وضعية إنسانية بائسة تلك التي تعيشها عشرات الأمهات في ولاية وهران منذ رمضان الفارط، وبالضبط منذ ليلته الثالثة التي عرفت خروج أبنائهن للبحث عن منفذ إلى اسبانيا، فأصبحن منذ ذلك التاريخ المشؤوم يعرفن بلقب "أمهات الحراقة المفقودين"..وضع لم تستوعبه بعد السلطات المحلية فأدارت ظهرها لبكاء هؤلاء الأمهات وأنّاتهن المتواصلة بحثا عن بصيص أمل لم يأت بعد. الثالث من شهر رمضان الفارط، أي في نهاية شهر سبتمبر من عام 2006، التاريخ لم ينسى بعد من ذاكرة أكثر من 10 نساء لم يعرفن بمغامرة أبنائهن إلا بعدما انتهت كل مبررات اختفائهم وأصبحوا في عداد المفقودين، وحسب المعلومات التي حصلت عليها "الشروق" في اتصالاتها بالعائلات المعنية التي لم تنقطع منذ شهر ديسمبر الماضي، فان المغامرين التقوا في شاطئ وهراني، قد يكون في جهة أرزيو، وهناك اتخذوا من زورق مطاطي سفينة عبورهم إلى بلاد الأحلام، وفي الوقت الذي كان أقرباؤهم ينتظرون اتصالا هاتفيا من وراء البحر يخبرهم بنجاح التجربة أو حتى اتصالا يقول لهم أن "أبناؤهم تم العثور عليهم جثثا أو القبض عليهم"..لم يأت إلا السراب، وعن ذلك تقول إحدى الأمهات التي فقدت أخبار ابنها الوحيد في وسط ثلاث بنات خلال هذه التجربة المريرة" لم أترك مكانا إلا وسألت عنه، أصبحت كالمجنونة أبحث عنه في أخبار الجرائد وفي الميناء، وعندما يأتون بالحراقة المقبوض عليهم في اسبانيا أذهب إلى هناك لاستقبالهم..لكن بدون فائدة حتى الآن"..المثير للانتباه، أن بعض هؤلاء الأمهات أصبحن في اتصال دائم بينهن بحثا عن أخبار مشتركة لمأساة لم يكن يخطر على البال أنها ستجمعهن يوما ما، ولكنها جمعتهن حقا من دون سابق انذار، ليكبر العدد ويصبح بالمئات من العائلات التي تبحث عن خبر طال انتظاره، لابن اختار أن يسلك الخيار الصعب ويغامر بحياته في سبيل تغيير حياته. أمّ موجوعة أخرى، قالت للشروق أنها فقدت في مغامرة الثالث من رمضان ابنها الذي لم يكن يتجاوز وقتها سن السادسة عشر ربيعا، حيث وجد نفسه ضائعا بعد انفصال والديه، ولم يكن أمامه سوى جماعة الحراقة الذين يجتمعون في الشواطئ للتخطيط والتنفيذ بعد جمع الأموال.."ابني لم يكن يملك مالا لذلك لا أعرف كيف ذهب؟" تتساءل هذه الأم قبل أن تضيف قائلة" لكنه كان شاطرا أو قافز، لذا ربما أخذوه من أجل مساعدتهم"، علما أنها سبق وان تلقت اتصالا هاتفيا باللغة الاسبانية لم تفهم فيه شيئا..ما فهمته فقط أن ابنها حيّ يرزق وقد وصل إلى اسبانيا مثلما كان يريد "لكن في يد من يوجد الآن لا أحد يعرف". ورغم اعتراف الهلال الأحمر بوجود ملف أزيد من 60 مفقودا، وتأكيد حراس السواحل أن عددهم بالمئات، إلا أنه لا أحد تحرك لوقف هذه الكارثة الإنسانية، كما فشل محامون أوكلتهم هذه العائلات للبحث عن أبنائها في الذهاب إلى المغرب لرفض سفارة هذا الأخير منحهم التأشيرة أو استقبالهم، رغم توفر دلائل قوية تشير إلى وجود المئات منهم في سجون المملكة بعيدا عن الأعين أو الرقابة، لذا تطالب الأمهات اليوم بتدخل رئيس الجمهورية لعله ينهي هذه المأساة التي تقترب من عامها الأول..أو كما قالت لنا إحدى الأمهات" فليأتوا بابني إلى هنا في بلده ليقضي عقوبته، على الأقل سأتمكن من معرفة مكانه وزيارته". قادة بن عمار