عرف الإسلام وقرآنه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم خلال مسيرة تبليغه دعوة الله للناس كافة سيولا كثيفة من طمي الجاهلية ووثنيتها التي باتت تدنس كل شيء، ولاقى أعاصير عميّةً من براكين التحديات والأباطيل والأضاليل والأكاذيب والتلفيقات، كما عرف طريق تبليغه للناس حواجز ومنغصات ودعايات ناعمة ومضللة سوداء مضادة.. بغية تضليل صفاء المشهد الإيماني والروحي الذي كان يقدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، وقد وضعت الجاهلية -ومازالت إلى اليوم- في وجهه أثقالا من العقبات والموانع الكأداء، ونصبوا له الشِّراك والكوابح المُعيقة بغية تلبيس تعاليم الدين والحق والدعوة على الناس، وبغية خلط الحق بالباطل والزيف والضلال بالنور والهدى. وقد صوّرت لنا الكثير من المشاهد القرآنية مثل هذه التلبيسات التضليلية التي كان يتفنن في نصبها المشركون والكافرون والمنافقون وكبراء مردة يهود قتلة الأنبياء والمرسلين، ومنها تدليس القول على الرسول زورا بمدحه (اللات والعزى ومناة) في قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى* ومناة الثالثة الأخرى*..) (النجم: 19، 20) فأضافوا كذبة عليه وقالوا لقد قال مضيفا: (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لتُرتجى) فأنزل الله قوله المحكم في السورة نفسها قائلا: (إن هي إلاّ أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلاّ الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) (النجم: 23) وفضح تلبيسهم في سورة الحج أيضا على لسان نبيه قائلا: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكم آياته والله عليم حكيم) (الحج: 52).. وصولا إلى دعوتهم إياه أن يعبدوا ربه يوما ويعبد آلهتهم يوما، فأنزل الله تعالى سورة الكافرون للرد على هؤلاء المُلبسين، لأن الحق لا يمكنه أن يلتقي مع الباطل أبدا. والحمد لله فقد حسم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هذه المسألة مع نصارى نجران ويهود بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة ومع المشركين والكافرين والملحدين والدهريين، وفصل بين الحق والباطل والحمد لله فقد تركنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك؛ إذْ جعل الإسلام خاتم الديانات، ولا دين من بعده. لكنّ الجاهلية بكافة أطيافها وفرقها لا يهنأ لها بال حتى تُلبس على الإسلام –وهكذا أمرها وستظل- فِرى وأكاذيب قديمة في أثواب دعائية جديدة كفرية المدعو (السيستاني) الشيعي الباطني الذي ابتنى لأتباعه الجاهلين "كعبة" في النجف، قرب ضريح الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، في فيفري الماضي، ونُصّبت هذه "الكعبة" يوماً واحداً ثم أزيلت؟ وتذكّرنا هذه الواقعة الشنيعة بما فعل ملوك اليمن عندما بنوا (القليسن) لتكون محجّ الناس عوض بيت الله الحرام، والمُضحك المبكي أن أتباعه الجاهلين صدّقوا ذلك وقصدوا أداء مناسك مشرِّع العبادات ومضاهي الله سبحانه وتعالى للحج في النجف وطافوا حولها يوماً كاملاً.. وليس هذا بغريب على دعاوى الباطنية منذ عهد كذبة الباطنية واختفاء الإمام (محمد العسكري سنة 261ه) وعهد (الحسن الصباح) زعيم الحشاشين الباطنيين.. إلى عهد طواغيت وأصنام التشيُّع الضالين.. ولن أُكلّف نفسي للذهاب إلى مصادر التراث الإسلامي لاستصدار حكم شرعي يناسب من وضع نفسه مضاهيا ومماثلا لله سبحانه وتعالى في اختراع العبادات.. لأنه اعتبر أن مكة والبيت الحرام مجرد أخشاب وقطعة قماش سوداء.. بل أُحيله على كتاب الله الذي تناول عبادة الحج في الكثير من المواضع القرآنية وسمى سورة في القرآن باسم سورة الحج.. وانظر قوله تعالى في سورة البقرة من قوله: (وأتموا الحج والعمرة لله..) (البقرة: 196) إلى قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج..) (البقرة: 197) إلى قوله تعالى: (واذكروا لله في أيام معلومات..) (البقرة: 203).. واقرأ قوله تعالى في سورة الحج: (وإذ بوَّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والرُّكع السجود* وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين…) (الحج: 26، 27) إلى قوله تعالى: (لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤُها ولكن يناله التقوى منكم..) (الحج: 37)، فمن بوأ لك كل هذا يا (سيستاني) لتكون بمثابة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سوى جهلك وحقدك على أهل السُّنة والجماعة والإسلام الحق؟ ولم يكتف الدعيُّ (السيستاني) بذلك، بل استقبل (بابا) النصرانية الحاقد على الإسلام الذي رأى خراب كنائسه وفراغها من العباد، وتحولها إلى خرابات ومقابر فارغة، وانصراف الشباب والطاقات المسيحية الحية عن عبادة الثالوث الوثني الهجين نحو الإسلام.. وهاله زحف الإسلام على أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وغيرها فجاءك لتَّتحدا معا على إسلام محرف ضال كعبته النجف ومشرِّعُه رؤوس الباطنية الشيعية وعلى رأسهم (السيستاني).. وإن من عظيم ما ابتليت به أمة الإسلام في العقدين الأخيرين توالي الضربات الموجعة على دينها الإسلامي العزيز والغالي عليها بالرغم من تركها العمل بتعاليمه وشريعته.. وقد استمرت تعمل هذه الدعايات اليهودية والمسيحية والإلحادية والباطنية والشركية ضد الإسلام، حتى خرجت علينا بدعوى قديمة في ثوب جديد هي دعوى "الإبراهيمية"، التي ابتنت له دولة الإمارات بيتا سمته "البيت الإبراهيمي" ليكون "ملتقى للديانات الثلاث" بحسب زعمهم الجاهلي، وهي بهذا الجرم القبيح جدا تخالف القرآن الريم وما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وبما فعله خلاله مسيرته الدعوية في جزيرة العرب التي أفرغها من كل الأديان واستبقى الإسلام فيها فقط، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يكون في جزيرة العرب دينان)، وجاء الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطرد كل النصارى واليهود وأخرجهم خارج الجزيرة العربية واستبقاها للإسلام وحده، وهكذا يجب أن تبقى بعز عزيز وذل ذليل. ولن نطيل الحديث في هذه الدعوى الباطنية الشركية الأخرى كالتي تولى كبرها (السيستاني) وزمرته من الملالي الباطنيين.. والتي يتولى كبرها يهودٌ وهي دعوى الانتساب إلى إبراهيم، وليعلم الجميع أن الله سبحانه وتعالى حسم أمر الإبراهيمية هذه منذ التنزيل في القرآن الكريم فقال تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله وليُّ المؤمنين) (آل عمران: 68). وقال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) (آل عمران: 67)، فأنتم تكذبون بما نزل في القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكفكم الركوع تحت أقدام بني صهيون الذي يقتلون ويذبحون ويقهرون إخواننا الفلسطينيين، ويغتصبون مقدساتنا وأرضنا، بل ذهبتم لخدمة المشروع الصهيوني والصليبي الذي عجزت عنه الإمبراطوريات الاستعمارية طيلة قرون من الصدام والصراع على الأرض والعرض والدين.. وكأنكم تخترعون شيئا تلفتون به أنظار الناس للتسامح المزعوم على حساب حقوقنا الشرعية ومقدَّساتنا وعرضنا وشرفنا المسفوح دمه على محارق يهود وصهيون في البنوك والبورصات والمحافل الدولية والقوانين الأممية الوضعية، وحالة الذلِّ والهوان التي عليها ثرواتُنا وشرفنا المسفوك في المحافل الدولية. وإليكم الحقيقة التي عميت عنكم ومنافقيكم من أشباه العلماء والفقهاء الكذابين.. هذا الحق الذي تُكذبون به في قوله تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) (البقرة: 130.. 133)؛ فديانة إبراهيم وأبنائِه هي الإسلامُ الذي ورثه وختمه محمد سيد الأنبياء والمرسلين، ونسخ كتابُه القرآن سائر الكتب والتعاليم.. فاتقوا الله وعودوا إلى دينكم وإلاّ فأنتم دخلتم في الشرك والكفر والإلحاد والمضاهاة والتكذيب بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن العيب والعار على من يسمون أنفسهم دعاة وفقهاء وعلماء الأمة من منافقي السلط الاستبدادية والراكعة تحت أقدام اليهود، فأين أنتم يا علماء الإسلام؟ لماذا تغلقون أفواهكم التي كانت تتناول أحكام الطعام والشراب والنوم والنكاح والتمتع والزواج بالصغيرات والجمع بين الأربع وطاعة السلطان والخضوع للظلمة والفاسدين والحكام المفسدين الراكعين تحت أقدام اليهود والنصارى؟!. ولا يسعني إلاّ أن أقول ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي 1868-1932م في قصيدته الشهيرة في رثاء دمشق: نصحت ونحن مختلفون دارا *** ولكن كلنا في الهمّ شرق وتجمعنا إذا اختلفت بلاد *** يد سلفت ودين مستحق. فهل تعون؟ وهل تطلبون العزة عند اليهود والنصارى وتكذّبون قول ربكم: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا..) (فاطر: 10)؟ وأين أنتم يا علماء الأمة؟ أللهم اشهد أني بلغت، وما جبنت، وما خفت وما خشيت.. لأنني أعلم أن (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).