يجمع الكثير من المختصين والخبراء على عودة ظاهرة عنف الأطفال بشدة، في ظل الحجر الصحي وتفاقم آثار جائحة كورنا، والإغلاق الذي حرمهم من فضاءات الترفيه، وبسبب مشاكل مترتبة على وباء ألقى بظلاله منذ سنة على جميع مناحي الحياة.. حالات اعتداء وسط الأطفال أد بعضها إلى الوفاة وتنمر ضد بعضهم البعض في المدارس، وألفاظ وشتائم تتقاذف في عالم البراءة، واعتداء بالضرب ضد أمهات من أبنائهن.. تكشف تقارير الجمعيات وأطباء علم النفس عن حجم الخطر الذي قد يترتب على أطفال عنيفين عاشوا زمن كورونا وسيصبحون في ما بعد رجالا! ودقت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى"، ناقوس الخطر، حول عنف الأطفال الذي استشرى في المجتمع الجزائري، حيث أكد رئيسها، عبد الرحمان عرعار، أن الأطفال في خطر، وأنهم يموتون في صمت، والطفولة بحسبه، بين مخالب العنف والاغتصاب، مضيفا أن هناك زيادات ملحوظة في عدد المكالمات عبر الخط الهاتفي الأخضر للشبكة، حيث تتهاطل عشرات المكالمات لآباء وأمهات، ولأطفال يشكون العنف من طرف أطفال وداخل المدارس، أو في الأحياء الشعبية. وأدى، بحسب عرعار، هذا العنف إلى عاهات وإصابات بليغة ومحاولات قتل، المتهمون فيها أطفال لا تتعدى سنهم، أحيانا، 8 سنوات. شبكة "ندى" تستقبل 30 حالة متعلقة بعنف الأطفال شهريا وفي السياق، أضافت الأمينة العامة لشبكة "ندى"، الأستاذة حميدة خيرات، أن عنف الأطفال وصل إلى أن يمارس ضد الأولياء وخاصة الأمهات، وانتشرت بالمقابل حالات انتقام، سواء ضد الأقران والزملاء في المدرسة أم ضد أفراد العائلة. وأكدت الأستاذة خيرات أن شبكة ندى استقبلت، خلال شهري جانفي وفيفري المنقضيين، ما يقارب 60 حالة تتعلق بالعنف وسط الأطفال، أي بمعدل 30حالة شهريا، وأن هذه الزيادة الملحوظة لظاهرة العنف بدأت مع السنة الجديدة، 2021، وأن جميع الولايات معنية بهذا العنف، بالنظر إلى المكالمات التي تأتي من جميع أنحاء الوطن. وقالت إن الشبكة تستقبل يوميا عبر الخط الأخضر، من 3 إلى 4 مكالمات، تتعلق بعنف الأطفال. وهي حالات خطيرة، سواء تتعلق بالضرب والجرح أم الاعتداء الجنسي، أو التنمر ضد بعض التلاميذ في المدرسة. قصص مأساوية.. والضحايا أطفال وتأسفت الأمنية العامة لشبكة "ندى"، من الوضع السيئ للكثير من الأطفال، وخاصة في ظل الفقر والحرمان وغياب الترفيه، وتغول الشارع، مشيرة إلى أن الشبكة وقفت على قصص يندى لها الجبين، وأن الوسط العائلي هو أكثر، حسبها، ما جعل الأطفال يموتون في صمت، حيث قالت إن إحدى الفتيات، وهي تبلغ من العمر 8 سنوات، انقطعت عن الدراسة ورفضت أن تذهب إليها مرة أخرى، وذلك بسبب حالة تنمر تتعرض لها من طرف زملاء لها في القسم، وهو ما أدى بها إلى استقبالها في مدرسة خاصة ببن عكنون، خاصة بفئة الأطفال التي تعاني مشاكل قاسية. وفي ولاية تيبازة، رفض تلميذ الذهاب إلى المدرسة، وتدهورت حالته النفسية، ولجأت عائلته إلى شبكة "ندى". وتبين في ما بعد أن تلميذا يبلغ من العمر 10 سنوات، يعتدي عليه جنسيا داخل المرحاض، ويهدده بالضرب خارج المدرسة. وكشفت الأستاذة حميدة خيرات، عن قصة لفتاة لا تتعدى 14 سنة، تهدد والدتها بالقتل في حال عدم تسليمها المال، بينما