ليست كل النهائيات تشبه نهايتهما السعيدة التي لا تحدث بتلك التفاصيل الموغلة في التعقيد إلا في الأفلام والمسلسلات الطويلة. تلك التفاصيل التي بدأت من بطن امرأة من مدينة مسكيانة بأم البواقي، وانتهت بالعاصمة الايطالية روما. فبعد أربع سنوات ونصف، أصبح بإمكان عائلة مباركي أن تستأنف حياتها بشكل طبيعي بعيدا عن المستشفيات والعمليات الجراحية المعقدة. ولم تعد ابنتاها الصغيرتان تحتاجان إلى التضامن، لأن ريان "خرجت" من جسد أختها جهاد بنجاح طبي منقطع النظير. فقبل أربع سنوات ونصف، كانت الطفلتان تعيشان في جسد واحد وتتقاسمان كبد واحدا وجزء من الأمعاء، وهو ما شكل صدمة قوية لعائلة مباركي. من هنا، بدأت رحلة البحث عن حل طبي بدا غامضا وغير ممكن في الجزائر التي لم يسبق لها قبل هذا التاريخ أن تكفلت بمثل هذه الحالات. بدأت الأمور تتعقد أكثر لأن عائلة مباركي لا تملك الإمكانيات اللازمة لنقل ابنتيها إلى الخارج. ولكن عثمان، والد التوأم لم ييأس، بل توجه إلى الله بالدعاء أن يرفع عنه هذا الابتلاء ويسخّر له أناس خيّرين لمساعدته. من تلك اللحظة، لم تتوقف حملة التعريف بالمشكلة الصحية للطفلتين عبر كبرى صفحات التواصل الاجتماعي. ومن رحمة الله بريان وجهاد، وصل النداء إلى جمعية "حلال فيريف" الخيرية التي يقع مقرها في فرنسا، حيث أبدت استعدادها لنقل الطفلتين إلى أحد المستشفيات الإيطالية. وفي سنة 2016 سافر عثمان وزوجته رفقة التوأم إلى إيطاليا واستقروا في منزل تابع للمستشفى مخصص للحالات التي تقيم في دول أخرى. تمت دراسة حالة التوأم الملتصق من قبل المستشفى لمدة تزيد عن 9 أشهر، ليتقرر إجراء عملية الفصل التي توقع الأطباء أن تكون ناجحة. أجريت العملية الجراحية المعقدة، وفصل التوأم الذي مكث 21 يوما في غرفة الإنعاش، كانت إحدى الطفلتين تتنفس بصعوبة، بينما عانت الثانية من تعب شديد ولكن في الأخير كلّلت العملية بالنجاح. شعر عثمان وزوجته أن حياتهما تغيرت كليا بعد أن أخبرهما الطبيب أن كل طفلة تنام في سرير لوحدها بعد أن تقاسمت معها الكبد. وبعد استقرار حالتهما، نقلتا إلى مستشفى آخر لتأهليهما على المشي لأنهما كانتا متأخرتين. مكثت عائلة مباركي نحو 6 أشهر في ايطاليا بعد فصل التوأم لمتابعة حالتهما. وهناك، تلقت الكثير من الدعم والتضامن من الايطاليين، وبعض الجزائريين المقيمين في روما. وفي الشهر السابع غادرت العائلة ايطاليا عائدة بابنتيها إلى الجزائر، ليتم إخضاعهما للمعاينة الطبية بنفس المستشفى بين فترة وأخرى. والآن تعيش ريان وجهاد بصحة جيدة دون أن تعانيا من أي مضاعفات مقلقة وتزاولان دراستهما بجمعية"رحمة" الخيرية بمسكيانة بولاية أم البواقي، وتمكنتا من حفظ بعض السور القصار من القرآن. "لقد فتح الله علينا أبواب الخير بعد هذه العملية، وصارت حياتنا أفضل…أشعر أنني كنت أحلم" هكذا قال عثمان مباركي في حديثه ل"جواهر الشروق". من المؤكد أن هذه الحالة الطبية المعقدة التي انتهت نهاية سعيدة، هي بارقة أمل لكل المرضى الذين بلغ بهم اليأس مبلغا كبيرا وصاروا يرون الحياة من ثقب إبرة. وهي درس مفيد لكل من اعتقد أن أبواب الأمل أوصدت في وجهه بمجرد أن تعثرت حياته لسبب من الأسباب. فيكفي أن يلجأ المرء إلى الله، طالبا منه العون والمدد، ويأخذ بالأسباب التي تقوده إلى إيجاد مخرج لما أصابه، لتنجلى الهموم والمصائب.