم من خلف الستار تحوّل إلى أسهل انقلاب حدث في تلك الفترة، وعندما سئل بومدين من طرف الصحافة العالمية بعد ذلك، عن سبب انقلابه على حكم بن بلة، تحدث عن أخطاء ارتكبها صديقه بن بلة، وعن الحيلولة دون تكوين حزب ثوري طليعي يضم كل المناضلين، واتهمه بتعذيب بعض المواطنين وبعثرة أموال الدولة في غير فائدة، بومدين اعترف للصحافة بعد عشر سنوات من الانقلاب بأن الدبابات توزعت بأمر منه في شوارع المدن الغربية بالخصوص، ولكنه لم يعلن أبدا حالة الطوارئ، وأكثر من ذلك منح الحرية لحوالي 2500 معتقل، وقام بومدين خلال الانقلاب باعتقال خمس شخصيات هم أحمد بن بلة والحاج بن علا وعبد الرحمان شريف والنقاش ومحمد حربي، وهو دليل على أن بومدين كان متحكما بالكامل في دواليب العسكر وفي الساسة المدنيين أيضا.
وبكل حسرة تحدث بن بلة بعد ذلك عن إزاحته من الحكم للصحافية العالمية الشهيرة سيلفيا كاتوري، فقد سأل بومدين عن الوعود التي قدمها للشعب من عدالة وديموقراطية؟ وقال بأنه هو الذي بنى الدولة، ووزّع ثلاثة ملايين هكتار للفلاحين فسبق بومدين في الثورة الزراعية، معتبرا الانقلاب تم بأياد أجنبية أيضا، رأت أن أحمد بن بلة، خطرا على الرأسمالية بالخصوص، وقال: إن الميكانيزمات التي حدثت بها كالانقلابات متشابهة شكلا ومضمونا مع انقلاب الجزائر، حيث وقع في إفريقيا وفي دول العالم الثالث في عامين فقط 22 انقلابا، فكانت الجزائر بداية لهذه الانقلابات حسب السيد بن بلة طبعا.
هل كان بومدين هو مؤسس الحكم الديكتاتوري في الجزائر، وواضع أساسه في الجزائر؟ فالذين يقولون بأن رجالا كانوا خلف بن بلة والشاذلي وكافي وبوضياف وزروال وبوتفليقة، يعترفون بأن هواري بومدين هو الذي أراد السلطة واستأسد لوحده على مدار السنوات التي حكم فيها بزمام الجزائر، أما عن رأي الشعب في هذه السنوات فيمكن اختصاره كاريكاتوريا في انتخابات عام 1976 الثلاثة، بداية من الميثاق الوطني في 27 جوان حيث بلغت أصوات نعم 98,51 بالمئة، وعلى الدستور في 19 نوفمبر بنسبة 99,18 بالمئة وعلى الرئيس هواري بومدين الذي ترشّح لوحده طبعا، في 10 ديسمبر ب 99 بالمئة.
صناعة الرئيس من وراء الستار، بدأت تظهر جليا، منذ وفاة الرئيس هواري بومدين وهي أيضا وفاة لغز، لا أحد شرح لنا كيف حدثت، بدليل أنهم وصفوا مرضه بالغريب، فقد كانت أكبر مفاجأة عرفتها الجزائر منذ استقلالها هي تعيين الشاذلي بن جديد رئيسا للجزائر عام 1979، فقد رأى الجيش نفسه غير مستوعب للرجلين اللذين فرضا نفسيهما إعلاميا ودوليا أيضا، وهما عبد العزيز بوتفليقة ذو التوجه الرأسمالي ورجل الديبلوماسية الأول في الجزائر الذي قرأ تأبينية هواري بومدين بلغة عربية راقية صنعت الحدث السياسي والعاطفي معا، ومحمد الصالح يحياوي ذو التوجه الاشتراكي، الذي كان حينها رئيسا للجنة التنفيذية، وعضو مجلس الثورة ووريث لبومدين في الكثير من الصفات ومنها الكاريزما القيادية، وبحث الجيش بسرعة عن رجل أقل كاريزما شعبيا من الرجلين، أو رجل ظل لا يعرفه الناس، وقد ترك هواري بومدين بعد وفاته – حسب مذكرات الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي – جيشا وأمنا عسكريا قويا جدا، وحزبا قويا يتمثل في جبهة التحرير الوطني الحاكم أو الداعم للحاكم، وتؤكد شهادة الراحل قاصدي مرباح على أن الشاذلي بن جديد لم يفكر أبدا في تسلّم زمام البلاد، بل إنه كان رفقة عبد الله بلهوشات من أنصار رئاسة محمد الصالح يحياوي للبلاد، في الوقت الذي كان الطيب العربي وأحمد دراية من أنصار ترأس بوتفليقة للبلاد، وانقسم محمد بن أحمد عبد الغاني وأحمد بن الشريف