تحول مراهق في منطقة الشراقة شرق العاصمة، رغم أنه ميسور الحال ووالدته طبيبة وأبوه رجل أعمال، إلى مروج مخدرات انتقاما من نفسه وعائلته، حيث عندما شكاه الجيران، واتهموه بأنه يسمم أبناءهم بالمخدرات، وبعد خضوعه لعلاج نفسي، انهار وانفجر بالبكاء متهما والديه، بالإهمال، والتهميش. وترى الأستاذة حميدة خيرات، بأن وضع الأسرة والعنف الممارس داخلها، جعل من الأطفال يتحولون إلى عنيفين، ضاربة مثالا بسيدة، وهي أم ل4 أطفال، حاول زوجها قتلها عدة مرات أمام أبنائها، ولجأت إلى شبكة ندى وإلى مصالح الأمن، هربا من القتل، حيث وصل بها الأمر إلى الاختفاء في أحد الفنادق قبل أن تتفهم عائلتها الوضع وتحتويها. سلوكات عنف الأطفال في ظل كورونا قد تتحول إلى "فوبيا" مرضية ومن جهته، أكد المختص في علم النفس، الأستاذ أحمد قوراية، أن عنف الأطفال ازدادت حدته في الآونة الأخيرة، وهو ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري، قائلا إن الوالدين مختلفان الآن عن والدي الأسرة الكلاسيكية، وهذا جراء خروج المرأة للعمل، وانشغالها بأمور خارج البيت، وهذا ما جعل الطفل في غياب تربية سلوكية سليمة يلجأ إلى العنف كوسيلة للتعبير عن حالة التهميش. كما يرى بأن الابتعاد عن الجانب التربوي النفسي، وغياب دور الأولياء طيلة اليوم، أحيانا، جعل الطفل الذي يحتاج إلى والديه ليشكو إليهم، فيجدهم غائبين عن المنزل، يكتسب روحا انتقامية، حيث تنعكس حالته النفسية السيئة على سلوكه، فتنفجر نفسه غيظا وتترجم في ما بعد إلى سلوك عنيف لديه ويمارس هذا العنف، حسب قوراية، بتلذذ ضد إخوته، أو أقرانه أو زملائه في المدرسة. ويمارس الطفل أيضا، هذا العنف في دور الحضانة، وبذلك يخلق توازنا نفسيا مكافئا للشعور بالإهمال، والحرمان العاطفي من طرف الوالدين، وينتقل العنف إلى أطفال تعرضوا بدورهم للاضطهاد وهذا العنف. وأوضح الأستاذ احمد قوراية، المختص في التربية وعلم النفس، أن عدم فهم الأطفال وخاصة اليوم في ظل جائحة كورونا، وتدني المستوى المعيشي لأسرهم، أن خروج الوالدين للعمل كضرورة لضمان لقمة العيش، وأن هؤلاء الأولياء هم أيضا ضحايا، يجعل أبناءهم الأطفال يرون فيهم الإهمال، ومقصرين وينقلبون ضدهم بممارسة العنف والانتقام الصامت. بينما، بحسبه، هناك أطفال، يوفر لهم الأولياء الماديات ويعتقدون أنهم كسبوا جانبا من تربيتهم بذلك، وهذا بإهمال جانب الحوار والتعاطف مع الطفل، مما يولد لديه نزعة نفسية سلبية جراء تهيؤات خاطئة، عادة ما تكون ضد الأم، وتكون هذه الأخيرة ضحية العدوانية والعنف. ولوصول الطفل إلى إشباع نفسه، يؤكد الأستاذ قوراية، أنه وفي ظل غياب التربية السلوكية للوالدين، يتمتع بل يتلذذ بممارسة العنف وسط الأطفال مثله كتعويض عن الفراغ والحرمان العاطفي والوجداني. وقال قوراية إن جميع هذه العناصر أضيفت إليها الوضعية المعيشية والأثر السلبي الذي تركته جائحة كورونا، على النفوس، فأحيانا نجد حسبه، العنف الذي يمارسه الكبار داخل الأسرة بسبب المشاكل ينتقل إلى الأطفال. ويرى الأستاذ المختص في علم النفس التربوي، أحمد قوراية، بأن غياب الحرية وفضاءات التنفيس، وتفريغ الشحنات الزائدة عند الأطفال، وعمليات