الجميع، بولاية تبسةوبالجزائر وفي كثير من الدول لا يغيب عنهم هذا الإسم »رشيد رمدة« إسم ذاع صيته خارج حدود الوطن، وظل لسنوات متصدر كبريات الصحف الأجنبية وحتى الفضائيات التي حولت هذا الإسم (غير المعروف) إلى شخص صنع الحدث، ليس بابتكاراته واختراعاته أو منافسته لرئيس دولة ما في كرسي الرئاسية وإنما بسبب اتهامه المباشر في تفجيرات ميترو باريس الشهيرة سنة 1995 ولكن الرأي العام وأغلبهم يجهلون حقيقة هذه الشخصة وتكوينها وعلاقة أسرته به أيام وجوده هنا بالجزائر وبعد مغادرته أرض الوطن ثم بعد وقوع الحادثة والتي اتهم فيها (رشيد رمدة) اتهاما رئيسيا. قصة رشيد تبدأ من مسقط رأسه بالعقلة، دائرة الشريعة سابقا، حيث ولد بالعقلة (80 كلم غرب تبسة) سنة 1969، تربى وترعرع بالشريعة (45 كلم غرب تبسة) في أحضان والديه (علي وفاطمة) هو الأخ الأوسط لثلاثة إخوة قبله وثلاثة بعده، وعلى غرار بقية أفراد الأسرة تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة الحي الجديد بالشريعة ثم التعليم المتوسط بالمتوسطة القديمة ليتنقل في المرحلة الثانوية إلى متقن الشريعة، حيث شهد الكثير ممن سألتهم الشروق أنه كان ذكيا في الدراسة وكان متمكنا من دراسته ويميل كثيرا إلى اللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية ومع ذلك لم يفلح رشيد في الحصول على شهادة البكالوريا، ليبقى مترددا عن الوجهة التي سيتوجهها، إما مواصلة الدراسة أو مساعدة والده تاجر العقاقير. وحسب الأخ الأكبر محمد رمدة، الذي استقبل الشروق بمدينة الشريعة قرابة الثلاث ساعات، فإن رشيد بعد اجتيازه امتحان البكالوريا ونظرا لعدم حصوله على البكالوريا بقي يعمل مع الوالد في المحل التجاري وكان أكثر الإخوة اندماجا مع أفراد المجتمع، فكان اجتماعيا إلى أبعد الحدود محافظا على صلواته متخلقا بالأخلاق الحسنة مما أكسبه احترام ومحبة الجميع ولكنه لم يكن مرتبطا بأي تنظيم أو حركة إسلامية سواء بمدينة الشريعة أو خارجها، وكان من حين لآخر يحبذ ممارسة رياضة الكاراتي، أو الشطرنج، إلا أنه كان من حين لآخر يتحدث عن التحصيل العلمي ومواصلة مسيرته العلمية خاصة اللغات التي كانت تسير في عروقه وهو ما دفعه كما يقول أخوه محمد أن يتخذ قرارا بالخروج من الجزائر إلى انجلترا، إلا أن صعوبة حصوله على التأشيرة دفعت به إلى التفكير في الخروج من جهة أخرى غير الجزائر، فكانت وجهته الأولى سنة 1988 تونس حيث مكث بها قرابة الشهر وبعدها رحل إلى المملكة العربية السعودية معتقدا أن من وصل إلى السعودية يتيسر عليه الأمر الوصول إلى بريطانيا، لكن الدخول إلى السعودية ليس كالخروج منها كان الجو مريحا ونفحات إيمانية لا تشجع على الخروج بسرعة وعلى الرغم من ذلك حسب محمد رمدة الذي كان من حين لآخر في اتصال بأخيه رشيد أنه مايزال يرغب في التوجه إلى بريطانيا ومواصلة دراسته، لكن الدخول إلى بريطانيا عن طريق السعودية كان جد صعبا لأسباب كثيرة أبرزها ضلوع السعوديين ومساعدتهم للأفغان في حربهم ضد السوفيات، إلا أن هناك اعتقاد من طرف (رشيدة رمدة) أنه من وصل إلى أفغانستان يمكن له الوصول إلى أوربا ومن ثمة الدخول إلى بريطانيا، فاتخذ قرارا بالتوجه إلى أفغانستان بعد مكوثه بالسعودية قرابة 05 أشهر فكانت المحطة الأولى باكستان، ومن باكستان تنقل إلى بيشاور حيث عمل بإحدى المنظمات الخاصة بالإغاثة لصالح الأفغان، وفي هذا الإطار أكد محدث الشروق الذي كان في وضع جد حزين ومتألما على غرار بقية أفراد الأسرة، أن أخاه رشيد لم يحمل طيلة فترة تواجده بأفغانستان السلاح ولم تكن له أي علاقة مع أي تنظيم كان، سوى عمله