بين معارض للشخصين وباحث عن مكان له في الشخصين، وبين هذا وذاك ظهر ثلاثة ضباط سامون، هم قاصدي مرباح ومصطفى بلوصيف ورشيد بن يلس، بنفس الأسطوانة التي استعملها بومدين وبن بلة باسم الدفاع عن مكاسب الثورة ومنع الفتنة، فأعلنوا الشاذلي بن جديد حلا وحيدا، وكان حينها قائدا للناحية العسكرية الثانية، وأيضا عضوا في مجلس الثورة، وأحد أقدم الضباط السامين الجزائريين، ولكم أن تتصوروا كيف ان الشاذلي بن جديد، كان من أنصار يحياوي ليقود البلاد، فإذا به يتحول إلى قائد لبلاد فيها 18 مليون نسمة في ذلك الوقت، ومن سكانها يحياوي؟
ولأن الشعب كان دائما آخر من يعلم ولا يُرجع إليه أبدا، فإن الشاذلي بن جديد ظهر في جنازة هواري بومدين يذرف الدموع، وهي الصورة التي تمّ تسويقها للشعب، قبل أن يفرضوه عليه، فقد كان الجيش يرفض رجلا على شكل بومدين، هو من يحكم في الجيش، وظلت الجزائر في زمن الشاذلي بن جديد تسير إلى المجهول سياسيا، رغم الاضطرابات التي وقعت في عهده، بعضها في منطقة القبائل بعد منع محاضرة لمولود معمري تحوّلت إلى ربيع أمازيغي، وأيضا ذات الأبعاد العقائدية من أحداث بويعلي وظهور معارضة إسلامية أنبتت الجذور الأولى للإسلاميين في الجزائر، وبالرغم من أن الذين اقترحوا على الشاذلي بن جديد الرئاسة خرجوا من السلطة بين من توفى وبين من ضعفت شوكته، إلا أن الذي سحب البساط من تحت أقدامه هو جنرال تقوّى في عهد الشاذلي بن جديد، هو خالد نزار الذي أصبح المسيّر الأول لمصنع الرؤساء من نهاية عهد الشاذلي إلى غاية تسلم بوتفليقة للرئاسة، مرورا بحكم الثلاثي علي كافي ومحمد بوضياف واليمين زروال.
وحقق الشاذلي بن جديد المفاجأة، فقد تقلد الحكم وهو عسكري ابن المؤسسة، إلا أن النصف الأول من حكمه كان يوحي بأن الجزائر تسير نحو حكم مدني بالكامل، وخلع الرجل نهائيا بدلته العسكرية من أفكاره عندما زرع التعددية، وباشر بعض الانتخابات بكل ديمقراطية، ولكن طيبة الرجل غلّبت عليه بعض الجنرالات الذين كان أبرزهم على الإطلاق خالد نزار الذي سار على نفس نهج الرؤساء والزعماء السابقين، وهو التحدث باسم إنقاذ الثورة والجزائر من المخاطر الخارجية والداخلية، فتدخلوا ليس في إجبار الشاذلي بن جديد على الاستقالة فقط، وإنما أيضا في تعيين من يحكم البلاد مع الاحتفاظ بتعددية شكلية من خلال اختيار أرانب سباق للرئاسيات، وأحزاب بلغت درجة من التبعية أن تكون ضمن ائتلاف رئاسي، وهي التي تزعم المعارضة، وانتخابات شكلية بطلها وضحيتها الشعب في آن واحد، ولم يختلف الشاذلي عن بومدين في الكاريكاتير الانتخابي حيث عيّن رئيسا بنسبة تصويت بنعم ب 99,5 بالمئة في السابع من فيفري عام 1979، وتكرر نفس السيناريو بنفس النسبة في جانفي 1984، وفي انتخابات 22 ديسمبر 1988 التي أجريت بعد انتفاضة أكتوبر الشهيرة، تم تقليص نسبة نعم إلى 88,47 بالمئة فقط؟
تسارعت الأحداث منذ إشراقة فجر 1992، واقتنع الجيش بأن الحكم المدني الذي قاده الشاذلي بن جديد، والذي عرف خمس حكومات، تداول على رئاستها أحمد عبد الغاني وعبد الحميد براهيمي وقاصدي مرباح ومولود حمروش وسيد احمد غزالي، اقتنع بأنه غير قادر على الحكم من دون التدخل المباشر، وليس من خلف الستار الذي سقط في الحادي عشرة من شهر جانفي 1992 عندما أعلن التلفزيون الجزائري استقالة الشاذلي بن جديد، مقرونا بإلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإعلان حالة الطوارئ، وظهر في الساحة أولا عبد المالك بن حبيلس ثم مجلس الأمن ومن بعده المجلس الأعلى للدولة، الذي أعاد المجاهد محمد بوضياف إلى أرض الوطن من منفاه بالمغرب.
