أربعة ملايين لاجئ عراقي في الوطن العربي، وأكثر من ثمانية ملايين لاجئ عراقي في العراق، يضافون إلى قوائم لاجئين عرب آخرين في وطن عربي تحكمه أنظمة لا تعرف معنى للانتماء العربي، فما هو مستقبل الجالية العربية في الوطن العربي؟ ولا يختلف اللاجئون العراقيون عن اللاجئين الفلسطينيين، ولا يختلف اللاجئون في قطر عربي عن اللاجئين في أي قطر آخر حتى صار المواطن في وطنه يمثل انتماء إلى جالية عربية تحكمها أنظمة تزايد باسمه لتحوله إلى متسوّل أو مشارك في تهديم وطنه أو مجرد »فرد« في وطن لا يختلف عن جهاز في غرفة نوم. سلعة وحكومات! تجار دول الجوار للعراق يستنجدون ب (الإغاثة الدولية) لتحسين إقامة اللاجئين العراقيين في أراضيهم العربية مثلما سبق أن استنجدوا بها فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين الذين صارت تغلق في وجوهههم سلطة أرضهم المحتلة أبواب العودة إلى منازلهم. أمريكا والغرب تعد الأنظمة العربية ب (المساعدة المالية) وهي تعمل على تفكيك لبنان والسودان والصومال بعد أن نجحت في العراق وفلسطين، تحول المواطن العربي إلى بضاعة في سوق النخاسة الغربية، وتحولت الأنظمة العربية إلى تجار نصف قرن ومصر تقود الأمة العربية نحو مجهول الوحدة العربية، وزعماء الوحدة العربية لم يملّوا من الخطب وتبذير المال العام من أجل أن يتحولوا إلى »زعامات كارتونية«. أوروبا توحدت بالرغم من الدم الذي سال بين شعوبها لأن الزعامة هي سلطة المواطن للتداول على السلطة، وليست سلطة ملوك وأمراء ورؤساء همهم الوحيد هو أن تعلّق صورهم حتى في المراحيض، قد لا تصدق إذا قلت لك إن السلطة الجزائرية وظفت أزمة (92 - 1997) لإقامة محتشدات سياحية لها، تحت غطاء الوضع الأمني، بحيث صارت هذه المناطقة حتى الآن ممنوعة على المواطن وصار النموذج الجزائري قدوة للسلطة العراقية فقد حوّلوا قصور صدام ومنتزهاته إلى منطقة خضراء يقيم فيها جيش الاحتلال الأمريكي للعراق مع سلطة قلّدها الأمريكيون مصير العراق. ومن كان يتصور أن يتنقل المسؤول العراقي في سيارات مصفحة وتحت حراسة أمريكية في بلده، ومن كان يتصور أن يصبح معدل الهجمات على الأمريكيين، حسب التقارير الأمريكية 177 هجوم في اليوم. والسؤال الذي أطرحه دائما على نفسي: "من أوصل العراقي إلى أن يتحول إلى لاجئ في دول الجوار وسلطته إلى الإقامة تحت الحماية الأجنبية؟". المؤكد أنه ليس الشهيد صدام حسين، والأكثر تأكيدا ليست المقاومة العراقية ولكنه »النفط«، هذا البركان الذي انفجر في وقته ليحول المسلمين في العراق إلى »شيعة وسنّة«، ويحول المواطن إلى لاجئ في وطنه أو في وطن عربي آخر. أن تكون السلطة لاجئة في وطنها أو محاصرة فهذا أغرب من الخيال، تعيشه السلطة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ويعيشه الحكام في العراق، والحكام في الصومال، وكذلك في لبنان وغيرها من الأقطار العربية. سلطة ضد الشعب! ربما يحمّل البعض ما آل إليه الوطن العربي إلى الأنظمة الديكتاتورية، وكأن الحرية تعطى ولا تنتزع، وربما يحمّله البعض إلى الجامعية العربية ومن تولوا قياداتها، وربما إلى عوامل أخرى، لكن الحقيقة التي يخفيها المثقف العربي عن نفسه هي أنه لا يفكر في تحرير نفسه، ولا يعمل على تحطيم »الطابوهات«، إنه يزايد كالأنظمة بنظام بلده. هل قرأتم لمثقف جزائري واحد احتجاجا على قصف الرئيس الراحل هواري بومدين للعفرون وهي على بعد 60كلم من العاصمة، لأن دبابات العقيد الطاهر الزبيري كانت تزحف نحو العاصمة؟ هل قرأتم لسوري واحد احتجاجا على قصف الأسد ل (حماة) لأن فيها تيارا إسلاميا؟ هل قرأت لمثقف يمني واحد احتجاجا على قصف قبائل الحوتي. وهل قرأتم لمثقف عراقي واحد، في عهد صدام، احتجاجا على قصف حلبجة؟ ولا أتحدث عن المثقفين المنفيين خارج أوطانهم؟ صحيح أن المعطيات تغيرت، وأن الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، قد وضعت نظاما جديدا يصير فيه المواطن لاجئا في وطنه، أو محاصرا من شرطة بلده حتى ولو كان أمريكيا. وبموجب هذا النظام الجديد صارت جيوش أقطارنا العربية همها الوحيد هو قصف سكانها أو محاصرتهم، وحتى قصف اللاجئين العرب في بلدانهم العربية، فالجيش العراقي يقصف السنّة والشيعة تحت غطاء محاربة »القاعدة«، والجيش اللبناني يقصف محتشد فلسطين بحجة أنه يطارد القاعدة أو ما يسمى ب (فتح الإسلام)، والجيش الصومالي يقصف الصوماليين في العاصمة، والجيش السوداني يقصف ما يسمى ب (متمردي دارفور)؟ هبة الله في الحكام العرب! وكلما جاء موسم ديني أو مواعيد تولّي الزعيم للسلطة تفتح أبواب السماء على المواطنين، يفرج عن السجناء، وتوزع الصدقات على المواطنين، هل قرأتم في تاريخ الدولة المسيحية أن سلطانا أو ملكا أو أميرا أو رئيسا طبع الإنجيل وعليه صورته أو حاول الحذف منه، لكن القرآن الكريم تعرّض إلى »التزوير« من بعض الحكام، ومعظمهم لهم طبعات باسمهم، بل إن هذا القرآن الكريم صار هدايا الملوك والسلاطين والرؤساء والزعماء والأمراء، فالبعض كتبه بدمه حتى يبقى له، والبعض كتبه بماء الذهب، والبعض الآخر تفنن في زخرفته بريشة كبار المبدعين. ولا أحد تساءل: لماذا لا نطبّق مضمونه عوض الاهتمام بشكله؟ لو كان هناك »عقل عربي« يحكم في الوطن العربي لتغيّرت المفاهيم المتعلقة بالمواطنة، تغيّرت لغات الحكام. أذكر نكتة كادت أن تدخلني السجن في بلد عربي، وهي أن الزعماء العرب فكّروا في الانتحار فركبوا طائرة، وبدأوا يتباهون بشعوبهم فكل رئيس أو ملك أو أمير راح يقدم صورة حبّ شعبه له حتى اختلفوا من الذي يبكي عليه شعبه أكثر، واحتكموا إلى قائد الطائرة فقال لهم شعب بلادي، فسألوه: لماذا؟ فأجاب: لأن حاكمه غير موجود معكم يا سادة الوحدة العربية. والحق يقال، إن المؤمنين بالمصير المشترك وبخيار الوحدة من المثقفين والفنانين يعدون على الأصابع، ونحمد الله أن الشعوب العربية لا تطرح ذلك، فهي لا تفكر بين حاكم وآخر، إنها منشغلة بهمومها اليومية، ولكنها تتألم حين تنقل أخبار العراق وفلسطين ولبنان والصومال والجزائر، وكل قطر من أقطارنا العربية. والجالية العربية في الوطن العربي تكبر يوما بعد آخر ولا بد أن يأتي يوم تتحول فيه إلى قوة فاعلة في تحطيم »جدار برلين العربي الإسلامي«.