الإنساني والذي كان يسعى من خلاله إلى ربط علاقات للوصول إلى بريطانيا، وبالفعل كما قال تمكن من الدخول إلى بريطانيا حيث بمجرد وصوله إلى بلد الجن والملائكة اتصل بأبويه وإخوته، مشيرا إليهم بتحقيق حلمه وأنه سيبدأ العمل لضمان قوته ثم الدخول إلى إحدى المؤسسات التعليمية لمواصلة دراسته، وكان ذلك سنة 1992 وبقي مداوم الاتصال بأهله حسب أخيه، متمنيا للجزائر الخروج من محنتها، خاصة وأن الأحداث الأليمة بدأت تتسارع وتتشابك ما بعد سنة 1992 إلى غاية وقوع ما لم يكن في الحسبان وبقي اللبيب حيرانا. المؤشر البياني تغير رأسا على عقب، أفراد الأسرة كانوا أمام شاشة التلفاز لتتبع آخر الأخبار والمستجدات الوطنية والدولية، وهي طبيعة أغلبية سكان مدينة الشريعة الذين لا يريدون أن يفوتهم شيء مما يحدث وطنيا أو عالميا ليتفاجأ الجميع وعلى رأسهم عائلة رمدة بإلقاء القبض على »رشيد رمدة« الذي كان متوجها إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي لتسوية وضعيته الاجتماعية من طرف الشرطة البريطانية التي وجهت له مباشرة مسؤولية تفجيرات ميترو باريس دون أي تحقيق أو التعمق في التحقيق القضائي، والغريب من كل هذا، كما قال محدث الشروق، أن حتى الجرائد الجزائرية انساقت وراء الاتهام واقتنعت بأن رشيد رمدة هو فعلا المجرم والجاني والمفجر الرئيسي لميترو باريس دون أن يكون لها أي دليل على غرار الشرطة البريطانية التي وضعت رشيد بالسجن لمدة سنتين دون أن يعرف مصيره أي شخص وانقطعت كل الأخبار عن أخينا الذي تألمنا لمصيبته كثيرا وخاصة الوالد والوالدة اللذين أصيبا بأمراض مزمنة مازالا إلى يومنا يعانيان منها. وقد اعتقدت العائلة بأن ابنها رشيد قد انتقل إلى العالم الآخر لضخامة الحادث والهالة الإعلامية التي صاحبته، إلا أن خيط الأمل بقي لدى الأخ الأكبر قائما حيث في سنة 1997 تمكن من الوصول إلى معلومة مفادها أن هناك محامية بريطانية تدعى »قريت بياس« مكلفة بمتابعة الملف وبعد جهود كبيرة يتمكن محمد رمدة من العثور على هاتف المحامية، حيث اتصل بها مباشرة وقدم نفسه ملتمسا منها أن تخبره عن أحوال أخيه رشيد، حيث أخبرته بأنه موجود بسجن في بريطانيا وهو على قيد الحياة، وقد ترجاها أن تقدم هاتفه إلى أخيه المعتقل ليتحدث معه ولو دقيقة واحدة، وبعد تحريات الأمن البريطاني عن الهاتف تم تسليمه إلى رشيد الذي اتصل بي كما قال وأخبرني بأنه موجود بسجن بلمارش الموجود غرب العاصمة البريطانية لندن وهو في زنزانة انفرادية يقاسي ويتألم وذاق كل أنواع التعذيب، وقد أكد رشيد من خلال المكالمة لأخيه »أنه تم توقيفي من قبل الأمن البريطاني ولفقوا لي تهمة لا علاقة لي بها لا من قريب ولا من بعيد... إنهم أوقفوني لأني عربي ومسلم ومن الجزائر وقد استغلوا الأحداث التي تمر بها الجزائر لتلفيق التهمة ضدي، وهذا دلالة على أن السلطات الأمنية البريطانية لما عجزت على توقيف المعنيين الحقيقيين بالتفجيرات، ولكي تغطي العجز أمام الرأي العام، لم يجدوا من يوقفوه إلا أنا!؟« وهنا لم يجد محمد رمدة إلا أن يطلب من أخيه الصبر ويؤكد له بأن كل أفراد العائلة واقفة معه وسوف يبذلون جهودا كبيرة من أجل إطلاق سراحه من خلال تكليف محامين والاتصال بالجهات الجزائرية للتدخل في القضية. وقبل أن تنتهي المكالمة أضاف رشيد رمدة لأخيه، بأن السلطات البريطانية أوقفني بناء على أن اسمي هو: (إلياس أبو فارس) فلا علاقة لي بهذا الاسم نهائيا، فأنا اسمي رشيد وليست لي أي كنية سواء ببريطانيا أو قبلها في السعودية أو بأفغانستان، والأغرب من كل ذلك أنهم نسبوا لي مسؤولية تفجيرات مطار هواري بومدين