أجمع خبراء في القانون العام أنّ دستور الجزائر الحالي تضمن عديد الاختلالات الجوهرية، خاصة ما ارتبط بمبدأ الفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينها. وقال مختصون بندوة “الشروق” حول ورشة الإصلاح الدستوري إنّ تعديل 2008 كرّس تغوّل السلطة التنفيذية على باقي السلطات، ومنح رئيس الجمهورية تحديدا موقعا مُهيمنًا، في حين تحوّل الوزير الأول إلى مجرّد منسق بين الفريق الوزاري للحكومة. واعتبر ضيوف “الشروق” أنّ الآليات الرقابية التي منحها الدستور للسلطة التشريعية على أعمال الرئيس والحكومة قد قيدتها الموانع العملية والتهديد بحلّ البرلمان، وهو ما يوجب إعادة النظر. ودعا المشاركون إلى تحقيق استقلالية السلطة القضائية فعليّا وإبعاد كافة الهيئات الاستشارية عن سلطة رئيس الجمهورية، وأن يتم انتخاب رؤسائها من بين أعضائها، حتى تؤدي دورها على أكمل وجه. من جهة أخرى، شدّد الحضور على تعزيز سلطات المجلس الدستوري ليقوم بدوره الكامل في الرقابة الدستورية على القوانين، ولم لا تعويضه بمحكمة دستورية عليا. وفي السياق، أكد الخبراء على ضرورة الاستقرار التشريعي للدستور حتى يعمّر طويلا، لأنّ التعديلات المتكررة لها تكلفة سياسية على وضع البلاد في علاقاتها الخارجيّة. من جهة أخرى، توافق عدد من المشاركين على أن عمق الأزمة الجزائرية سياسي منذ مؤتمر طرابلس في 1962، ويتعلق برأيهم بمشكلة النظام الذي لم يتغير ومثله آليات صناعة القرار، ما جعل كل الدساتير عاجزة عن تكريس الحريات، ولا خلاص حسبهم إلا بتسوية المعضلة السياسية لأن القوانين مهما سمت فلن يكون لها أثر دون إرادة حقيقية في تطبيقها، على حدّ قولهم. حذر من تغول السلطة التنفيذية.. عبد الوهاب دربال: مشكلة الجزائر سياسية منذ مؤتمر طرابلس.. والدستور وحده لن يحلها – الدساتير لم تغير النظام ولا آليات صناعة القرار في الجزائر يجزم الوزير السابق للعلاقات مع البرلمان، عبد الوهاب دربال، أن المشكل في الدساتير الجزائرية هو مشكل سياسي، وليس إشكالية نصوص، وهذا الأمر الذي يجعل كل الدساتير والإعلانات الدستورية منذ عام 1963، لا “تغير النظام ولا آليات صناعة القرار السياسي”. تناول الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، في مداخلته بفوروم “الشروق” حول ورشة تعديل الدستور التي أعلنها الرئيس عبد المجيد تبون، وكلف بها الأكاديمي أحمد لعرابة، الاختلالات الجوهرية التي تميز الدستور الحالي، وقال إنّ “الكلام عن الدستور هو كلام عن قانون سياسي، لأن الدستور ينظم الدولة عموديا –يقصد الهياكل- وأفقيا حيث يشمل الأمر الحريات”. وفضل دربال أن تكون مداخلته في شق سياسي خالص، وحسبه فالنظام الجزائري لم يولد بمعنى نظام الدولة، سواء فترة الحركة الوطنية، وحتى في مؤتمر طرابلس –عُقد من 27 ماي إلى 4 جوان 1962- وكل الدساتير في الجزائر المستقلة اعترتها نفس المشاكل، فهي لم تغير النظام ولا صياغة صناعة القرار السياسي، ويستشهد “ضيف الشروق”، لإثبات صحة فكرته بما قاله الراحل محمد الشريف مساعدية “مهما تغير أسلوب الحكم لا يتغير النظام الحاكم”. كما يؤكد دربال أن “آلية صناعة القرار بقيت واحدة”، وقدم مثالا على ذلك، عند توليه رئاسة الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، حيث كان هنالك بعض التجاوزات الواجب تحريك الدعوى العمومية بسببها، لكن النواب العامين عند إخطارهم بالوقائع لا يتحركون، دون أخذ موافقة وزير العدل، وقد تجنب ذكر اسم الوزير، بسبب أن وزير العدل هو عضو في الحكومة ومنتم لحزب له مرشحين في تلك الانتخابات. ويعطي دربال تشبيها بين مؤتمر طرابلس وندوة الوفاق الوطني لعام 1994، ومن مخرجاتها تعيين الجنرال اليامين زروال رئيسا للبلاد، فيقول “لم أحضر ندوة الوفاق الوطني، وما حصل فيها نفس ما حصل في مؤتمر طرابلس، هنالك مشكل تاريخي باق ويتمدد، هل يتم تقديم السياسي أم لا”. ويعتقد المتحدث أن دستور 2016، كان به “تطور ملحوظ”، لكن الإشكال الذي حصل أن المحاولات التي تمت كانت أسرع من التطور الذي حصل في البلاد، وهنا أكد أنه كان من الضروري حينها حل المشكلة الأساسية المتعلقة بالتوازي والتوازن بين السلطات. يتابع دربال التنبيه للخلل الواقع، فيقول “لا توازي ولا توازن بين السلطات، الملاحظ تغول سلطة على أخرى”، ويشير هنا إلى غلبة السلطة التنفيذية “لما تتغول السلطة التنفيذية يحدث انفراد بالحكم”، وبالنسبة لدربال كذلك، فلا مشكلة في الحريات والحقوق في دساتير البلاد، لكن عدم التوازن والتوازي أضر بها، والمسألة الأخرى التي أثّرت على الحقوق والحريّات، عدم وجود علاقات بين مؤسسات الدولة، حيث ضرب مثلا لمّا كان برلمانيا عن حركة النهضة في العهدة 1997/2002، وتمّ إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في التزوير الفاضح الذي شاب تشريعيات 1997 ومكنت الحزب الفتي حينها “التجمع الوطني الديمقراطي”، من الهيمنة، حيث قال إن التقرير لا يعرف مصيره ولم ينشر، بسبب عدم وجود علاقات بين مؤسسات الدولة. وعند حديثه عن شروط وظروف صياغة الدستور الجديد، يصر ضيف الشروق على موقفه السابق، “الجزائر تعيش أزمة سياسية منذ مؤتمر طرابلس، ولهذا لن يحل المشكل عبر الدستور الجديد، اعتمادا على الخبراء أم لا”، ويكرر مرة أخرى بصيغة الواثق “عندي ثقة في الأساتذة والخبراء لصياغة الدستور، لكن هل الصياغة تحل الإشكال؟ طبعا لا، والإشكال يبقى قائما”، كما ينصح دربال بفتح نقاش واسع مع الجميع، حيث يمكن لهذا الحوار أن يُظهر الأخطاء حتى يتم تلافيها. ويطرح دربال الكثير من الإشكاليات في حديثه، منها أن الكثير يربط خطأ حسبه بين النظام الاشتراكي ومرجعية بيان أول نوفمبر 1954، ويتساءل كذلك هل النظام الاجتماعي الذي نتحدث عنه يعني توزيع الريع بهذه الطريقة؟ وتحدث مازحا “نمنح عربة هاربين لشباب ليقوم ببيعها من أجل الزواج”. ومن الإشكاليات الواجب حلها كذلك وفق دربال، ما تعلق بمؤسسات الدولة، حيث يؤكد وهو يستعرض مساره المهني من برلماني فعضو في الحكومة كوزير للعلاقات مع البرلمان، وبعدها سفيرا في عدد من العواصم، وختاما بمنصب رئيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات، “ليس هنالك علاقات بين المؤسسات، بل علاقات مع الأفراد، هذه ثقافة لدى المسؤولين تؤكد وجود مشكل سياسي”، ويتابع “لا يزال في مفهومنا أن المسؤول يُخدم ولا يخدم”. الخبير الدستوري موسى بودهان: آليات الرقابة البرلمانية مقيّدة