محمد بوضياف.. خمسة أشهر من الحكم فقط
قرّر الجنرال خالد نزار الذي حمل حقيبة وزارة الدفاع منذ 27 جويلية 1990 أن يقود المجلس الأعلى للدولة، فأقنع بسهولة محمد بوضياف ليجلس على أريكة المرادية، وضم إلى جانبه في هذا المجلس الجماعي، المجاهد علي كافي وهو ديبلوماسي سابق والأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، والدكتور تيجاني هدام الذي حمل حقيبتي الأوقاف والصحة، وعمل سفيرا في تونس والرياض وعميدا لمسجد باريس، والمحامي محمد علي هارون وكان وزيرا لحقوق الإنسان منذ جوان 1991.
دخل السيد محمد بوضياف من الباب الواسع، حيث استقبل مثل الأجانب بالتمر واللبن، وكان واضحا منذ البداية بأن تعيين محمد بوضياف رافقته الارتجالية، فالرجل لم يكن مدركا لحقيقة الوضع العام في الجزائر، وحتى مستقدموه لم يكونوا يعرفون الرجل جيدا، ووجد بوضياف الذي طلّق السياسة منذ تصادمه مع أحمد بن بلة، صعوبة في التأقلم مع الأوامر الفوقية والطلبات القاعدية، ورحل محمد بوضياف من دون أن يبدأ رئاسته للجزائر.
ففي الثاني والعشرين من شهر جانفي، تم إلقاء القبض على عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، بعد سجن عباسي مدني وعلي بن حاج، كما تم توقيف سبعة من القياديين للحزب المحظور، وفي التاسع من فيفري، تم إعلان حالة الحصار لمدة 12 شهرا قابلة للتمديد، وحتى رجالات الحزب المحظور، عندما تم حل المجالس البلدية التي فاز بها الفيس في أواخر شهر مارس 1992 كانوا يدركون أن لا يد للرئيس المغتال فيها، حيث تم حل 397 بلدية كانت فيها الغالبية للفيس من بين 1541 بلدية على المستوى الوطني، وعندما بدأ محمد بوضياف يدرك حقيقة ما يحيط من حوله، وبدأ جولاته الداخلية تلقى رصاصات نقلته إلى العالم الآخر في التاسع والعشرين من جوان على المباشر، وهو يلقي خطابا بدار الثقافة بعنابة، وأصيب في الحادث 41 شخصا من دون سقوط قتلى باستثناء الرئيس محمد بوضياف، وهو الاغتيال الذي اغتال الأمل الذي عاش عليه قرابة الخمسة أشهر، الملايين من الجزائريين، ورغم حكم الإعدام الذي نطقه القاضي في حق الملازم في القوات الخاصة لمبارك بومعرافي في الثاني عشرة من جويلية، إلا أن لغز استقدام بوضياف والاغتيال الذي تعرض له مازال مبهما، مع الإشارة إلى أن الإعدام في حق لمبارك بومعرافي، لم ينفذ لحد الآن بعد مرور قرابة ربع قرن من الحكم، وهو حاليا سجين في رواق الموت بسجن البليدة، ويزوره والده الطاعن في السن فقط مرة في الأسبوع؟
علي كافي.. الرئيس الذي لم يرأس
لم يجد الجنرال خالد نزار، الذي داس عل كل الدساتير والقوانين من حل سوى الدفع بالراحل علي كافي وكان عمره 64 سنة لترأس المجلس الأعلى للدولة كرئيس مؤقت للبلاد، وسارع بدوره لتعيين عبد السلام بلعيد وزيرا أولا معتمدا على خبرته وبعض الشعبية التي كان يحظى بها، رغم أن الصناديق كانت شاغرة من الأموال، بسبب انهيار أسعار النفط، وقبضة صندوق النقد الدولي والفاتورة الأمنية الباهظة الثمن، وفي أول سنة لعلي كافي في شهر جويلية تم الحكم على عباسي المدني وعلي بن حاج بالسجن النافذ لمدة 12 سنة.
