حذّر عديد المختصين في مجال رعاية وحقوق الطفولة من التعامل السلبي والعنيف مع التلاميذ بسبب النتائج الدراسية للفصل الأول التي كانت غير مرضية بالنسبة لكثير من الأولياء، مؤكدين أن التهديد والوعيد والتفنن في أساليب العقاب لا تخدم مصلحة الطفل لا من قريب ولا من بعيد. صدم عديد الأولياء أثناء استلامهم لكشوف النقاط المتعلقة بالفصل الدراسي الأول يوم الخميس الماضي، وهو ما أدخلهم في حالة حزن وغضب انعكست على أبنائهم الذين صبّوا عليهم جام غضبهم، ورغم ما تخلّل الفصل الدراسي من اضطرابات وإضرابات وعدم توفير بعض الأساتذة في بعض الأطوار التعليمية إلاّ أن ذلك لم يشفع في إيجاد أعذار أو مبررات لدى الأولياء الذين اتهموا أبناءهم بعدم المواظبة في متابعة الدروس وعدم الجد والاجتهاد. وتفنّن الآباء في أشكال التهديد والوعيد بين عقوبات نفسية ومعنوية وعقوبات مادية بحتة، بلغت أحيانا حد العنف الجسدي والتنكيل ببراءة تعثرت في أول محطة من السنة الدراسية، قابلها فرار وانعزال لبعض التلاميذ. شرفي: استقبلتنا إخطارات لأطفال مرعوبين بسبب الامتحانات في هذا السياق، أكّدت مريم شرفي رئيسة المفوضية والهيئة الوطنية لحماية الطفولة، في تصريح خصّت به الشروق اليومي، أنّ النتائج الدراسية تطرح عقب كل فصل إشكالات نفسية عميقة، حسب ما تقف عليه الهيئة من اتصالات وإخطارات في هذا الشأن. وأضافت المفوضة “تلقت الهيئة إخطارات عديدة قبيل الامتحانات من قبل تلاميذ يشتكون ضغطا دراسيا ونفسيا رهيبا وصعوبة في المراجعة والحفظ، وكانت للمختصين في الهيئة دردشة معهم لتوجيههم نحو الطرق الجيدة للمراجعة وتقليل توترهم وقلقهم”. وأضافت شرفي “لنا عديد التجارب بالنسبة لأطفال أجبرتهم النتائج السيئة على الهروب من البيت والخروج منه، للأسف بعد الإعلان عن النتائج سجلنا حالات فرار من البيت لأطفال معنفين ومرعوبين ستر الله أن عادوا إلى أحضان والديهم بعد مرور فترة قصيرة”. واسترسلت شرفي “الشارع لا يرحم وهو أكبر خطر قد يتعرض له الأطفال، لذا مهما كانت النتائج علينا أن نتصرف بحكمة ورزانة.. كلّنا نحب ونطمح لأن تكون نتائج أولادنا رائعة وفي رتب أفضل، لكن مهما تحقق من ذلك أو لم يتحقق علينا أن ندرك بأن أحلى هدية في حياتنا هي أولادنا لذا يجب عدم الضغط عليهم فنتائج الفصل الأول هي فرصة لتقييم المستوى فقط”. ونصحت المفوضة الوطنية الآباء بتجنب الضغط على أبنائهم داعية إلى الحوار المتواصل مع الأبناء والمداومة على مراجعة ومراقبة الدروس وعدم الانتظار إلى وقوع الكارثة للتحرك، فالدراسة على مدار السنة ولا يجب أن نجعل من فترة الامتحانات فترة ضغط”. وقالت أيضا “أغلب الآباء لا يعطون الوقت اللازم لأبنائهم ويتركونهم للوسائل التكنولوجية الحديثة إلى أن يحين وقت الاختبارات فيستفيق هؤلاء”. ولم تغيّب شرفي أهمية تمرير رسالة مهمّة للتلاميذ مفادها أنّ “التعليم مقدس ويجب أن يكون محببا لكي نتمكن من بناء مستقبل أفضل ويكون ذلك من خلال المداومة على المراجعة اليومية لتفادي التراكم وبالتالي الوقوع في الضغط”. قوراية: التكنولوجيا سرقت منا أولادنا والتعنيف