أضحت قضية تأجيل موعد الدخول المدرسي مصدر قلق وحيرة وسط الأولياء الذين تمنوا لو أن المحافظ والمآزر عادت إلى أبنائهم وتخلصوا من تواجدهم الدائم في المنازل والشوارع وما يترتب عن ذلك من أخطار وإزعاج وملل ومشاكل اجتماعية وصحية واقتصادية. هي وضعية غير عادية تلك التي نعيشها في المنازل بسبب طول العطلة التي أدركت شهرها السابع، ولأول مرة يمتد الابتعاد عن الدراسة من فصل الربيع إلى الخريف ويوشك أن يطوف على ما تبقى من العام. وبغض النظر عن تزعزع ميزان التحصيل العلمي، يبقى تواجد الأطفال في المنازل لفترة طويلة أمرا غير معهود طغى عليه الروتين والملل والتشاحن والتشاجر وتعطل عجلة الذكاء والنمو الفكري، وكعينة عن الظاهرة تابعنا يوميات عائلة من ولاية سطيف مكوّنة من الأب والأم وأربعة أبناء يتوزعون بين الطور الابتدائي والمتوسط والثانوي، كلهم دخلوا في حكم العطلة الممددة ومخلفات الوباء التي خرجت من الاستثناء وأضحت هي الأصل الذي يطبع الحياة اليومية، فالأبناء الأربعة تلاميذ مع وقف التنفيذ اختلطت عليهم الساعة البيولوجية وامتزج الليل بالنهار وظهرت عليهم العادات السيئة في مقدمتها الاستيقاظ في ساعة متأخرة والاختلاف بين الأبناء والتشاجر من أجل الاستحواذ على القطع الالكترونية ومتابعة البرامج التلفزيونية. وعلى الأم هنا أن تلعب دور الحكم لفك النزاعات التي ينخرط فيها الأب وسط موجات من الغضب والتوتر ولا مفر من اللجوء إلى الضرب والعقاب وحرق الأعصاب. وهو ما ينعكس على تماسك الأسرة التي تفقد مقوماتها وتتفاقم عندها ظاهرة التشاحن والبغض التي قد تقود إلى الانفلات والتفكك الأسري وفق ما يؤكده علماء الاجتماع. دون إهمال التعرض المفرط للأجهزة الالكترونية الذي بلغ درجة الإدمان مع آثاره السلبية على عقل الطفل وسلوكياته وتطور شخصيته، فحسب المختصين، هذه الأجهزة لها انعكاس سلبي على التطور الاجتماعي والعاطفي والصحي لدى الطفل، وتقلل من ذكائه وقدرته على التركيز، وتؤثر على علاقتة بين أفراد الأسرة فيغيب التواصل والحوار وتزداد فجوة النفور والتباعد الأسري. وهذه الوضعية لها انعكاسها أيضا على الجانب الصحي من حيث مشاكل في الرؤية مع الصداع والخمول والكسل وآلام الرقبة وتعدد النوبات بسبب الاستخدام المستمر للألعاب الالكترونية ومتابعة التلفاز. وتبقى المدرسة رحمة ليس فقط من أجل التحصيل العلمي، بل لإخراج الأطفال من روتينهم القاتل وإراحة الأولياء.