بكوابح السلطة التنفيذية تأسف الخبير الدستوري موسى بودهان خلال نزوله ضيفا على “منتدى الشروق” للتعديلات التي طالت الدستور وأفرغته من محتواه ليصبح أكثر من “كراس محاولات”، واصفا إياه ب”المنشفة” بعد ما كان يفترض أن يكون وثيقة سامية للدولة. وقال بودهان إنّ الدستور يمثل أسمى وثيقة في البلاد، لكونه عقدا يربط بين الحكام والمحكومين، ويعالج قضايا الحقوق والحريات الفردية، وهو أيضا قانون يحكم كل الأفراد والهيئات داخل المجتمع، ولفت إلى أن هذه الوثيقة عوض أن تبقى على سموها وعلوّها فقد فقدت محتواها ومعناها بسبب كثرة التعديلات التي طالتها، وصارت كما وصفها البعض مجرد “كراس محاولات”، بل تحولت -يضيف- من وثيقة سامية للدولة إلى “منشفة” للأسف، على حد وصفه. وذكر المتحدث أن بوتفليقة وخلال 14 سنة فقط من حكمه أدخل ثلاث تعديلات على الدستور وكلها تخدم مصلحته وتوجهه وأغراضه وأهدافه، وأردف “بوتفليقة فتح العهدات حتى يخلد في الحكم لا من أجل الجزائريين ومصلحتهم”، بالإضافة إلى أنه مكّن وعزز المركز الدستوري لرئيس الجمهورية، فأصبحت كل السلطات خاضعة له، فلا القضائية تمارس سلطتها ولا التشريعية، حيث من الناحية العملية كل القوانين من صلاحيات السلطة التنفيذية، إذ أن 99.99 بالمائة من التشريع بيد السلطة التنفيذية، لدرجة أن التشريع الذي كان يأتي في شكل مبادرات كلها تحيل للتنظيم من اختصاص الوزير الأول أو رئيس الجمهورية، وحتى ذلك التشريع الذي هو من صميم عمل السلطة التشريعية المتمثلة في المجلس الشعبي الوطني فهو مجرد حبر على ورق ويخضع لرئيس الجمهورية وحده، وفق كلامه. وقال المختص الدستوري إنّ الإشكاليات في الدستور المعدل سنة 2016 تكمن في الصلاحيات التي تم منحها للبرلمان، لكنها في الواقع مجرد شكليات ولا يمكن ممارستها بسبب الضوابط والصلاحيات الرقابية المنوحة للسلطة التنفيذية، لدرجة وضع قوانين رقابية تهديدية، حيث أن عدم مصادقة البرلمان على مخطط عمل الحكومة لمرتين يوجب حل البرلمان فورا، فهو يمثل سلاحا دائما وتهديدا مستمرا ضد البرلمان، فإذا لم يصادق على قوانين مشاريع الحكومة فمصيره الذهاب. وأضاف بودهان أن معظم آليات الرقابة كلجان البرلمان والأسئلة الشفوية والكتابية وبيان السياسة العامّة بقيت في فترة النظام السابق مجرد حبر على ورق تحت السلطة التنفيذية. واستغرب المتحدث لوجود 218 مادة في القانون الدستوري الجزائري وأغلبها خضعت لتعديلات ولها علاقة بقوانين أخرى، في حين أن الدستور الأمريكي يحوي 7 مواد لحد الآن ويضرب به المثل في جميع دول العالم وتابع “التعديلات التي مست الدستور أفرغته من محتواه”، كما انه يحمل بين طياته ازدواجية المهام بين رئيس الجمهورية والوزير الأول. ينبغي عرض مناقشات الدستور على القاعدة قال البرلماني السابق موسى بودهان إن النقاشات حول تعديل الدستور ينبغي أن تعرض على القاعدة مثل ما جرى في دستور 1976، حيث كانت هناك حوارات بناءة وخلاصات من قبل جميع الفاعلين في الجزائر، وتم التوصل إلى صياغة نهائية للدستور بعد استشارة القاعدة، وتابع “اليوم تم فرض محاور من فوق لمناقشتها في ظرف 60 يوما من قبل لجنة خبراء”، وأردف “نتمنى أن يعرض لاحقا للنقاش على أوسع نطاق