عادت "فوبيا" المستشفيات لدى الجزائريين بعودة انتشار فيروس كورونا المستجد، ولم يعد الذهاب إليها من اهتمامات المصابين بالأمراض المزمنة ولا حتى الذين يعانون أعراضا مرضية وآلام واختلال في أداء وظائف بعض الأعضاء في أجسامهم، وفي مقابل ذلك أرهقت المواعيد المحدّدة من بعض الأطباء الخواص والتي تحمل قوائم طويلة تجعل بعض مرضاهم في حالة حيرة وقلق في انتظار دورهم الذي قد يأتي بعد أشهر طويلة، ناهيك عن خوفهم من العدوى!.. هذا الوضع السيئ ساهم بشكل كبير وحسب بعض المختصين في الطب، في تأخر التشخيص المبكر بنسبة 50%، وهو ما يهدّد بأزمة صحية أخرى تهدد شريحة واسعة من الجزائريين. في جولة استطلاعية قادت الشروق، إلى بعض العيادات الخاصة في العاصمة، بينها عيادات مختصة في أمراض القلب والشرايين، والغدد والسكري، وطب العيون، والأمراض التنفسية، والأذن والحنجرة، والطب الداخلي، لاحظنا الإجراءات الصارمة التي اتخذها أصحاب هذه العيادات، بينها استقبال المرضى الذين يداومون العلاج عندهم والذين لديهم فحوصات دورية بعد 6 أشهر، بمواعيد تعطي الأولوية للذين سبقوا تسجيل أنفسهم في قائمة المواعيد على أن يستقبل اثنين فقط يوميا، وهو ما جعل باقي المرضى في انتظار دورهم الذي قد يأتي بعد مدة طويلة، فهم بين الخوف من عدوى كورونا وبين الخوف من فرض تدابير صحية جديدة للحد من انتشار"كوفيد19″. وهذا الوضع الاستثنائي أدى إلى تدهور صحة المصابين بالأمراض المزمنة، وتعرضهم لحالة من الضغط وتهاون بعضهم لعلاج أنفسهم واحترام موعد الفحص، بل تخلى منهم عن الفحوصات الدورية والاكتفاء بأخذ الدواء، خاصة بعض مرضى الغدة الدرقية، وأمراض العيون. ويزداد الأمر تعقيدا عند الأطباء الخواص الذين يلقون اقبلا واسعا للمرضى، حيث أن إحدى عيادات جراحة العيون بحسين داي، اضطرت لتسجيل مواعيد الفحوصات من شهر أكتوبر الماضي وتتضمن قائمة هذه المواعيد أسماء مرضى سيأتي دورهم خلال شهر ديسمبر، رغم تأخرهم عن الموعد المعتاد. كورونا تلغي الفحوصات والعمليات الجراحية وإلى جانب العراقيل التي تواجه الأطباء الخواص، ومرضاهم وصعوبة الحصول على موعد الفحص في العيادات الخاصة، فإن المستشفيات التي تعج هذه الأيام بمرضى "كوفيد19″، لم تعد أماكن ينظر إليها بعين المريض الذي ينتظر منها الشفاء بقدر ما هي بالنسبة إليه حقلا لانتشار العدوى، فارتبط في المخيلة الجماعية للكثير من الجزائريين، بكورونا، وهو ما زرع الخوف والرهبة من زيارة المستشفى بهدف التشخيص أو العلاج أو إجراء عمليات جراحية. وفي هذا السياق، أكد رئيس الهيئة الوطنية ترقية الصحية وتطوير البحث"فورام"، البروفسور مصطفى خياطي، أن المستشفيات لم تعد تتجاوب مع المنظومة الصحية، لكن قد تكون مصدر للعدوى، موضحا أن شريحة المصابين بالأمراض المزمنة هي الأكثر عرضة لعدوى الوباء، واليوم أمام عدد مهول، حسبه، من مرضى كورونا في المستشفيات مما قد يحرم هؤلاء حسبه من متابعة العلاج والتعرض لمضاعفات خطيرة، قد تحتاج إلى تكفل خاص أو عملية جراحية، وهذا في الوقت تتفرغ فيه هذه المستشفيات فقط للمصابين ب"كوفيد 19″، والتخلي عن كل المهمات الأخرى وعلاج المرضى الآخرين. مطالب بتحويل الأحياء الجامعية إلى أماكن علاج لمرضى كورونا ودعا في هذا السياق، البروفسور مصطفى خياطي، إلى ترك المستشفيات لدورها الأول، وإعطاء فرصة لباقي المرضى غير المصابين بفيروس كورونا، وهذا بفتح مساحات أخرى للعلاج الخاص بمصابي الوباء، حيث يرى خياطي، أن الأحياء الجامعية وقاعات العرض والمعرض الدولي بالصنوبر البحري، أماكن مهمة لتقديم العلاج والتكفل بمرضى كورونا. وقال مصطفى خياطي، إن هناك 600 ألف سرير موزعة عبر الوطن متواجدة في مثل هذه الأماكن، يمكن تخصيصها لإصابات الفيروس المستجد، وترك المستشفيات لعلاج المرضى والمصابين بأمراض مزمنة، حيث تتحقق العدالة الصحية. وكما طالب خياطي، بتزويد العيادات الخاصة بوسائل وإمكانيات الحماية من انتشار عدوى كورونا، وتحقيق أريحية التشخيص عند الخواص. تأخر التشخيص المبكر للأمراض المستعصية في المستشفيات بنسبة 50% وفي ذات الموضوع، قال البروفسور كمال بوزيد، رئيس مصلحة "بيار ماري كوري" لمرضى السرطان بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، إن"فوبيا" المستشفيات ساهمت بشكل كبير في عزوف المرضى على التشخيص المبكر وإن التفرغ لعلاج مرضى كورونا، سيساهم بنسبة 50 من المائة في تأخر التشخيص المبكر للأمراض المستعصية أهمها داء السرطان، وهو خطر صحي ينتظر المجتمع الجزائري.