وكل الأعمال الإرهابية التي حصلت في الجزائر، وهذا رغم أني خرجت من الجزائر سنة 1988 ولا أعرف أحدا من الجزائريين وهذا ادعاء وباطل وظلم لي وأرادوا تلطيخ اسمي لدى السلطات الجزائرية لكي لا تدافع عني على أساس أنني مجرم وضد وطني«. وأمام هذه التصريحات لأخيه محمد دفعت هذا الأخير لرفع التحدي للجميع بأن يثبتوا ضد أخيه أي انتماء مع الفيس أو الجيا أو الأيياس أو أي تنظيم مسلح في الجزائر أو خارجه، بل على الجهات الرسمية أن تطّلع على شهادة السوابق العدلية للمتهم بل وبإمكان أي جهة أن تحقق مع التائبين والقياديين من مختلف التيارات الإسلامية من وجود أي علاقة لأخي بهم، فالأكيد أن أخي لا يعرف أي شخص في الجزائر من التنظيمات المسلحة أو حتى غير المسلحة، وكل ما في الأمر أنه كان مصليا وخلوقا وعلاقته طيبة مع كل الناس. وفي الوقت الذي كنا ننتظر قال محمد أن يفرج عن أخي وكانت قناعتنا كبيرة في عدالة القضاء الأوروبي، إلا أنه سلم بتاريخ 01 / 02 / 2005 إلى السلطات الفرنسية وفي ملفه التهمة المذكورة ومما نأسف له كما قال أني حرمت من الذهاب إلى أخي ببريطانيا رغم المحاولات الكبيرة التي بذلتها للحصول على التأشيرة حيث قدمت 15 مرة طلبا لكنها رفضت جميعا وهذا رغم القوانين والأعراف الدولية التي توصي بالسمح إلى أقارب السجين بزيارة المسجون في أي مكان كان. وفي الوقت الذي كنا نعتقد كعائلة رمدة بالشريعة يقول محمد بأن الأمر سيكون سهلا للاتصال بأخينا رشيد هاتفيا أو بالرسائل أو حتى على المباشر، إلا أن كل ذلك لم يتم منذ أن تم تحويله إلى فرنسا في 01 / 12 / 2005 وقد كتب إلينا رشيد رسالة مؤرخة في 30 / 12 / 2005 لتصل إلينا في شهر ماي 2007 (بعد سنتين تقريبا). وعلى الرغم من محاولات الاتصال حتى بالمحامي الفرنسي (هيئة الدفاع) الأستاذ »بارب ڤيوم« من طرف أفراد العائلة عدة مرات، إلا أن كل المحاولات لم تثمر بأي اتصال ليصدر حكما قضائيا ضد رشيد من طرف القضاء الفرنسي يدين رشيد ب10 سنوات سجنا نافذا. وما زاد في حسرة العائلة أنهم حاولوا أكثر من مرة الدخول إلى فرنسا لكنهم حرموا رغم أن كل الوثائق التي كشفها محمد رمدة سليمة وتجيز له الدخول للاطلاع على أحوال أخيه، فأين هي العدالة وأين حقوق الإنسان التي تعلنها فرنسا كما قال محمد منتقدا السياسة الفرنسية في التعامل مع ملف أخيه الذي حرم من الحق في الدفاع وحرم من حق الزيارة لأهله وحرم من أبسط الحقوق الإنسانية في السجن ولم يستفد إلا من الطعن في الحكم الصادر ب10 سنوات حيث سيكون الاستئناف خلال شهر أكتوبر المقبل 2007 وهي فرصة كما قال ممثل العائلة في التحدث لمنظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية للتدخل لتبرئة ساحة أخي المتهم ظلما وعدوانا، وهي مناسبة كذلك لكل وسائل الإعلام خاصة الوطنية للوقوف وقفة حتى في قضية مظلوم لا دخل له في أي عمل إرهابي سواء بالجزائر أو خارجه وهي خطوة لوزير العدل ليتخذ موقفا والتحرك لإنقاذ شاب جزائري ظلم خارج وطنه وبعيدا عن داره، وقبل كل هذا وذاك هي التفاتة وموقف سيسجله التاريخ ويشهد عليه الجميع من أعلى سلطة إن تدخلت لعتق رجل لا ذنب له إلا أنه جزائري وعربي، لا قاضي يدافع عنه ولا محام تحرك لصالحه ولا صوت أنصفه إلا القاضي الأول في الجزائر وصاحب الصوت العالي والمحامي الأول السيد رئيس الجمهورية الذي أنقذ الآلاف وأنزلهم من الجبل، فكيف لا ينقذ رجلا لا دليل عن تهمة وجهت له، كما قال محمد رمدة، الذي ودع الشروق بحزن كبير وآلام لا مثيل لها، حزنا وتألما على رجل مازال يعيش في دهاليز سجن فرنسا لوقت غير معلوم. مبعوث الشروق: بلقاسم دريد