ليشارك فيه كل المعنيين”. وكشف أستاذ القانون الدستوري عن وجود تناقض في مواد الدستور الحالي وعدد كبير من القوانين العضويّة، مشيرا إلى عدم استقلالية القضاء، وطبيعة نظام الحكم، فضلا عن حماية الدستور من قبل المجلس الدستوري وحده، وبالتالي لا يبقى بقدسيته ومكانته المنوطة له. رئيس الجمهورية لا يحمي الدستور كما دعا الخبير الدستوري موسى بودهان إلى ضرورة حماية الدستور وإسناد هذه المهمة للمجلس الدستوري لا إلى رئيس الجمهورية، ولفت إلى أن الدستور الحالي تم اغتصابه أكثر من مرة عن طريق التعديلات التي طرأت عليه. وأضاف أنه لا يمكن أن يبقى الدستور تحت حماية رئيس الجمهورية الذي يقوم هو نفسه بالتعدي عليه، ليعلق قائلا “هل حراميها يمكن أن يكون هو حاميها”، واعتبر الخبير الدستوري أن انعدام آليات الحماية الفعلية للدستور تسبب في انتشار الفساد وانعدام آليات الرقابة، ومن هذا المنطلق ينبغي –حسبه – منح الحماية حصريّا للمجلس الدستوري مع تعزيز صلاحياته في هذا الجانب. وشدد بودهان على ضرورة الفصل بين السلطات وتعزيز كل سلطة على حدى، والحد من هيمنة رئيس الجمهورية عليها، مع الفصل بين القوانين المختلفة والدستور، خاصة أن هناك تداخلا وامتزاجا بين العديد منها. الخبير القانوني مولود بن ناصف: يجب التأسيس لدستور لا يزول بزوال الأنظمة قال أستاذ القانون الإداري بجامعة الجزائر مولود بن ناصف في ندوة الشروق حول مشروع تعديل الدستور، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إنه ينبغي العمل على التشريع لدستور قوي يعمّر طويلا لا يزول بزوال الأنظمة، ويمثل الصورة الحقيقية للجزائر، ليكون “دستور قانون” لا “دستور برنامج الرئيس”. وشرح الخبير الدستوري أهم الاختلالات التي اكتنفت الدستور الحالي وما سبقه من دساتير، والتي مثلت أوجها للطعن خلال السنوات الأخيرة وستكون اللبنة الأولى -يضيف- للتعديل الدستوري المزمع إجراؤه خلال الثلاثة أشهر القادمة، من أجل الاتفاق على دستور جامع يعمر طويلا ولا يطاله التعديل والتغيير في كل مرة ومع كل نظام جديد. وتأسف بن ناصف لكون الدساتير الجزائرية وعلى مر السنين أضحت مثل القوانين العضوية لا تدوم طويلا وكل مرة يمسها التعديل لدرجة أن عددا من القوانين العضوية في الجزائر عمرت أكثر من الدستور، مذكرا بدستور 1963 وإلى غاية دستور 1989 والذي قال عنه إنه أحسن الدساتير الجزائرية باعتباره منح نقلة نوعية لدستور القانون بعدما عبَرت الدساتير التي قبله عن مضمون إيديولوجي بحت. وذهب بن ناصف إلى حد القول إن الدستور الجزائري الحالي ما هو إلا واجهة لبرنامج رئيس الجمهورية، وتأسف لعدم منح السلطة للحكومة وتفعيل الرقابة لمحاسبتها، ليعتبر المتحدث أن وثيقة الدستور بهذه المعايير والمقاييس ما هي إلا نموذج عن “دستور جامد” وبيد شخص واحد فقط يتحكم فيه كما يريد ويشاء، فالتعديل-يقول- من حق رئيس الجمهورية والتشريع من حقه وكل السلطات الموجودة تحت إمرته، وأضاف “لم نر ولا مرة في حياتنا أن البرلمان بادر لتعديل الدستور أو تشريع قانون ما”. وأردف “في كل الحالات الدستور هو عبارة عن تشريع”، وتابع “للأسف على مدار سنوات كل الإجراءات لتشريع الدستور تمت بطريقة انفرادية دون