لا يجدي من جهته أوضح أحمد قوراية المختص في علم النفس والأستاذ الجامعي الدكتور أنّ الفصل الأول بالنسبة للتلاميذ هو حالة إدراكية لتنبيه الطرفين “التلميذ والولي” في آن واحد، فهو يعرّف التلميذ بمستواه الحقيقي الذي ينبغي أن يكثف مجهوداته من أجل تحصيله التعليمي وهذا يعتبر نقطة نفسية إيجابية بالنسبة للتلميذ حيث يفهم النقطة النفسية المركزية التي ينطلق، فيعمل على اكتشاف قدرات عقلية تعليمية بإضافة مجهوده التعليمي العقلي، فنجد بعض التلاميذ حينما يفهمون مستواهم الواقعي يعملون دوما على الارتقاء إلى مستوى أعلى بدافعية نفسية في أعماقهم وصولا إلى تحقيق نتائج ايجابية أفضل وأيضا تحقيقا لرغبة الانتصار النفسية التي يغرسها في الوالدين. يشعر برسالة نفسية مشفرة معلمه بأنه يحاول أن يفهم أكثر ويتعلم أكثر وله استعداد للتعلم وهذه نقطة مهمة جدا لكي يسترجع اهتمام المعلم له وتوضيح المعارف العلمية أكثر. وبهذا تزداد الطريقة التعليمية نحو تحقيق نتائج إيجابية بالنسبة للتلاميذ ومن بعد تلقي التلميذ تنبيه نفسي من خلال الصدمة النفسية في معرفة مستواه من خلال النتائج المتحصل عليها فيبذل مجهودا إضافيا من أجل تحسين الرتبة. من جهة ثانية يعتبر الفصل الأول تنبيها مباشرا للأولياء بحيث يحمل عدة رسائل ينبغي على الأولياء فهمها بشكل جيد وإعادة الاهتمام الجدّي بأبنائهم في قضية توزيع الوقت من حيث النوم والتغذية والمراجعة لأبنائهم، كما ينبغي على الأولياء إعادة التنظيم السلوكي والنفسي لأبنائهم، وبالنسبة للأولياء الذين يجدون صعوبة في إعادة البرمجة النفسية والتعليمية لأبنائهم فهذا يرجع حسب المختص إلى عدم ضبط سلوكاتهم والتحكم فيهم، له أسبابه أيضا من بينها اختلاف التكيف المنزلي التربوي والاصطدام بتربية ثانية هي الجيران والأصدقاء كما أنه يتلقى تربية ثالثة في المحيط الثالث وهو المدرسة. ولفت قوراية الانتباه إلى “السيطرة العقلية والنفسية للتكنولوجيات الحديثة وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي التي سرقت منا أبناءنا وأدخلتهم إلى مجتمع معولم وافتراضي ومشكلات اجتماعية ومواضيع تكبر عليهم وتدخلهم في مواضيع بعد المراهقة فنجد نفسية الطفل تتجبر وتخرج عن سيطرة الوالدين وتؤول إلى سيطرة تلك المعارف فأحيانا نتحدث إلى أبنائنا فنجد عقولهم غائبة ..أجسادهم معنا ولا يفعلون ما نوجههم إليه”. ودعا المختص الأولياء إلى “الاهتمام أكثر بالتغذية العقلية والتربوية لأبنائنا وعدم التركيز على التغذية البطنية واللباس فلا بد أن نجمل عقل الطفل وسلوكه ونفسيته قدر الإمكان وأن نبعده عن بعض التكنولوجيات الحديثة التي تسرقه منا ونحن نتفرج”. كما يجب على الأولياء أيضا “الابتعاد عن التصرف اللاعقلاني الكلاسيكي والتعنيف الذي لا يقدم نتائج جيدة، بل يزيد من شحن نفوسهم فيرفضون التعلم وبذلك نحصل على نتائج عكسية تدخلهم عالم الانفرادية، فالمرافقة النفسية والعقلية الدائمة لأبنائنا ضرورية جدا إلى جانب التهذيبات السلوكية وساعات الالتصاق النفسي بين الأولياء وأبنائهم التي يجب أن تكون أكثر من الساعات العمل”.