بإستثناء إعلان وزير الطاقة، عن زيادة وشيكة لسعر المازوت، لم تكذب الحكومة كما لم تؤكد الزيادات التي عرفتها مؤخرا أغلب المواد الإستهلاكية، خاصة المدعومة منها من طرف الدولة، وتلتزم النقابة والأحزاب صمتا غريبا، على مقربة من الدخول الإجتماعي، بما قد يشكل مخاطرا حقيقية تنذر بإنفجار إجتماعي، يقابله محرضات ودوافع إضافية لتكريس "إنتقام شعبي" خلال إستحقاق نوفمبر القادم. الإرتفاع غير المعلن في أسعار بعض المواد الواسعة الإستهلاك، كالدقيق والزيت والسكر والقهوة ومشتقات الحليب والعجائن، حتى وإن دخل حيز التنفيذ رسميا، فإن الجهات الوصية، سواء الحكومة أو وزارة المالية أو وزارة التجارة، أو النقابة، لم تصرح بهذه الزيادات-التي أصبحت فعلية وليست مجرد إشاعات- ولم تتخذ أي قرار لإلغائها، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان "القرار" الذي أثار الإستنكار والإستغراب، إنفرادي من طرف كبار المستوردين وصغار التجار، بحجة إرتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، أم أن السلطات العمومية على علم بالزيادات وموافقة عليها؟. رفع أسعار المواد الإستهلاكية أصبح يتم على طريقة "النصب والإحتيال"، وبإسم قانون العرض والطلب، وقد يكون سكوت الحكومة نابع من إستسلام المواطنين لسياسة الأمر الواقع، ولا يستبعد أن تكون الزيادات الأخيرة حسب مراقبين، بالونة إختبار لقياس درجة حرارة وحماس الجزائريين، فإذا هم إلتزموا الصمت، صمتت معهم الحكومة والنقابة والأحزاب، وإذا تم تسجيل بوادر لتحركهم وإحتجاجهم، تحركت الجهات المعنية لإنقاذ الموقف وكذبت الزيادات أو ألغتها أو تبرأت منها و"مسحت الموس" في السوق و"جماعات المصالح" !. إغماض الحكومة لعينيها بإعتبارها المراقب والمحاسب والمعاقب، عن الزيادات المطبقة في السوق الوطني، بوسعه برأي متابعين أن يخلق قاعدة لإنفجار وغضب شعبي، ويمكن إختصار الأمر في عوامل منها: إجتماعيا: الزيادات جاءت على مرمى حجر من الدخول الإجتماعي وقبيل شهر رمضان المتزامن هذه السنة مع الدخول المدرسي، وهي كلها مناسبات معروف عنها أنها تفرغ جيوب الأغلبية المسحوقة من الجزائريين، وبالتالي فإن توقيت رفع أسعار مواد غذائية هامة، يبقى بالمنطق غير مناسب جملة وتفصيلا، لأنه عبئ إضافي غير مرغوب فيه، خاصة في هذا الوقت بالذات المتسم بإستمرار متاعب السكن والشغل والبطالة وغيرها. سياسيا: الجزائريون على موعد، في نوفمبر القادم، مع إنتخابات تجديد المجالس البلدية والولائية المنتخبة، فهل يمكن إنجاح مثل هذه المواعيد الوطنية بتفخيخ الطريق إليها بقنابل من عيار رفع سعر الدقيق والحليب وإضعاف القدرة الشرائية ورفع الدعم تدريجيا وسريا عن المواد الغذائية؟، وهل يمكن لمثل هذه القرارات أن تغري الناخبين للتوجه بقوة إلى مكاتب التصويت وعدم تكرار سيناريو تشريعيات 17 ماي الماضي، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 36 بالمائة، إضافة إلى أن هذه الزيادات ستستغلها الأحزاب دون شك-رغم صمتها حاليا- لإلهاب الحملة الإنتخابية و"هف" الناخبين !. نقابيا: المركزية النقابية منشغلة بمشاكلها الداخلية المتصلة بترتيبات وتحضيرات وحرب المواقع والزعامات الخاصة بعقد المؤتمر ال 11، ولذلك فإنها مضربة عن الكلام والدفاع عن القدرة الشرائية، وهي تتجنب مشاكسة ومعاكسة الحكومة، فأين "ضمانات" ما يسمى بالعقد الإقتصادي والإجتماعي، موازاة مع تكريس عدم جدوى إجتماعات الثنائية والثلاثية. جمال لعلامي:[email protected]