الرجوع للاستفتاء الشعبي”. وتأسف الخبير لما آل إليه الدستور الجزائري والذي يعتبر أسمى وثيقة في الدولة ليصبح بنظر الجزائريين مجرد “كراس محاولات”، وأضاف “حان الوقت ليسترجع الدستور هيبته لأنه هو من يعطي الصورة الحقيقية عن البلد باعتباره المرآة العاكسة للشعوب”. السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية مبالغ فيها أكد منسق المندوبية الولائية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بالعاصمة مولود بن ناصف على أنه آن الأوان لزوال هيمنة السلطة التنفيذية التي فرضتها الدساتير السابقة على السلطات التشريعية والقضائية وآخرها دستور 2016 الذي كرس هذه الهيمنة ومنحها لرئيس الجمهورية وحده بصفته القاضي الأول في البلاد والمشرع الأول بقوة الأوامر. وقال بن ناصف أن مدة شهرين التي أقرها الرئيس غير كافية لإعداد دستور بشكل جيد بعد حراك شعبي دام مدة عام كامل، مشيرا إلى أن أهم رهان للدستور الجديد يتمثل في فصل السلطات وزوال الهيمنة الممنوحة لرئيس الجمهورية وتفرده بكل السلطات وجعله المشرع الوحيد عن طريق الأوامر الرئاسية، ليصرح ” ينبغي أن تزول الهيمنة وأن تكرس نظرية العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم”. وأوضح الخبير الدستوري أن مسألة السلطة التنظيمية الممنوحة لرئيس الجمهورية جعلت الدستور أوسع بكثير من القانون، وطالب المتحدث بضرورة إعطاء قيمة أكثر للسلطة التشريعية من خلال تفعيل دور المجلس الشعبي الوطني في التعديل الجديد الذي سيعرض قريبا على الاستفتاء الشعبي. وتساءل المتحدث إن كانت هناك إرادة حقيقية وصادقة حتى يتمكن الشعب الجزائري من اختيار من يمثله وتكون بيده سلطة محاسبته إن أخطأ، واعترف بن ناصف أن الحل في الأخير سيكون سياسيا أكبر من كونه مجرد تشريع قانوني. من الضروري إبعاد المؤسسات الاستشارية عن سلطة الرئيس أكد أستاذ القانون الدستوري مولود بن ناصف على أهمية تحديد الثوابت وحصرها في الدستور الجديد، خاصة أن التعديلات التي مست دستوري 2008 و2016 ميعت قيمة ومعيار المواد التي تدخل ضمن الثوابت، مستدلا بما قام به الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والذي قال إنه لما أحس بقرب نهايته قام بتعديل الدستور وجعل تحديد عهدة الرئيس من الثوابت، في حين أن الثوابت والتي لا يختلف عليها اثنان هي واضحة، والتي تتعلق – حسبه – بالدين الإسلامي والعلم والنشيد الوطني وبيان أول نوفمبر واللغة. وطالب المتحدث بإبعاد المؤسسات الاستشارية عن سلطة رئيس الجمهورية لتقوم بدورها الفعال المنوط بها، حيث يفترض أن يكون رئيس هذه الهيئات منتخبا، على غرار الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرها من الهيئات التي لا يمكنها أداء مهامها في ظل اختيار مسؤوليها من قبل الرئيس. أستاذ القانون الدستوري بجامعة البليدة جمال بن سالم: مهلة شهرين غير كافية لإعداد مسودة دستور يدوم لعقود – وجب منح القضاة مهمة النظر في قضايا الحريات من جهته، أكد أستاذ القانون الدستوري بجامعية البليدة، جمال بن سالم، أن ديباجة الدستور هي جزء مهم في الدستور، لأنها مجملة من الأفكار القيمية التوجيهية الموزعة على مواد تقنية، ولابد من