صحيح أن سعر برميل النفط لم يكد يزيد عن 15 دولارا في عهد رئيس المجلس الأعلى للدولة علي كافي، ولكن هذا لا يبرر التوقف الكامل لدواليب الدولة التي تحولت إلى حكم عسكري بالكامل من دون أي نشاط مدني، ولم تكن الصحف الجزائرية وحتى العالمية تقدم غير أخبار التوقيفات والتفجيرات، إذ تم كتم صوت ثلاث صحف يومية في الثامن من أوت 1992 وهي لوماتان ولاناسيون باللغة الفرنسية، والجزائر اليوم باللغة العربية بحجة نشرها أخبارا أمنية خاطئة، وأعيدت لوماتان ولم تسمح السلطات للبقية بالعودة، ولكن الحدث الذي هزّ العالم هو تفجير مطار هواري بومدين الدولي في أواخر أوت، وأدى التفجير إلى مقتل تسعة أشخاص، وإصابة 128 من بينهم أجانب، وأصدرت المحكمة بعد فترة قصيرة من الحادث، حكم الإعدام في حق الجناة، وتم تنفيذ الإعدام بالرصاص، وهو آخر حكم إعدام نُفذ بالفعل في الجزائر، في الوقت الذي لم ينفذ الإعدام في حق قاتل محمد بوضياف. ولأن الحاكم الحقيقي في هذه الفترة هو الجنرال خالد نزار فإنه تقرر في الخامس من ديسمبر من عام 1992 إقرار حظر التجوال على الجزائر العاصمة والولايات المحيطة بها، ومع بداية العام الموالي أقرّ خالد نزار أيضا تمديد حالة الطوارئ التي تواصلت إلى غاية العام الماضي لمدة قاربت العشرين عاما، واعترفت السلطات الجزائرية بتعرض الجنرال خالد نزار في 13 فيفري لمحاولة اغتيال عبر سيارة مفخخة، ووجهت أصابع الاتهام للفيس المحل، ولم يتردد الجناح المسلح للحزب المحظور فاعترف بالعملية وتبناها.
ولم تعط سنة ونصف من القيادة الفردية للمجلس الأعلى للدولة سوى مزيد من المآسي على الشعب، فبدأ أعضاء المجلس يضغطون على خلفية الضغوطات الخارجية، على خالد نزار للبحث عن الشرعية، عبر رئيس منتخب ومؤسسات تشريعية منتخبة، وحتى الرؤساء المدنيون بعد تجربة محمد بوضياف من الذين اتصل بهم خالد نزار كانوا يرفضون، وعاد اسم عبد العزيز بوتفليقة ليطرح بقوة، ولكن في الأخير تقرر منح الرئاسة لرجل عسكري من غير المعروفين.
لم يكن من حل أمام النظام الذي قاده خالد نزار، منذ استقالة الشاذلي بن جديد سوى البحث عن رئيس وإلباسه بالشرعية، ولم يكن من حل للاطمئنان على أن لا يتكرر سيناريو الرئيس المدني، هو رئيس من قلب المؤسسة العسكرية، فجاء اختيار اليمين زروال في الفاتح من أكتوبر 1994 وكان عمره قد بلغ 57 سنة، وتم بسرعة حل المجلس الأعلى للدولة غير الشرعي الذي ضمّ الحاكم الحقيقي للجزائر الجنرال الهارب حاليا خالد نزار، ولكن تواجد ابن باتنة اليمين زروال تزلزل بهروب قرابة ألف سجين من سجن تازولت بسجن باتنة، وتم تعيين السيد مقداد سيفي، وزيرا أولَّ، لتظهر بقوة في خريف 1994 “الجيا” التي غيّرت الخارطة الأمنية وأغرقت البلاد في الدم قبل أن تلقى ضربات قوية بمقتل سايح عطية ومن بعده شريف قويسم.
