جبلت الأنثى على الاهتمام بجمالها وشكلها، والرغبة في الظهور بشكل مثالي، وتصبو جاهدة نحو الكمال في الجمال، حتى ذلك الجمال الذي لا يدرك. فتجدها حريصة على معالمها الأنثوية من اتباع حمية ونظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة واللهث وراء صالونات التجميل لتغيير تسريحات الشعر، وتلوينه، ورسم الحواجب، وتركيب الرموش وحتى الشعر. فهوسها للوصول إلى مبتغى الجمال يدفعها حتى للجوء إلى عمليات نحت الجسم والتكبير أو التصغير أحيانا .لتظهر دائما أمام مرآتها في أبهى حلة، معجبة بنفسها وجمالها. فالاهتمام بكل منطقة، وعضو في جسدها من الوجه حتى القدم هو واجهه معبرة عن جمالها وأنوثتها. ولكن ماذا لو فتك مرض خبيث بإحدى أعضائها، وغير من جغرافية جسدها وزلزل معالم أنوثتها لدرجة أن أجبرها على التخلي عن جزء من جسدها؟! ماذا لو استؤصل ما يعبر عن هويتها الأنثوية سواء كان الرحم أو الثديين لتهتز ثقتها بنفسها، وأنوثتها؟ لتتساءل هل ما زلت أنثى اليوم؟ هل سأبقى امرأة في نظر نفسي، وفي نظر الرجل والمجتمع أم أنا نصف أنثى، ونصف امرأة. ولست بأنثى كاملة؟ أسئلة كثيرة تطاردها المرأة المصابة بسرطان الثدي أو الرحم. وما إن تمسك بها، حتى تنفلت منها مجددا.لتعيش في دوامة من الحيرة، وفقدان الثقة بالنفس، والاكتئاب وحتى الوحدة والشعور بالدونية والنقص إزاء ذاتها. ويكون لعملية الاستئصال تبعات نفسية من حزن ووجع تعانيه المرأة بصمت خاصة عندما يبادر الكثيرون بالشفقة، ويتخلى عنها الأقربون إليها، وينظرون إليها بعين الازدراء، وحتى الاشمئزاز، وخاصة الرجل الذي سواء كان قد ارتبطت به أو سترتبط به. فالكثير ممن يفسخون خطبتهم،وهناك من يهجر زوجته، التي لا يتقبل شكلها بعد الاستئصال، ولا تعود مرغوبة من قبله حتى لا يعود بمقدوره الاقتراب منها، ولا رؤية جسدها، وما طرأ عليها من تغيير، ليحسسها بنقصها. حتى هناك من يصل إلى درجة الانفصال، وتطليق زوجته لتخوض مريضة سرطان الثدي والرحم معركة من مختلف الجبهات، تلك المعركة التي إن لم تنه حياتها، خرجت منها بعطب لازمها مدى الحياة. ففي معركة مجابهة السرطان أقل الخسائر التي نخرج بها هو التخلي عن جزء من الجسد في محاولة لإنقاذ باقي الجسد. ويبقى للعطوب الجسدية تبعات نفسية ليس بالأمر الهين أن تتجاوزها المرأة المصابة حتى تمضي قدما في الحياة، إذ تحتاج لدعم نفسي، واستعادة ثقتها في نفسها، والتأقلم مع الوضع الجديد، و الأهم الرضا. وقد يكون لنجاحها في محاربة هذا المرض الخبيث استشعار بلذة انتصار عليه لكنها تبقى لذة ممزوجة بوجع و ندوب جسدية، وأصعبها الندوب النفسية التي تعيشها المصابة بعد رحلة العودة من الموت والتعافي. فالرحلة التي كللت بالنجاح خلفت خسائر يصعب تداركها. وهنا العزاء لن يكون ذو فائدة لمريض تجلس بجانبه لتبكي معه أو تبكيه. ومهما نمقنا في كلمات المواساة إلا أن وقع الوجع في نفس المرأة يتعدى صداه قدراتنا على سماعه واستيعابه والشعور به لأننا لم نمر بذات الألم، لنشعر بما تشعر بها لحظتها. وفي الخسارة والابتلاء قد نتسلح بإيماننا وعزائنا في عوض الله لكن هناك خسارات غير قابلة للتعويض، فقد يتمكن أطباء التجميل والعلم بتطوره الجبار من إجراء عمليات الترميم للثدي، لكن عمليات الترميم هل ستعيد شعور الأمومة التي قد تحرم منه المرأة التي استؤصل رحمها خاصة إذا كانت لم ترتبط بعد. تلك النعمة التي خصت الطبيعة النساء بها، ولا يستشعرن بكمالهن إلا من خلالها؟ إن استئصال أي عضو أنثوي بالنسبة للمرأة هو خسارة لأنوثتها، وشعورها الدائم بأنها مشوهة وناقصة. والمرأة المصابة بسرطان الثدي أو الرحم بعد الاستئصال لا ترجو سوى الاحتواء وكلمات حب صادقة يخبرونها: "إن كل شيء بخير ولم يتغير فقط لتطمئن وتعود ثقتها بنفسها". وسواء أنت مصابة بالسرطان أو استؤصلت إحدى أعضائك،سواء تساقط شعرك، تغيرت ملامحك، عانيت من النحافة المفرطة، شحب وجهك..أنت جميلة. والأهم أنت أنثى، وستبقين أنثى وجميلة، فالأنوثة بحد ذاتها جمال.