تفادي التناقض بين الديباجة والوثيقة الدستورية، لأن لها درجة كبيرة من الأهمية. وأضاف بن سالم في “فوروم الشروق” بأن الديباجة تعتبر “قاعدة إسناد في الدستور ولأعضاء المجلس الدستوري”، لأن الدستور منقسم إلى قواعد فقهية وأخرى ذات طابع إجرائي. وبالتالي لابد من إعطاء لجنة الخبراء التي تعكف حاليا على جمع مقترحات تعديل الدستور “الوقت الكافي للعمل، لأن مهلة شهرين قليلة”. وأكد الخبير أن دستور 2016، والذي كان مهما، تمت الموافقة عليه عن طريق البرلمان بغرفتيه، بينما دستور 1996 في عهد الرئيس اليامين زروال تضمن مواد معيارية تم تبنيها عن طريق استفتاء شعبي، وبالتالي “كان الأصلح أن يعدل ما تمّ التأسيس له عن طريق استفتاء أيضا عن طريق استفتاء”. وطرح بن سالم مشكلة “التضخم في النصوص الدستورية”، وحسب قوله “المادة الدستورية لابد وأن تكون ذات سمو، وبالتالي 218 مادة في الدستور الحالي كثير جدا، فبعض النصوص فيه تداخلت مع القانون العضوي، على غرار مثلا مواد التجوال السياسي، والتقاضي على درجتين”، ليعتبر أن المهمة الحقيقية للمجلس الدستوري هي النظر في جوهر الدستور فقط. وأشار المتحدث إلى التوافق على اختيار نمط الحكم، وحتى نمط الحكم الاقتصادي، مثلا دولة اجتماعية أو حداثية، ليأتي بعده دور الخبراء في إفراغ هذا التوافق في نص قانوني. وتطرق الأكاديمي لإشكالية العلاقة بين السلطة والحرية، حيث قال “يوجد صراع بين متطلبات السلطة وعوامل التطلع إلى الحرية، وعلينا الفصل بينها بإيجاد آليات، وهو ما يحيلنا بالضرورة إلى استقلالية القضاء، وإعادة النظر في المجلس الأعلى للقضاء، ودور وزارة العدل”. ذلك أنّ القاضي، حسب بن سالم، لابد وأن نمنحه مهمة “النظر في قضايا الحقوق والحريات للمواطن، على غرار ما هو موجود مثلا في أمريكا”. وساند المتحدث الطرح القائل بضرورة تعويض المجلس الدستوري بمحكمة دستورية، تفصل في مسائل ضبط السلطات، كما دعا إلى ضرورة التركيز على مهام القضاء المالي، والمتمثل حاليا في مجلس المحاسبة، والذي يراقب الإنفاق العام. في حين اعتبر ضيف “فوروم الشروق” آليات الرقابة الحالية، أنها “ولدت ميتة” وشرح، مثلا لو يرفض البرلمان مخطط عمل الحكومة لأكثر من مرة، فإن المجلس الشعبي الوطني، سيحل تلقائيا. ولفت إلى مسألة أخرى ذات صلة، وهي وجود برنامجين يثيران تنازع الشرعيّات، وهما برنامج رئيس الجمهورية المزكى من الشعب، وغير القابل للنقاش، ويقابله مخطط عمل الحكومة والذي يعرض على شرعية البرلمان الممثل للشعب، وهو “ما اعتبره تناطح شرعيات وبدعة” على حدّ قوله. واعتبر أن المادة 142 من الدستور التي تتحدث عن التسريع بأوامر “أخرجتنا عن الشرعية”، ليرد عليه علاوة العايب بالقول “في التشريع بالأوامر لابد من مراعاة ظرف الاستعجال”. وختم بن سالم مداخلته بالحديث عن غياب ممارسة “العرف الدستوري في صناعة القاعدة الدستورية”، فقال “بعض رؤساء العالم يسنون عرفا دستوريا، يتحول لاحقا إلى قاعدة دستورية، وهو ما يغيب عندنا”. لجنة الخبراء ستكتب مسودة الدستور بالفرنسية! تأسف أستاذ القانون الدستوري بجامعة البليدة جمال بن سالم لاقتران مشاكل الدستور في الجزائر بالمشاكل السياسية، وهو ما يجعل “الأزمة