وبادر اليمين زروال الاتصال بقادة الجناح العسكري للحزب المحل، رغم محاولات “الجيا” لنقل ثورتها إلى الخارج، عندما قامت في نهاية عام 1994 باختطاف طائرة مدنية في مارسيليا، ثم استهلت عام 1995 بتهديد كل السفارات المتواجدة في الجزائر بالتفجير والجحيم، وبعيدا عن النظام طار مجموعة من رجالات المعارضة، وحتى النظام ومنهم آيت احمد وعبد الله جاب الله ويحيى عبد النور إلى روما، والتقوا في 13 جانفي عام 1995 في سانت إيجيديو في محاولة لتقريب وجهات النظر، ولكن النظام لم يستحسن هذه المبادرة، وشعر بوجود فراغ سياسي كبير، فدفع الجزائريين إلى انتخابات رئاسية متعددة هي الأولى في تاريخ الجزائر، لم يشارك فيها في منافسة الرئيس اليمين زروال في 16 نوفمبر 1995 أي بعد 13 شهرا من تواجده في المرادية، سوى الراحل محفوظ نحناح وسعيد سعدي ونور الدين بوكروح كأرانب سباق، بينما قاطع الأفافاس الرئاسيات، وسجلت الانتخابات شكليا بعض النجاح، عندما اقترع أكثر من 73 بالمئة من المنتخبين، حسب الإحصاءات الرسمية، وتمّ حسمها في الدور الأول لصالح اليمين زروال بنسبة 61 بالمئة، تاركا المرتبة الثانية لمحفوظ نحناح ب25 بالمئة، وسجل سعيد سعدي 9 بالمئة وقال حينها قولته الشهير وهي أنه كان مخطئا في الشعب، وحصل نور الدين بوكروح صاحب مقولة أن الشعب الجزائري مجرد غاشي، على نسبة 3.78 بالمئة، وبعد شهر ونصف تمت الاستعانة لأول مرة بأحمد أويحيى القابع حاليا بالسجن، لقيادة حكومة جديدة، ولم يكن رئيس الأرندي بعد ذلك في ذاك الزمن، قد زاد سنه عن 43 عاما، فحاول إعطاء الصورة المدنية للحكم، فنُزع عن العاصمة حظر التجوال الليلي الذي سجن الحركة فيها ومنها وإليها.
بوتفليقة.. أطول عهدة في تاريخ الجزائر
أخيرا وبعد عشرين سنة من منعه من كرسي الرئاسة، عاد النظام للاستنجاد بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حقق حلم حياته، وصراحة فقد ورث بلدا منهكا في كل المجالات وكان عمره قد بلغ 58 سنة، وحاول النظام صنع أجواء انتخابات رئاسية ديمقراطية، في 15 أفريل 1999 عندما جمع من حول الرئيس مترشحين من الوزن الثقيل، رفضوا أن يكونوا أرانب لمرشح النظام، وقدموا أنفسهم للعالم وللجزائريين بقوة، وهم أحمد طالب الإبراهيمي وعبد الله جاب الله وآيت أحمد ومولود حمروش ومقداد سيفي والدكتور يوسف الخطيب، ولكن عريس النظام بقي لوحده في المنعرج الأخير بعد انسحاب السداسي من السباق، فبلغت نسبة المشاركة 60.25 بالمئة، وحصل بوتفليقة على نسبة 73.79 بالمئة، وأبت السلطة إلا أن تكشف أرقام بقية المترشحين المنسحبين فحصل الإبراهيمي على 12.5 بالمئة، والبقية تراوحت نسبهم بين 3.7 و1.22 بالمئة، وحتى أنصار بوتفليقة يعلمون بأن نسبة المشاركة وأرقامها كانت مزوّرة، وأول ما حققه بوتفليقة في عهدته هو جني ثمرة وئام مدني زرعه اليمين زروال ومن أحاط به، عندما وضع الجيش الإسلامي للإنقاذ سلاحه.
ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى جرّ الوئام المدني الجزائريين للانتخابات في سبتمبر 1999 حيث منح الجزائريون نسبة 98.67 بالمئة، ومع ارتفاع أسعار النفط قام الرئيس بوتفليقة على مدار عهداته الثلاث الأولى، بتسليم حقيبة الوزير الأول لخمسة وجوه جميعها حلم بمنصب الرئيس نفسه، بداية من أحمد بن بيتور في 23 ديسمبر 1999، ليمنح لعلي بن فليس في 16 أوت 2000 ذات الحقيبة، وقرّر في الخامس من ماي 2003 إعادة أحمد أويحيى للأضواء ثم تبادل هذا الأخير مع عبد العزيز بلخادم منصب الوزير الأول قبل أن يتسلم الحقيبة عبد المالك سلال، وقبل أن تصرف الدولة على مدار العهدات الثلاث للرئيس بوتفليقة التي تعتبر الأطول في تاريخ الجزائر ب15 سنة من الحكم، قرابة 800 مليار دولار في محاولات الإنعاش الاقتصادي، كانت العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة قد تميزت بثلاث كوارث، أولاها أحداث العروش في ربيع 2001 والثانية في نوفمبر 2001 في طوفان باب الوادي الذي ابتلع 751 عاصميا، والثالثة في شهر ماي 2003 في زلزال بومرداس والعاصمة الذي لم تقل خسائره المادية عن ستة ملايير دولار فضلا عن الخسائر البشرية الجسيمة.
عبد العزيز بوتفليقة لم يكن عابر أريكة المرادية كما تصوّر النظام الذي استنجد به مؤقتا، على شاكلة الثلاثي الذي مرّ على الأريكة ومكث فيها سبع سنوات فقط، من بوضياف إلى كافي إلى زروال، منذ سحب البساط من تحت قدمي الشاذلي بن جديد، حيث اختار بونفليقة الذي سيطر على الوضع، بدقة في انتخابات 2004 أرانب على المقاس كان من بينهم علي بن فليس، ثم عدّل الدستور، ودخل معه أرانب جدد في انتخابات 2009 وفي كل المناسبات كانت أرقامه كاسحة، والأدهى من ذلك أن أكبر ثلاثة أحزاب من حيث الشكل في الجزائر اتحدت في ائتلاف رئاسي غريب من نوعه، لتبايع كل برامج الرئيس حتى من دون أن تطلع عليها، هذا إن وُجد هذا البرنامج أصلا.
ومنذ أن هبّت العواصف الصحية على الرئيس السابق عبد العزيز بتفليقة، اختلفت الماكنات التي تشتغل في مصنع الرؤساء في عهدته الأخيرة، عن الماكنات السابقة، لأن 15 سنة من أحادية الحكم المطلقة خلطت الأمور، وإذا كان في السابق الترشيح ممكنا، فإن الصورة بدت ضبابية في 2014 لأن صناعة الرئيس هذه المرة كانت في حاجة إلى رأي المخبر ورأي العيادة أيضا، ومع ذلك واصل المهمة بعد أغرب حملة انتخابية تحدّث فيها الأرانب ولم يتحدث الرئيس وفاز عليهم من دون أن ينطق بكلمة واحدة بالضربة القاضية، وعلم الجزائريون بأن الرجل مقعد وغير قادر على استيعاب ما حوله وأن الذي قاد البلاد بدلا عنه رجال مال وسياسة أضاعوا البلاد وسارعوا في التسبب في اندلاع ثورة الحراك الشعبي التي أطاحت بمخططاتهم.
تبون قد يكون بداية عهد جديد
على مشارف 2020 عرفت الجزائر ثامن قائد للبلاد وضعا مختلفا بعيدا عن المخابر السرية التي كانت تصنع الرؤساء، وبالرغم من معارضة البعض وتشكيك آخرين في نسبة المشاركة في الرئاسيات التي أفرزت رئيسا ثامنا مختلفا عن البقية، إلا أن لا أحد شكك في كون الرئيس الحالي كان فائزا مستحقا، من دون تدخل القوى الخارجية من داخل ومن وراء الحدود، على أمل أن تكون الفترة القادمة أحسن من الحالية التي يلفها الشك والتي ورثت قرابة ستين سنة من العبثية في تعيين الرؤساء ومن حولهم، وأن تعود الثقة الضائعة بين القمة والقاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.