الإشباع باللعب مع أقرانه، خارج البيت، ومع جائحة كورونا، انعكس الوضع، سلبا على كل الناس، وفئة الأطفال التي هي في مرحلة النمو ستحمل معها هذه الآثار، حيث دعا إلى ضرورة إيجاد حلول منطقية وآنية لعلاج عنف الأطفال في وقته. وقال قوراية إن سلوكات العنف وسط الأطفال تتجه نحو منحنى خطير في ظل جائحة كورونا، ويمكن أن تتحول إلى فوبيا مرضية واللجوء إلى التنفيس عن طريق سلوكات عدوانية عنيفة، ولكن الأخطر من ذلك، حسبه، حينما تتفاقم هذه الظواهر ولم تعالج في وقتها لدى الأطفال العنيفين الممارسين لهذا السلوك ضد أقرانهم أو والديهم. وأكد قوراية أن الطفل العنيف صورة مصغرة قابلة للنمو النفسي لشخصيته، ويبقى العنف في عقل الطفل وممارساته إلى أن يكبر ويكرره مع زوجته وأبنائه، حيث تكبر درجة العنف في نفسه، وتزداد عدوانيته، حتى تصبح أكثر حدة، وتبحث عن الإشباع الدائم حتى إنه يمارس هذه العدوانية كأنها من الأشياء المعتادة. في ذات السياق، قال الدكتور مسعود بن حليمة، مختص في علم النفس، إن الطفل بطبيعته يقلد، خاصة في بداية حياته، وإن ما وقع مع بداية الحجر الصحي المنزلي داخل العائلة، يبقى في عقل الطفل، وإن الحرمان من الشارع ومن فضاءات الترفيه، ومن دخول المساجد، ومن المدرسة في البداية، ترك مكبوتات تتفاوت عند كل طفل حسب المحيط العائلي وشخصية الوالدين، وإن هناك نوعا من الفوبيا بين الخوف والحرمان لا تزال مسيطرة على شريحة واسعة من الأطفال في ظل جائحة كورونا الفيروس المستجد. وأوضح أن الطفل الجزائري في هذه الظروف الاستثنائية، في حاجة إلى الحوار والمواجهة، والدعم العاطفي من طرف العائلة، وإن غياب هذه الأمور يجعله يمارس العدوانية في الشارع وفي المدرسة. وحذر من بداية هذه العدوانية والعنف ضد الأطفال، التي قد تشكل دائرة حسبه لا تنتهي، حيث تنتقل عدوى العنف إلى الآخرين الذين مورس عليهم العنف، وإن كل طفل يتزعم الريادة في المدرسة أو الحي، ويمارس العنف، فإنه يحث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على سلوك عنيف يتحول إلى عادة وتقليد محبب من طرف أطفال مثله وبذلك يصبح العنف ميزة المجتمع ككل. غياب مساحات اللعب والترفيه زاد من حدة العنف وحسب المختص في علم النفس، مسعود بن حليمة، فإن فضاءات اللعب وأماكن الترفيه والتسلية والنوادي، والحدائق العامة، أماكن مراقبة وحتى إن وجد فيها أطفال عنيفون فإنهم لا يستطيعون ممارسة هذا السلوك في مثل هذه مساحات، التي يحرسها أعوان أمن وتحت مسؤولية المنظمين، إضافة إلى كونها فضاءات لاكتشاف السلوكات والمواهب والقدرات وتفريغ الشحنات، حيث يرى بأن الطفل مهم ولا يوجد متابعة لهذه الشريحة وإن العقلية البدائية وعدم مسايرة المستجدات والتكنولوجيا، موجودة حتى داخل المؤسسات التربوية، ما جعل الطفل ضحية للكبار. ودعا بن حليمة إلى إعادة تكيف المنظومة التربوية حسب المعيار "الاجتماعي الثابت"، أي تعليم الطفل احترام القوانين والالتزام بالواجبات، وطرق التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، حيث أشار إلى أثر الألعاب الإلكترونية التي هي بحوزة الأبناء خارج مراقبة الأولياء، والمتسببة في زيادة العنف بين الأطفال.