عميقة”، داعيا إلى ضرورة إدراج مواد لا تسمح بتعديل الدستور إلا بعد مدة زمنية معينة، ولا يمر إلا عبر استفتاء شعبي. كما أكد، وحسب أخبار بلغته، أن لجنة الخبراء المكلفة من الرئيس تبون لوضع مسودة أفكار الدستور الجديد تقوم بكتابته باللغة الفرنسية، ليترجم لاحقا، حيث قال “اللغة العربية ثرية جدا بمصطلحاتها، كما أن النص الدستوري لا يأتي هكذا سَبهْللاَ، بل هو وليد بيئته، فبعض الأحيان عدم التحكم في المصطلح الدستوري سيؤدي إلى كثرة التأويلات وتجر المجلس الدستوري ليصبح مشرعا إضافيا ويعطي شرحا وتفسيرا”. أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر علاوة العايب: الجزائر بحاجة إلى دستور يعمّر على الأقلّ 50 إلى 70 سنة – المناداة بنظام برلماني أو شبه رئاسي ليس بالأمر الهيّن أكّد أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر، علاوة العايب، أن المُتفق عليه بين جميع الأطياف السياسية والتاريخية، أن الدّستور “وثيقة سياسية” قبل أن تكون قانونية، وأن الدساتير في الجزائر كانت وليدة أزمات مرتبطة بظروف معينة. والدليل، حسبه، أن كل رئيس عرفته الجزائر “جاء بدستور جديد”، ليتساءل بالقول “هل هذه مجرد صدفة، أم عملية محسوب لها؟”. وهو ما جعل العايب يدعو لوضع حد لمثل هذه الممارسات، التي تسببت في طغيان سلطة على سلطة. واعتبر ضيف “فوروم الشروق”، أن أكبر إشكال عرفه تعديل الدستور لعام 2008، أنه تم تمريره عن طريق البرلمان وليس الاستفتاء الشعبي، وفيه تحولت السلطة التنفيذية التي كانت برأسين، إلى رأس واحدة ممثلة في رئيس الجمهورية، بينما تحول الوزير الأول إلى مجرد منسق بين الوزراء، رغم أنه مسؤول “كما كرّس الدستور حينها عدم الانسجام بين السلطات”. ومع ذلك، أكد المُتحدّث، أن “نصوص الدساتير الجزائرية متقدمة جدا من حيث المبادئ الأساسية التي قامت عليها، لكن الإشكال هو في الثقافة العملية، إذ ليس لدينا ثقافة الدستور” على حد تعبيره، ليعطي مثالا بالمواطن الأمريكي والذي يحفظ مواد دستوره عن ظهر قلب. والغريب، يضيف، المتحدث أن “جميع الدساتير الجزائرية متشابهة، ومع ذلك يتمٌّ تغييرها كل مرة”. وبالتالي ما نحتاجه حاليا، من خلال سعي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى تعديل الدستور الحالي “هو أن يكون الدستور الجديد عبارة عن وثيقة تتضمن ماضي وحاضر الجزائر، كما تكون وثيقة سياسية استشرافية، تدوم على الأقل 50 إلى 70 سنة”. والتغيير الدوري لدساتيرنا وعدم استقرارها، حسب العايب “هو مُنفّر لعلاقاتنا الدولية، وعلى مُناخ الاستثمار، رغم أننا بلد مُستقر، لكن الدول الأخرى ترى غير ذلك”. واستغرب المتحدث من الأصوات المٌنادية باعتماد نظام برلماني أو شبه رئاسي بالجزائر، فقال “المسألة ليست هيّنة ولا تأتي بجرّة قلم”. وسرد حقيقة إقرار النظام شبه الرئاسي بالبلاد، وحسبه، هذا النظام أقره الجنرال الفرنسي ديغول في عام 1958، عندما حاول منح نفسه صلاحيات أوسع لمواجهة ثورة الجزائر. وأكد أن النظام الجزائري أخذ من الاثنين “فصلاحيات النظام البرلماني موجودة عن طريق الرقابة والتشريع”. أما من الناحية العملية، يضيف العايب “لا يوجد لدينا توازن بين السلطات، فالسلطة التنفيذية طاغية على السلطتين التشريعية والقضائية، وبالتالي ما نحتاجه هو امتلاك ثقافة استقلالية السلطات، كما أن مبدأ استشارة الأغلبية البرلمانية خلال اختيار أعضاء الحكومة ليس واضحا في الدستور، لأنه لم يوضح ماهية هذه الأغلبية، فهل هي الحزب المهيمن على البرلمان، أم أحزاب الائتلاف، وهل الاستشارة ملزمة للرئيس أم لا؟”