يحظى مشروب الشاي بمكانة خاصة لدى سكان الصحراء مقارنة بباقي المشروبات الساخنة كالقهوة و الباردة كالعصائر، بل انه لا مجال للمقارنة بين الشاي و باقي المشروبات على الإطلاق لحضوره المتميز والضروري في المناسبات الخاصة والعامة حتى انه من غير المقبول بعادات سكان الصحراء أن تقدم للضيف قهوة أو مشروب بارد مهما كانت القيمة الغذائية له، لأن قيمة الشاي لا تقف عند النكهة والذوق وإنما في الطقوس التي تميز إعداده بطريقة تجعل منه مشروبا غير عادي. بمنطقة الجنوب الغربي وبالتحديد الساورة ببشار، تتهافت العائلات البشارية مع حلول الصيف - أكثر من أيّ وقت مضى - على نقاط بيع الشاي باعتبار أن تناوله يزداد خلال هذا الفصل مقارنة بالفصول الأخرى لأنه وببساطة يفرض وجوده بقوة خلال سهرات الصيف التي لا تمر دون ارتشاف كؤوس الشاي المنعنع و الذي يكون مرفوقا في الغالب بأطباق من الفول السوداني المحمص و هي المواد التي تعرض بقوة بأسواق المنطقة، و تجلب من مدن افريقية عبر ولاية تندوف. طريقة إعداد الشاي - كما هو متعارف عليه لدى أهالي الساورة - ليست في متناول أيّا كان، ذلك أنه يخضع لضوابط و طقوس لا يتقنها إلا المتمرسون في إعداده وسط القعدات الصحراوية المتميزة. ويبدأ تحضير "التاي" بتهيئة الصينية التي يفضل أن تكون من النحاس حتى تعطي بريقا خاصا لباقي الأواني - الكؤوس و "البراد" الذي يعد قائد الصينية، إضافة إلى" الربايع" الثلاثة ، واحدة للسكر وأخرى لحبوب الشاي والثالثة للنعناع إن كان مجففا أو اخضر، - وهو المفضل - فيوضع بكأس زجاجي كبير ويخصص كاس آخر بنفس الحجم لما يسمى بالتشليلة الأولى، ويفضل أن لا يغلي الماء بل يوضع باردا بالبراد ومعه حفنة من حبوب الشاي الذي يستحسن أن يكون شاي 71 ،ذي النوعية الجيدة. وبعد "التشليلة" يملأ البراد بالماء ويوضع على الجمر إن كانت القعدة بالبادية أو على قارورة الغاز الصغيرة لسهولة نقلها من مكان إلى آخر ، على أن تكون النار هادئة. وعلى الساهرين أن يتحملوا طول مدة التحضير بتبادل أطراف الحديث والنكت التي تزين الجلسات الصيفية الصحراوية. وحتى يحكم الشخص على مدى التحضير الجيد لكأس الشاي عليه أن يتفحص "الرزة،" وهي طبقة الرغوة التي تعلو سطح المشروب، وانعدامها يفقد الشاي أهم خصائصه، وقد يرفض الضيف تناوله إن كان ممن يعرفون أسرار إعداد الشاي الصحراوي، حيث يحرص مثلا على الغسل الجيد لكؤوس الشاي التي قد تقضي على وجود الرزة إن كان بها دسم حتى أن الضيف الصحراوي - خاصة أهالي تندوف - لا يعير أهمية للأطباق التي تقدم لهم في الدعوات الكبرى حتى ولو كانت أرزا مطبوخا دون لحم، إذ يكفي أن تحترم طقوس الشاي التي يفضل الضيف التندوفي أن يشرف شخصيا على إتباعها. ح. فاطمة