مثل كل الخطوات التي يخطوها الموهوبون في العالم، بدأ الفنان عبد الله مكي ديفاس رحلته الملونة في عالم "الغرافيتي" في سن مبكرة وعندما كبر جذب خلفه مئات المحبين لهذا الفن الذي يخاطب المشاعر قبل العيون. ترعرع ديفاس في أسرة فنية ساعدته على امتلاك اللمسة الإبداعية من خلال الريشة، فوالدته التي تخرجت من المدرسة الوطنية للفنون التشكيلية بالعاصمة رسمت له الطريق نحو عالم من الألوان والإبداع المفتوح. أنشأ مكي عبد الله ورشة صغيرة في المنزل بوسائل بسيطة وبدأ يرسم لوحاته والمشاركة بها في المعارض التي تقام بمكتبة جيجل. وفي سنة 2004، تذوق الطفل الصغير طعم النجاح وهو في العاشرة من عمره، حيث استطاع أن يحرز المرتبة الأولى في الفن التشكيلي بولاية جيجل التي ولد بها. وعندما حلّت سنة 2010، قرّر ديفاس أن يحمل أفكاره وموهبته ويخرج بهما إلى الشارع، حيث اعتبر الجدران لوحة كبيرة تحتاج إلى أنامل مبدعة لتنثر فيها الجمال. وتماشيا مع تطلعات الشباب، استطاع عبد الله أن يرسم "تيفو" كبير في الملعب حمل الأفكار التي يريد أنصار فريق جيجل أن يعبروا عنها من خلال المباراة. وتعتبر هذه الخطوة الجريئة هي الأولى من نوعها في الجزائر وهو ما فتح مسارا جديدا لفن الشارع الذي جذب إليه انتباه الشباب الذي يتمتع بهذه الموهبة التي لم تجد من يفسح لها الطريق. خلال هذه الفترة تخرّج" مكي دي اف اس" وهو الاسم الذي بات يعرف به بين أوساط الشباب، من جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي بشهادة ماجستير في المشاريع الحضرية، ولم يكن هذا التخصص إلا دافعا لهذا الشاب ليستمر في انتزاع اللون الباهت من الجدران الكئيبة ويبث فيها الألوان. واستطاع خلال سنوات قليلة أن يغير نظرة المجتمع الجزائري لهذا الفن من كونه فنا يحرض على الإجرام، إلى داعم ومشارك فيه. لم يكتف مكي بالرسم في مدينته جيجل وحسب، بل نقل موهبته إلى مدن أخرى على غرار العاصمة، قسنطينة، بجاية، سطيف، أم البواقي، مستغانم، سوق أهراس، حيث لاقى إعجابا كبيرا واستجابة منقطعة النظير من الشباب. ولكن رأي السلطات لم يكن على نفس المستوى الذي عرف به بين الشباب، حيث وجهت له قبل سنوات تهمة تخريب الممتلكات العامة وإهانة هيئة حكومية، وبعد تبرءته واصل مسيرته نحو "تحويل المدن الجزائرية إلى متاحف" كما يقول "وعدم دفن الفن في الورشات وجعله جزء من الحياة" مثلما صرح لقناة "دي دبليو" الألمانية التي أنجزت بورتريه حوله، كما استأثر باهتمام العديد من القنوات على غرار الشروق والجزيرة. كللت مسيرة الشاب ديفاس بنجاح كبير، ونال عدة جوائز محلية ووطنية وإقليمية، زادته إصرارا على بلوغ أهداف أكبر. كما شارك في العديد من المهرجانات والمعارض الوطنية والدولية التي حققت له الانتشار الواسع، وعرّفت بفن "الغرافيتي" الذي يعتبر حديث العهد في الجزائر. ولا يزال ديفاس مصرا على تزيين الواجهات الحضرية وجعل هذا الفن أقرب إلى المجتمع الجزائري الذي بدأ ينظر إليه بعين الاحترام.