. والدليل حسب الأمين العام السابق لمجلس الأمة، هو تلقي بعض القضاة في الماضي القريب لتعليمات مباشرة غالبا من رئيس الجمهورية، وهو ما يلزم الرئيس الجديد بضرورة “مراجعة صلاحيات كل من المجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الدستوري”، معتبرا أن ما تحتاجه الجزائر فعلا هو وجود “محكمة دستورية لتعويض المجلس الدستوري”. زروال حاول القطيعة مع الشرعية الثورية وفشل من جهة أخرى، كرّر أستاذ القانون العام علاوة العايب أن مشكل الدساتير في الجزائر هو “سياسي محض”، وقال “المشكل السياسي في الجزائر تحول من خلال محطات تاريخية إلى ثقافة منذ مؤتمر الصومام”. واستشهد المتحدث بمقولة الشهيد زيغود يوسف آنذاك “بأن الاستقلال أنجيبوه والثورة يا من عاش”، وبعدها إعدام عبان رمضان، ثم حرب الإخوة الرفاق صيف 1962، وما وصفه حينها ب”اغتصاب السلطة”، ومن حينها لا يزال الحكم في بلادنا قائما حول الشرعية الثورية. وفي دستور 1996، حسب المتحدث، حاول ليامين زروال إحداث قطيعة مع الشرعية الثورية والرجوع إلى الشرعية الشعبية المبنية على الكفاءة، من خلال غلق العهدات الرئاسية مثلا، لكنّ الأمر فشل. وهذا المشكل السياسي حسبه “أعطى القوة لمن يأخذ السلطة”، وأضاف أنه في ثقافتنا حتى الأحزاب السياسية تنسب إلى مؤسسيها، وعندما يغيب مؤسسها يندثر الحزب، وهذا مشكل عميق جدا تحول إلى ثقافة في جانبها السلبي وإلى مشكل سياسي بامتياز، وبالتالي علينا فتح مُشاروات سياسية واسعة ومع جميع الأطراف، على حد قوله. وأكّد المتحدث على أن دساتير الجزائر ومن الناحية التقنية والفنية هي من أحسن القوانين عالميا ولكن المشكلة في سوء النية، لأنّ واضع النص ليس مقتنعا به، على حد تعبيره. قانون المُحاصصة يسيء إلى المرأة الجزائرية انتقد الأكاديمي علاوة العايب قانون ترقية المرأة الصادر في 2012 الذي كرس حسبه نظام المُحاصصة، معتبرا أن جميع دساتيرنا تضمّنت مبدأ المساواة بين الجنسين، وبالتالي هذا القانون “غير دستوري”، حسب تعبيره. وتأسف العايب، كون موضوع منح المرأة كوطة في المجالس المنتخبة “أساء إليها أكثر مما نفعها، والدليل ما بات يعرف ببرلمان الحفافات”، وتابع “شئنا أم أبينا، الثقافة الذكورية مهيمنة على مجتمعنا، وخير دليل الصعوبة التي تجدها الأحزاب في البحث عن نساء مُترشحات للانتخابات، مع إظهار صورهن للرأي العام”. الأحكام الاقتصادية متغيرة ولا يمكن إدراجها في الدستور من جهة أخرى، خالف علاوة العايب اقتراح الأكاديمي جمال بن سالم في موضوع إدراج نمط الحكم الاقتصادي في الدستور، وحسب قوله “مهمة السلطة كانت واضحة في بيان أول نوفمبر، لكن أن يتضمن الدستور أحكاما اقتصادية فهو أمر غير مجد، لأن الأحكام الاقتصادية قابلة للتغير مع الزمن وبسرعة أيضا، وحتى الدول الأخرى لم تضمّن دساتيرها أحكاما اقتصادية”.